لا يمكن أن نكون بهذا الجهل. لا يمكن أن نكون بهذه الوحشية، ولا يمكن أن نكون بهذا «الغباء»، نظن أننا فى عالم وحدنا نفعل به ما نشاء، والمعترض «يخبط دماغه فى الحيط». تلك هى النظرية التى استخدمتها المحليات فى التخلص من الخنازير.. وفى مقالى السابق قلت إن الحكومة، التى لم تستطع نقل «زرائب» الخنازير على مر السنوات الطوال - نتيجة ضعف ومقاومة وتكدس سكانى - تراكم حتى أصبح نقلها أمرًا شديد الصعوبة، اتخذت الحل الأحوط وهو قتل الخنازير أو ذبحها لمنع ظهور الفيروس فى مصر. وقد جاءتنى ردود علمية كثيرة تؤكد أنه لا علاقة للخنازير بالفيروس الآن.. فالقضية أن الفيروس تحوّر فى الخنزير، لكنه ينتقل الآن بين البشر وبعضهم، ولذا يرتدى الناس فى العالم الكمامات.. ليس خوفا من الخنزير ولكن خوفا من العدوى من إنسان.. ولم نر بلدًا يقتل قطعان خنازيره سوى بلدنا. كنت أفترض حسن النية و«السبيل الأحوط»، كما قلت فى الحكومة، وقلنا يا سلام برضه الحكومة جامدة تستطيع أن تنفذ حين تريد.. لكن التنفيذ هو المصيبة الأكبر! فالصور التى نقلتها «المصرى اليوم» – وتجاهلتها صحف أخرى كثيرة لا أدرى لماذا – لا تكشف سوى عن جهل ووحشية وعنف لا يمكن لأحد أن يقبله.. فكيف يمكن أن تقبل أن يقتل حيوان - أى حيوان أليف وليس متوحشًا أو كاسرًا - بتلك الطرق الوحشية.. وماذا يمكن أن يكون رد أصحاب هذه القطعان عندما يرون ثروتهم تبلى بهذه الطريقة.. ولماذا لم ينهض المجتمع المدنى لرفع هذه الوحشية؟ أم أن الخنزير، لأن من يملكه قبطى مسيحى ولا يأكله مسلم، فهو حيوان يجب أن يقتل ويباد من على الأرض؟! لقد أكد رجال ديننا الحنيف أن الإسلام لا يقبل أبدًا ما يحدث وأن قتل الخنازير بمواد كيماوية وهى حية مخالف لتعاليم الإسلام.. وهذا ما نتوقعه ونعرفه.. لكن السادة فى المحليات لا يعرفونه.. ولا يعرفون سوى تنفيذ التعليمات.. القرار قال تخلص من الخنازير نهائيا.. تخلص منها بأى طريقة.. فإذا لم نجد ثلاجات أو مجازر فلنلق بها فى الرمال.. تنَفق أمام أعيننا.. وهى حية نسمع صوتها وخوارها ولا نأبه.. أى وحشية هذه؟!! أما الحكومة فقد غسلت يديها طبعا.. فلا هذا وزير أو ذاك يعرف شيئا عن المذبحة، وأتوقع أن المحافظين أيضا لا يعرفون عنها شيئا وتقع المسؤولية كلها على عدد من الموظفين البسطاء المساكين. وانتظروا.. انتظروا رد الفعل الدولى.. طبعا نحن لا نهتم على الإطلاق.. فإذا كان الإنسان لا كرامة له فى وطنه، فلماذا يكون للخنزير أى معنى.. ولماذا يكون القضاء على سلالة كاملة له أى معنى؟! جمعيات حماية الحيوان الدولية، المؤسسات غير الحكومية، المنظمة العالمية للصحة الحيوانية.. حتى إن هناك مظاهرات تنتظر الرئيس مبارك فى واشنطن، جانب منها من أجل الخنازير.. هل يدرك من يرتكبون تلك الجريمة نتائج ما يفعلون: الفضيحة الدولية التى أصابتنا، أم أننا فقط ننفذ الأوامر؟ إنه شىء مشين لدولة الإسلام التى سيُلقى منها أوباما خطابه للعالم الإسلامى، أن نتخلى عن أقل مظاهر التحضر.. وهى الرفق بالحيوان. اذبحوها.. لكن لا تدفنوها حية.. يرحمكم الله. آخر الكلام: أشكر كل الآراء التى وصلتنى بخصوص مقالاتى حول «الشادور».. ما أسعدنى فى ردود الأفعال لتلك المقالتين هو ظهور الرأى المعتدل أخيرًا.. ففى البداية كان الهجوم فقط، يخشى المعتدلون كثيرا من أن ينخرطوا فى مثل هذا الحوار.. ولكن مع إصرارى على إثارة القضية – التى سأتابعها بإذن الله – ظهر المعتدلون وارتفعت أصواتهم.. إنه بلدنا، علينا أن نحافظ عليه.. لا تخافوا ارفعوا أصواتكم. [email protected]