نفس المشهد القاتل يتكرر بتنويعات مختلفة، تتساقط القنابل علي هيروشيما، بينما يجلس قائد الطائرة واضعاً (الهيدفون) علي أذنيه يستمع إلي سيمفونية (القدر) لبيتهوفن.. هل هو (التغريب) البريختي، يسمح بقراءة أعمق للمشهد، أم هي الرأسمالية المتوحشة تعشق الموسيقي الكلاسيكية، في الوقت الذي تعلق فيه رؤؤس وفراء الحيوانات، في صالونات بيوتها، شهادة حية علي التماهي الذي تعيشه مع الوحش الذي يسكنها؟!.. صورة أقرب إلي ( القرد كثيف الشعر) في مسرحية يوجين أونيل عندما يذهب (يانك) في نهاية المسرحية إلي حديقة الحيوان، لإطلاق سراح الغوريلا، فهو يذهب لإطلاق اعترافه بالوحش الذي صار إليه، والاعتراف بانتهاء الإنسان الذي كانه، هكهذا تنتهي المسرحية بالفعل الرمزي بالغ الدلالة، فما إن تخرج الغوريلا من القفص حتي تقتل يانك!! هل اعتدنا بالفعل علي وحشية العالم، ووحشية أنفسنا؟ هل ندرك حجم الخسارة الفاجعة، حتي اعتدنا علي كل هذا الدمار والرعب؟ يكتفي الصقر بإلحاق الهزيمة، ولا يتمادي في القتل، عكس الحمامة التي لا تتوقف عن العنف، لدي قيامها بتعذيب حمامة أخري.. هذا ما يوضحه (كونراد لورانزو) في كتابه (العنف) فكوابح القتل، تضمحّل كلما كان الحيوان أكثر ضعفاً وأقل سلاحاً.. الإنسان أيضاً يتمادي في القتل والعنف والتمثيل بجثث خصومه، ليس لأنه حمامة، أو لأنه الأقل سلاحاً، ولكن لأنه الأكثر عنفاً، والأكثر وحشية.. الوحشية (رغم اشتقاقها) صفة خاصة بالإنسان وحده، فالحيوان الوحش لا يعرف الوحشية، ولا يعرف القتل المجاني، من دون حاجة إلي طعام أو حماية.. الحيوان الوحش لا يقتل مع سبق الإصرار والترصد، لا يُخطط، ولا يُدبر للجريمة، لا يعرف إرادة القتل. الحيوانات المسلحة بأنياب ومخالب والقادرة علي القتل، هي الأقل فتكاً بأبناء جنسها، إذ مع وجود السلاح الطبيعي القوي يوجد الكابح، وحده الإنسان الذي يتمتع بعنف ووحشية تخصه وحده.. يختلف الإنسان عن الحيوان في حقيقة كونه قاتلاً، لأنه الحيوان الوحيد في رأي إيريك فروم، الذي يقتل أفراداً من بني جنسه ويعذبهم، دونما سبب بيولوجي أو اقتصادي، ويحس بالرضا التام عن فعل ذلك..!!