راشد شرار ومحمد عبد السميع ود. محمد السيد إسماعيل وراشد القناص أثناء إحدي الندوات النقدية اتخذ عنوانه منصة للتواصل، وصدر شعراء العامية في عدد من البلدان العربية ليصدحوا بأشعارهم عاكسين التنوع الثقافي واللهجي وما تحمله من قيم وعادات وتقاليد وتصورات جمالية، ورسخ لنفسه طريقا وهدفا هو التعريف بجماليات ذلك النوع الإبداعي المغبون درسا وقراءة، سبعة أيام وأربعون شاعرا يمثلون توجهات شعرية متفاوتة، فضلا عن عدد من الدراسات النقدية التي تمعن في مفهوم التواصل وقيم الشفاهية في الشعر المكتوب باللهجات العربية، إضافة إلي قراءات شعرية علي منصات الشعر في الشارقة وأبو ظبي والبطائح وخورفكان ودبا الحصن، ولقاءات نقاشية وشعرية ثرية تردم الفجوات اللغوية لتعلن عن الطرائق الجمالية وتحرض الشعراء علي مزيد من الجمال والكشف عن خرائط شعر العامية أو الشعر الشعبي علي حد استقرار المهرجان بما يشكل أطلسا لقراءة ما وصلت إليه قصيدة العامية في الوطن العربية وقدرتها علي التواصل ولا يعني التواصل هنا لقاء الجمهور فحسب، لكنه يشير إلي تواصل الأجيال والطعوم الشعرية وتياراتها التي ما تزال معظمها تدور في فلك القصيدة الغرضية، أي التي تنتمي إلي فكرة الشعر وأغراضها من غزل ومديح وقصائد وطنية وإن فارقت بعض القصائد هذه الحدود لتخترق أفقا متوقعا من متلقي الشعر عبر اللقاء المباشر الذي يتحقق خلاله التطريب الصوتي ومهارات الكشف عن القوافي والمفارقات الجمالية. هكذا فتحت الشارقة قلبها واحتشد جمهورها ليلتقي بعدد من شعراء الوطن العربي من خلال مهرجان الشعر الشعبي عبر دورته الرابعة عشرة التي نظمها مركز الشعر الشعبي بإشراف دائرة الثقافة بالشارقة مؤخراً، واجتمع علي منصات التواصل الإبداعي أربعون شاعرة وشاعرًا يمثلون عددا من الدول العربية هي : مصر والسعودية والكويت والبحرين وسلطنة عمان واليمن والعراق وسوريا وفلسطين والأردن ولبنان والمغرب والجزائر وتونس والسودان وموريتانيا، فضلًا عن عدد من شعراء الإمارات. منصات التواصل الشعري ويستكمل المهرجان دوره في بحث قضايا الشعر المكتوب باللهجات العربية متخذا عنوانا إشكاليا هو »القصيدة الشعبيّة.. منصّة تواصل» ليؤكد علي هدف أصيل من أهداف المهرجان يتمثل في تواصل النصوص مع بعضها البعض وإفادة الشعراء من أنهارها المتعددة ، فضلا عن التواصل مع الجمهور وتعريفهم بألوان هذا النوع الإبداعي المائز في أقطار الوطن العربي، وخلق مناخ نقدي لتحليل النصوص ومكاشفة جمالياتها وقدرتها علي التواصل مع تراثها سواء عبر الإحلال والإزاحة وتوظيف المأثور الشعبي للبيئات التي تخلقت فيها القصائد. ويكتسب المهرجان قيمة مضافة لأنه سنويا تحت رعاية وبحضور الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلي حاكم الشارقة الذي يري في هذا الجمع العربي نوعا من لقاء الجمال وفرصة لتواصل الأجيال عبر الدراسات النقدية والدواوين المطبوعة التي بلغت هذا العام 50 ديوانا شعريا والأمسيات والأصبوحات الشعرية وحفلات التوقيع، ولم يتوقف الأمر عند هذه التنوعات والفعاليات الثرية، لكن المهرجان استطاع اجتذاب الجمهور في أماكن انعقاد النشاط علي عدد من مسارح الإمارات بوصفها منصات للتواصل في قصر ثقافة الشارقة، ومسرح أبو ظبي، ومسرح البطائح، وقصر ثقافة دبا الحصن. تقدير الشعر والشعراء ومما يدعونا إلي تقدير هذا المهرجان أن كل أمسية شعرية لا تزيد عن أربعة شعراء، يعلن فيها كل شاعر من المدعوين عن توجهاته الشعرية ويأخذ وقتا يعبر فيه بقصائده عن ملامحه الجمالية وطرائقه الأدائية، ويسبق كل أمسية إعلان تم تصميمه بعناية وجمال عن المشاركين، فضلا عن توزيع كتاب توثيقي بالسير الذاتية للشعراء المشاركين ونموذج من أشعاره ليتعرف الجمهور علي الشعراء قبل الندوة وأثنائها، الأمر الذي يشير إلي تقدير الشعر والشعراء بعيدا عن الكثرة الكمية التي نراها في عدد من المحافل والأمسيات الشعرية في الوطن العربي، ففهي هذا المهرجان كل شيئ يتسع للشعر ومتلقيه وشعرائه ليعلنوا عن أنفسهم . لقد كان راشد شرار مدير مركز الشعر الشعبي شعلة من التوهج الإنساني والشعري، يتابع بدأب كل صغيرة وكبيرة ويقف مكرما كل المشاركين بعد انتهاء أماسيهم الشعرية، فضلا عن حضوره لحفلات توقيع الدواوين الشعرية، فقد حظت كل ليلة بتوقيع أربعة أو خمسة شعراء لدواوينهم، وبلغت الدواوين التي وقعها أصحابها خمسين ديوانا شعريا قامت دائرة الثقافة ومركز الشعر الشعبي علي طبعتها ، وهي بداية الإنطلاقة لطباعة دواوين الشعراء المتميزين في الدول العربية، ولم يقتصر الأمر علي طباعة الدواوين فحسب ، فقام المركز بطباعة عدد من الدراسات منها كتاب عن مفهوم الشعر الشعبي في السودان وكتاب لأبحاث النقاد التي قدمت في الدرة السابقة للمهرجان . إن التوثيق أحد أهم أهداف المهرجان ليطرح علي ساحة النقد توجهات الشعراء في هذا اللون الإبداعي الذي سكت النقد عن متابعته لمدة طويلة رغم ما قدمه من إنجازات جمالية . تكريم رواد الشعر الشعبي ومن تقاليد المهرجان في كل عام الاحتفاء بتكريم بعض رموز هذا اللون الشعري في الإمارات والبلدان العربية ولم يقتصر الأمر عند حد التكريم بل عقدت ندوة بحثية لإلقاء الضوء علي منجزهم الإبداعي والوقوف علي سيرهم الذاتية؛ وقد كرم المهرجان هذا العام الشعراء: سالم سيف الخالدي، بطي المظلوم، تنهات نجد، ورصد الكتاب التوثيقي بعض إنجازاتهم، فالشاعر الخالدي أصدر عددا من الدواوين منها : »صحراء المحابيب» و»أوتار الحنين»، و»تحت السيطرة»، وهو شاعرٌ له تجاربه المتميزة في صفحات الشعر التي يشرف عليها في عدد الصحف المحليّة وإصداراتها المصاحبة، وقد تم تكريمه من جامعة الدول العربيّة كأفضل شاعر وكاتب إماراتي عام 2003، وقد ساهم في كتابة مجموعة من الأوبريتات الغنائية، مثل »الحلم العربي»، و»الولاء والانتماء» و»أمّ الإمارات»، وأشرف علي صدر عدد من الدواوين الشعريّة، منها : »سحايب» للوزير علي سالم الكعبي، - »إطلالة فجر وقلائد» للشاعرة مطلع الشمس، وقد انتشرت بعض أغنياته علي ألسنة نجوم الطرب في الإمارات والخليج والوطن العربيّ. أما المكرم الثاني فقد كان الشاعر بطي المظلوم الذي يُعدّ من أوائل مُقدّمي البرامج المعنية بالشعر الشعبيّ، وتجاربه في الاهتمام بهذا النوع من الشعر جعلته علي رأس من يقدمون نماذجه المتميزة عبر تليفزيون وإذاعة أبو ظبي، وقد أهلته اهتماماته ليكون عضواً في مجلس شعراء الإمارات الشماليّة ثم نائباً لرئيس مجلس شعرائها، فرئيساً لمجالس الشعر، ومن أشهر البرامج التي قدمها : »واحة التراث» كأول برنامج جماهيري في إذاعة أبو ظبي يتناول فيه الأشكال التراثية من عادات وتقاليد وألوان حكائية وشعرية، فضلا عن البرنامج التلفزيوني الجماهيري »مسابقات في تراث الإمارات»، إضافة لتعليقه علي سباقات الهجن وإشرافه علي تحرير الأبواب الشعرية في عدد من المجلات والصحف، ويأتي تكريم الشاعرة ريما عبدالله اتنهات نجدب تكريماً للمرأة الشاعرة؛ خصوصاً وأنّ لها مشوارها الشعري الذي اجتازته بإصرار وتحدٍّ وعزم نحو النجاح، تحت اسمها المستعار »تنهات نجد»، ذلك أنّه كان شاقاً جداً علي فتاة في الثانية عشرة من عمرها أن تخوض غمار الشعر، فكان أن أصبحت رقماً صعباً في عالم الشعر النسائي الخليجي، في السعوديّة وفي الإمارات وفي كلّ الخليج، لتصدر بداية التسعينيات من القرن الماضي ديوانها الأول »غربة عمر»، ثم تصدر ديوانها الثاني نهاية عقد التسعينيات بعنوان التنهات، وقد عُرفت الشاعرة بما حصدته من جوائز وبحضورها الشعري في المهرجانات النسائيّة التي قدّمتها للعمل الصحفي نظراً لثقافتها وجديّتها فيما تطرحه من أفكار وكتابات تنتصر فيها للمرأة العربية، فضلاً عن إسهامها المتواصل في الكثير من لجان وجمعيات العمل التطوعي، يزيد هذا كلّه أنّ فنانين مشهورين غنّوا من أشعارها، ومنهم الفنانون محمد عبده، وعبادي الجوهر، ورباب، وعتاب، ورجاء بلمليح، ومحمد البلوشي، وحسين الجسمي، وعادل خميس، وعبد المنعم الصالح، وماجد المهندس، وعبادي الماجد، ومزعل الفرحان، كما غنّت لها فرقة دبا الحربيّة أشعاراً لأمّ الشهيد وقصائد في حبّ الوطن. مرايا الشعر وانعكاساته ولم يخل المهرجان من الندوات النقدية التي تحتفي برموز الوطن ، ولأن العام كان عام زايد الخير فقد أقام المهرجان ندوة للاحتفاء بالقائد الرمز المرحوم الشيخ زايد موحّد الدولة وأوّل رئيس لها، تحت عنوان »صورة الشيخ زايد كما رسمتها قصائد الشعراء»، كمحاولة لتتبع ما رسمه الشعراء للشيخ زايد في مرايا الشعر؛ وجاءت هذه الندوة في ظلّ الاحتفال ب »عام زايد»، واستذكار ملامحه الشخصيّة وحكمته السياسيّة وبُعد نظره وكونه رحمه الله عقلاً فريداً لتبقي ذكراه حاضرةً تتناقلها الأجيال لتروي بدايات تأسيس الدولة وتحقيق حلم الاتحاد والبناء وتعظيم الإنجاز، كما حرص المهرجان علي إقامة ندوة نقدية لعدد من نماذج الشعراء المشاركين علي منصات التواصل الشعري لتكشف عن توجهاتهم الجمالية، ولم تخل الندوة من طرح أسئلة حول إشكالية المصطلح وإشكاليات التدوين وعلاقته بموسيقي الشعر وما يعكسه التدوين من مشكلات قد تتسبب في مشكلات موسيقية ودلالية. جنود المهرجان المهرة ويبقي المهرجان فاعلية مهمة أو علي حد تعبير الشاعر راشد شرار مدير مركز الشارقة للشعر الشعبي ومدير المهرجان لأنه حرص علي جمع هذا العدد المتميز من الشعراء في الوطن العربي بغرض التلاقي والتواصل والتباحث، فإذا كان كل شاعر يكتب بلهجته المحلية التي قد تنغلق بعض مفرداتها علي غيره من شعراء الدول العربية الأخري، فإن من شأن هذا التلاقي والتواصل الذي يحدثه المهرجان أن يعمل علي تقريب هذه اللهجات إلي بعضها البعض، وفض مغاليق كل لهجة، بما يؤدي إلي توسيع دائرة التواصل بين هؤلاء الشعراء وجمهور الشعر في الوطن العربي، وقد أضاف للمهرجان بريقا اهتمام دائرة الثقافة في الشارقة برئاسة عبد الله العويس وإدارة الشئون الثقافية برئاسة محمد إبراهيم القصير تمثل في توسيع الدائرة وعقد فعالياته في عدة أماكن، ليكن الهدف السياحي والترويحي ضمن أهداف المهرجان عبر من الجولات الأدبية السياحية، وينبغي أن نؤكد علي الجهد الرائع الذي يشير إلي رجل لا يعرف إلا الإنجاز والدقة والحفاوة الدائمة بضيوف المهرجان إنه الكاتب الصحفي المصري محمد عبد السميع الذي كانت لمساته وراء كل تفصيلة من فعاليات هذا الحدث الثقافي والإبداعي المهم ، والشكر للشاعر ناصر الشقيري الذي بذل جهدا محترما لإنجاح هذه الدورة.