الذين يتحدثون اليوم عن الشعر الثوري، يفترضون ولهم حق الافتراض طبعاً، أن من الممكن أن يكون هناك شعر غير ثوري، بينما الشعر لا يكون هكذا أبداً من دون أن يكون ثورياً، هو الطاقة المتجددة علي التغيير، يكتشفها الشعراء في السجون والمستشفيات وقطارات الدرجة الثالثة، قبل أن يعثر عليها السياسيون "الغلابة"، وبالتالي لا يُمكن أن أصف ما يكتب اليوم عن الثورة سوي بأنه شعر متسرِّع وعاجل أو بمعني آخر شعر مُستعمل. نعم أقرأ وأسمع شعراً كثيراً، بعد الثورة، من عامية هشام الجُخ المسرحية جداً، إلي نثرية النثريين، الذين حين باتوا في الميدان قرَّروا أن يمتاحوا التجربة، لكنني لم أقرأ شعراً بعد الثورة، كان محقَّاً جداً ذلك الشاعر الأمريكي الزنجي الذي قال ذات مرة ساخراً "كلنا في الليل شعراء سود"، أعتقد أن "كلنا في الثورة شعراء خرس"، الذين يكتبون والذي توقفوا قليلاً عن الكتابة، بمعني أننا يجب أن نذهب إلي الميدان كي نسمع ونتعلم، أكثر مما نكتب، ثمة شعر كثير لم يُكتب بعد في التحرير. ثم أنني لا أحتاج أن أذكركم بنصيحة طه حسين لأدباء ثورة يوليو، حين قال "حين تقوم الثورات يجب أن يهدأ الأدب"، لقد كان حكيماً لأنه توقع أن يظهر بعضهم بقصائد مسروقة بهدف أن يركب الثورة والشعر معاً، وأن يطبع آخرون دواوينهم عن الثورة، حتي قبل أن يدفن جثمان أحد شهدائها، وأقصد الشهيد المبتسم، الذي ظلت جثته في مشرحة مستشفي الهلال الأحمر إلي منتصف شهر مايو تقريباً، علي الرغم من استشهاده برصاص الشرطة يوم 28 يناير، لا يمكن طبعاً أن أصدق شعراً هكذا، هذا كذب، والصمت أشرف كثيراً في هذه الحالة. منذ حصلت الثورة، لم أكتب سوي نصوص قليلة جداً، بعد قصيدة واحدة العام قبل الماضي، شاء حظها أن تحمل عنوان "لا شيء ..يدوم"، لا أجد حرجاً في أن أكتب عن تقطيبة في وجه أبي، ولا أكتب عن الثورة، لأنني أفضِّل أن أفعل ما يجعلني صادقاً مع نفسي، فلا خير في شعر يفقد صدقَه، صدِّقوني.