منذ أن نالت قازاقستان استقلالها، أصبحت خلال 26 عامًا دولة معروفة، لها مكانة بين العالم، وهذه ثمرة من ثمرات السياسات الرشيدة اليت تقود باقتدارٍ شعبها ليحقق ما هو أقرب للمستحيل؛ فقد أيقنت القيادة أن عليها أن يحافظ على تراث الأجداد، وما فيه من مبادئ التسامح والتضامن والاحترام والحب والتقارب والانسجام والتقارب والتواصل الأخلاقي النبيل بعيدا عن التعصب والحزبية، حتى صارت العديد من الدول اليوم تعترف بتفرد النموذج القازاقستاني الذي يكفل التجانس في مجتمع متعدد الأعراق، والذي يقوم على احترام التنوع العِرْقي والديني والثقافي واللغوي، واعتبار هذا التنوع إرثًا ولبنةً أساسيةً ينبغي أن تقوم عليها وحدة المجتمع، والسماح بتطوير ثقافة ولغة المجموعات العِرْقية في قازاقستان، وتعزيز مبادئ الشراكة والمسؤولية. يقول رئيس جمهورية كازاخستان نور سلطان نازاربييف: "هو أمر مهم للغاية بالنسبة لنا؛ لتعزيز الإحساس بالوطنية في الجيل المتصاعد عبر فهمٍ عميقٍ لمصادر التاريخ والثقافة والحضارة الأصيلة والنبيلة، وتعزيز استمرارية المعاني الروحية من التوجيهات الحكيمة من أسلافنا". وأعتقد أن العالم أجمع في حاجة إلى التعرُّف على العنصر الرئيسي في هذا النموذج، والذي يصل إلى 70% منه، وهم القازاق.. فهناك مواصفات خاصة متعلقة بشعب القازاق، قد يشاركه فيها غيره من الشعوب مع اختلافٍ في المسميات، أو ينفرد بها شعب القازاق، وأن تعزيز الصداقة بين شعوب العالم، وتعميق التفاهم والتعاون المتبادل بينهم، يحتاج إلى مجهودات لاستجلاء ثقافة وتاريخ هذه الشعوب العظيمة، وما فيها من جوانب مشرقة، توارثتها الأجيال، لتشكل قاسمًا مشتركًا بين تلك الثقافات، ما يمكِّن من الارتكاز عليه في التواصل المشرق والمستنير. إن عملية إحياء الثقافة الوطنية تعني تغيير النموذج الثقافي، وإعادة النظر في المفاهيم السابقة القديمة، ويُنْظَر إلى إحياء التقاليد القازاقية اليوم في قازاقستان باعتباره استعادة للاستمرارية التاريخية،وبالنسبة للشعب القازاقي، فإن هذا الأمر ليس سهلًا، فالقازاق الآن ليسوا بَدْوًا وليسوا رُحَّلًا كما كانوا، فضلًا عن الدمار الواعي والمنظم للتقاليد القازاقية طوال القرن العشرين خلال الفترة السوفيتية، والذي قاومه القازاق بكل الطرق الممكنة في سبيل الحفاظ على بعض طرق الحياة القديمة، وتشبثوا وثبتوا وثابروا؛ لينقلوها إلى غيرهم كما تسلموها كاملةً، أو لينقلوا ما استطاعوا الحفاظ عليه. وهكذا، فإن إحياء التقاليد في جميع مجالات الحياة سمةٌ مميزةٌ من سمات قازاقستان الحديثة، كما شهدت المواقف تجاه التقاليد تغييرات كبيرة. في نهاية القرن العشرين كانت النتائج السلبية للتحديث تتجلى بشكل أوضح؛ ولذلك فإن الانفصام التقليدي بين "التقليدي" و"الحديث" قد أفسح المجال لفهم أنه (كلما تم تدمير التقاليد والأسس التقليدية للمجتمع، زادت درجة الفوضى والفوضى).. فتعمد الثقافة القازاقية في كل جزءٍ منها على الحفاظ على نفسها وتقاليدها وآليات تناقُلها من جيلٍ إلى جيلٍ، ولا يمكن لثقافة أيّ أمة أن تخلو من التقاليد.. ورغم أن كل التقاليد والعادات لم تنجُ ولم تصلنا كاملة، وتلك التي وصلتنا قد تغيرت كثيرًا، و"تكيفت" مع الواقع الحديث؛ لتصبح شيئًا يشبه فقط تلك التي كانت، وهناك فرق بين أن نعرف تقليدًا أو طقسًا غريبًا ونعرضه ونعرض اعتقادات الشعب حوله، وأن نرفضه بحجة أنه عفا عليه الزمن ولا يتناسب مع حياتنا،فنحن نعرضه باعتبار أنَّ نقله يُعَدُّ جزءًا من الحفاظ عليه، وننتظر الدارسين والباحثين لمناقشته وفهم فلسفته، وهذا هو ما تقوم عليه فلسفة الحفاظ على التراث القازاقي ونقله من الجانب الشفهي إلى المكتوب الخاضع للدارسة. هناك فرق بين هذا وبين ما نريد إحياءه مما نراه جيدًا من التقاليد والعادات والقِيَم ونعجز؛ لأنه لا يحظى بالاعتراف الشعبي، ولأنه لا يجوز حظر أو إحياء العادات والتقاليد بقرارٍ، فعملية التحول غالبًا ما تحدث مع الوقت، فالقاعدة تقول: "كل شيء يتدفق، كل شيء يتغير" (كانات تاسيبيكوف، كتاب "الظرف القازاقستاني)..