" أسرار الزعماء وفضح العملاء.. مذكرات سياسية في نصف قرن" عنوان أحدث مؤلفات الكاتب الكبير إسماعيل النقيب، وصدر عن هيئة الكتاب، وفيه رسم النقيب بالكلمات بورتريهات لعدد من الوزراء والشخصيات العامة المصرية والعربية، ورغم أنه يتحدث عن شخصيات من زمن مضي، إلا أنه في حقيقة الأمر يكشف عن جزء مجهول من حياة أشخاص تولوا المسئولية في لحظات حرجة من تاريخ الوطن، وهو في جانب آخر يعقد موازنة بين طبيعة الوزراء وأخلاقهم في الستينيات والسبعينيات، وما نراه الآن من آثار لوزراء حقبة الرئيس السابق مبارك، وحجم قضايا الفساد المقدمة حاليا أمام المحاكم، يروي النقيب واقعة حلمي مراد وزير التربية والتعليم في الوزارة التي تشكلت بعد مظاهرات الطلبة في 25 فبراير 1968، عندما أعاد الهدايا التي تلقاها خلال زيارته لإحدي دول الخليج العربي ، ووجد أن الدولة المصرية الأحق، خاصة أن رفضه الهدية منذ البداية عيب وإحراج للهادي، ثم أنها ما كانت لتهدي إليه، لولا أنه وزير، وبالتالي فالهدية للمنصب لا للشخص. يقارن المؤلف بين الملايين التي يحاسب عليها عدد من وزراء مبارك، وبين وزراء في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، كانوا يجدون صعوبة في توفير عشرة جنيهات لأبنائهم، فيحكي النقيب واقعة الوزير الأسبق زكريا توفيق عبد الفتاح: " عندما طلبت ابنته هالة عشرة جنيهات فأعطاها لها، وطلب ابنه طارق مثلها، فأخذ ما طلب، وبعد أيام عاد طارق ليطلب عشرة جنيهات أخري، فقال له أبوه: أنا يا ابني مرتبي صغير، ولا أستطيع أن أعطي لك أكثر مما أعطيت!". الكتاب رحلة في عالم السياسة من خلال التركيز علي شخصيات لعبت أدوارا كبيرة في هذا المضمار، منهم د. عبد العزيز حجازي رئيس الوزراء الأسبق، الذي تولي وزارة الخزانة عقب مظاهرات الطلبة في عام 1968، وبعد وفاة عبد الناصر، صعد نجم حجازي أكثر وعينه السادات نائبا لرئيس الوزراء، ثم رئيسا للوزراء، ويحكي مؤلف الكتاب قصة خروج حجازي، وهي قصة تلخص طرق خروج الوزراء، فلا احد يعلم كيف جاءوا، ولماذا رحلوا: " مات عبد الناصر.. وسطع نجم الدكتور حجازي أكثر وأكثر في زمن أنور السادات، وكان يقول عنه، سيدنا يوسف، ثم عينه نائبا لرئيس الوزراء، ثم رئيسا للوزراء، ثم حدث تغيير وزاري.. وطلب أنور السادات من د. حجازي أن يعيد تشكيل الوزارة" وبينما كان حجازي مشغولا بذلك، دخل عليه أحد الأشخاص ومعه نسخة من جريدة الجمهورية وعنوانها: الرئيس يطلب من ممدوح سالم تشكيل الحكومة الجديدة!!. النقيب لم يسرد سير وزراء، بل قدم جزءا من تاريخ مصر، من خلال شخصيات لعب بعضهم فيه دور البطولة، ركز المؤلف كذلك علي جوانب إنسانية وشخصية في حياة من كتب عنهم، وكيف أن أصحاب المبادئ يقولون كلمتهم في وجه أي سلطان جائر، لا يخافون عقابه، ومن هؤلاء الدكتورة عائشة راتب التي فقدت منصبها الوزاري، لأنها دافعت عن حق المصريين في التظاهر يومي 17 و18 يناير 1977، طالبة في اجتماع مجلس الوزراء أنه لابد أن يستمع لصوت الجماهير الغاضبة عن حق، في ظل أن " كلام الحكومة لا يقدم ولا يؤخر"، وفي هذا الإطار نقرأ في الكتاب كيف استقال د. منصور حسن وزير الدولة لرئاسة الجمهورية، أعتراضا علي اعتقالات سبتمبر 1981. الكتاب ملئ بالحكايات التي يجب أن تقرأ، خاصة أننا في مرحلة تحتاج إلي قراءة جيدة للتاريخ المصري.