لم يرحل زاهي حواس عن الآثار. كل المتعاملين مع الوزارة يعرفون هذا، لكن هذه المرة الأمر مختلف، فالمسألة تعدت الاستشارات والقرارات الإدارية البسيطة إلي حدود أبعد وأكثر ظلما وتعقيدا، حواس الأمين والوزير السابق لم ينس معاونيه ولاتزال منحه وهداياه مستمرة إلي الآن، والهدية هذه المرة كانت "مقبرة كاملة" أهداها الوزير السابق لسكرتيرته! التفاصيل التي ننقلها علي لسان علي عبدالله البطل، مفتش آثار سقارة، تقول إن حواس اعتاد -كما في كل المواقع- أن يكون وحده صاحب الحق في إعلان الاكتشافات الأثرية الجديدة، رغم أنه ربما كان يري الاكتشاف يوم تصويره، هذه المرة كانت البعثة المصرية العاملة هناك علي موعد مع كشف جديد، كانت قد اكتشفت مقبرة "شبس بو بتاح" وكانوا في انتظار حواس ليعلن عن الكشف، لكن قامت الثورة وتغيّر الحال وتأجل الإعلان. نسي حواس المقبرة، أو هكذا ادّعي، والكلام علي لسان البطل، حتي ذهب إليه الأخير بعد أن خرج من الوزارة "من باب اللياقة" حتي يسمح له بالإعلان عن الكشف ونشره كرسالة دكتوراة، ووعده حواس بمساعدته في هذا الأمر، إلي أن فوجئ منذ أيام بسكرتيرة حواس الخاصة، نشوي جابر، تعلن أنها حصلت بالفعل علي موافقة اللجنة الدائمة للآثار لنشر الموقع في رسالتها للدكتوراة "رغم أنها لا تعلم شيئا عن الموقع ولم تزره في يوم من الأيام"! البطل تقدم بالفعل بمذكرة إلي الوزير الجديد شرح فيها التفاصيل الكاملة وقال في نهايتها "إذا كان من حق الأمين العام الأسبق أن يجامل سكرتيرته فليجاملها كيف يشاء، أما وأن يمنحها حق نشر مقبرة في موقع لا يعرف هو عنه شيئا ولا يأتيه إلا للتصوير مع التليفزيونات الأجنبية فقط، وحفر بأموال المجلس الأعلي للآثار، فكان من الأولي أن يمنح هذا الحق لأولئك الذين عملوا فيه تحت لهيب الشمس وزمهرير البرد، واجتهدوا في البحث وإعداد التقارير". البطل، الذي يأمل أن يرفع الوزير الظلم عنه، قال إنه يعرف أن الوزير ليس باستطاعته فعل الكثير "فهو سيُحيل الأمر للجنة الدائمة التي عينها حواس، والتي أقرت بالظلم في وقت سابق، وبالتأكيد ستعيد ظلمي مرة أخري". ما يقوله البطل ليس إحباطا ولكنه استنادا إلي موقف سابق حيث يؤكد أن الأمر نفسه تكرر حين استولت السكرتيرة نفسها علي جهد زميله ونسبته إلي نفسها بل حصلت من خلاله علي الماجستير!! أما المقبرة محل الخلاف فهي واحدة من أجمل المقابر المكتشفة في منطقة سقارة، تقع بموقع جسر المدير غرب هرم ونيس آخر ملوك الأسرة الخامسة، وإلي الجنوب الغربي من هرم زوسر، تبعد عنه بحوالي 400 متر فقط، وهي عبارة عن مقصورة منحوتة في الصخر جدرانها مبطنة بألواح من الحجر الجيري الأبيض ومنقوشة وملونة. علي مدخلها عتب نقش عليه نص لصحاب المقبرة قال فيه "أمر جلالة الملك ونيس بإحضار تابوت من الحجر الجيري من محاجر طرة" وكما يؤكد البطل فإن التابوت موجود بالفعل في حجرة الدفن وعليه إفريز من الكتابة الهيروغليفية محفورة بالرسم الغائر باسم وألقاب صاحب المقبرة. ومن ألقاب صاحب المقبرة "المشرف علي بيتي الفضة" و"المشرف علي كهنة هرم الملك جد كارع اسيسي، و"المشرف علي كهنة هرم الملك ونيس" و"المشرف علي كهنة هرم الملك تتي، أما المقبرة من الداخل فصوّرت مناظر من الحياة اليومية، مثل الزارعة، وصيد الطيور، والسمك، وصناعة الذهب، وجدت هذه المناظر المصورة علي لوحات من الحجر الجيري الأبيض الجميل ملقاة علي الرديم وقام فريق العمل بإعادة تركيبها في أماكنها الأصلية وقضي في ترميمها وتثبيت ألوانها نحو ستة أشهر، بعدها توقف العمل وقامت الثورة وحدث ما حدث.