هل من جديد يمكن قوله عن الثورة؟ الإجابة السريعة هي لا بالطبع. كل شيء تم حكيه، أو سماعة، أو نشره، أو حتي مشاهدته في التليفزيون أو في اليوتيوب أو علي الفيس بوك. لكن الإجابة المتأنية بالتأكيد ستكون نعم هناك جديد يمكن أن يقال في هذه الثورة، فوراء كل شخص من الملايين التي نزلت الشوارع بالتأكيد هناك حكايات لم ترو بعد، حكايات من واجبنا الإنصات لها، حكايات مذهلة لأشخاص عاديون مروا من هنا وغيروا التاريخ. عزت أمين واحد من هؤلاء، وكتابه "حزب الكنبة..رحلتي من الكنبة إلي الميدان" صحيح أنه لا يختلف كثيرا عن الكتب التي رصدت أحداث ويوميات الثورة، لكنه يمتاز بحس كاتبه الساخر، والصادق أيضا، فهو لا يدعي بطوله، ولا ينسب لنفسه الفضل في أي شيء، لكنه فقط يفتخر بكونه واحدا من الملايين التي هجرت "الكنبة" وتحركت إلي الميادين للمطالبة بالحرية. يعرف الكاتب "حزب الكنبة" بأنهم أولئك الجاثمون علي صدور الثوار ويطلبون من نفس الثوار أن يحركوا عجلة الإنتاج لهم ويخلصوهم من الظلم، وأن يمنعوا الميكروباصات من الوقوف بعرض الطريق، وياريت لو يدهنوا الرصيف كل شهر، وناقص يطلبوا منهم يمسحوا لهم السلم، فإذا ما أخطأ المسئولون المُعينون من المجلس العسكري يعاير بعض أعضاء حزب الكنبة الثوار بالفشل ويشمتون فيهم ويقولون كلمتهم الأثيرة: الثوار خربوا البلد". وفي سياق آخر يقول أنه "حزب يضم في عضويته كل من يشاهد ثورة شعب مصر في 25 يناير من خلال كنبه بيته ولم يقم إلا لعمل كوب من الشاي". تكمن أهمية هذه المقالات التي يحتويها هذا الكتاب في أنها كلمات وآراء لمواطن مصري عادي تعرض لظروف غير عادية "فأنا لست مناضلا أو ناشطا سياسيا أو عضوا في أي حزب سواء كان حزبا كارتونيا أو حزبا فاسدا أو منتميا لأي جماعة إسلامية أو مسيحية أو هندوسية، كما أني لم أعتقل ولم أنضم لأي تنظيمات تكفيرية أو ما سونيه. لقد كنت مثالا لشاب عادي جدا مثلي مثل الملايين من شباب المحروسة الغير عابئ بالسياسة أو التوريث أو البرلمان، وكنت أعتبر أن للسياسة عصابة تحميها، ولكرسي مبارك كلابا تحرسه. يعترف المؤلف بأنه كان "عضوا مؤسسا" في أكبر الأحزاب المصرية وهو "حزب الكنبة" والتي سعت كل الأنظمة السابقة في أن يضم غالبية المصريين حتي تستمر العصابة الحاكمة في الحكم "فالوزير لا يعبأ بالشعب، وجمال مبارك لا يكترث بالتقارير التي تفيد أنه مكروه، لأن الشعب علي الكنبة، ولكي يظل متسمرا عليها ولا يقوم كان لابد من تسليه المصريين بفضائح مفتعلة عن فنانين، وأزمات كروية بين مصر والجزائر، ومشاحنات طائفيه بين الأنبا بيشوي ود.محمد سليم العوا، وكان التليفزيون المصري والجرائد القومية تقدم للمصريين بوفيها مفتوحا من السموم اليومية تصيب آله التفكير بالعطب، ومخدرات إعلامية فنيه سياسية تجعلك تكسل أن تقوم من مكانك وتستلم لمصيرك الأسود مع عائلة مبارك. الكتاب ينقسم إلي جزأين: الأول يحكي سريعًا عن حال مصر قبل الثورة ومسبباتها، مرورًا بأبرز أحداث الثورة وكأنها تنشيط لذاكرة الثورة. الجزء الثاني من الكتاب هو مجموعة مقالات نشرت علي مدونة الكاتب الخاصة بتواريخ مختلفة من بعد الثورة منها "رسالة إلي حزب الكنبة العظيم" التي حققت شهرة وصدي واسع وردود أفعال قوية جدًا علي الساحة السياسية والإعلامية في مصر، وربما كنت من أوائل الكتابات التي وجهت نقدا صريحا للفئة التي اعتادت توجيه النقد للثوار من دون المشاركة في الأحداث والاكتفاء بالجلوس علي الكنبة ومتابعة الأخبار من التليفزيون ووسائل الإعلام، بعدها مقالات مختلفة كتبت تعليقا علي بعض الأحداث البارزة في الفترة التالية للثورة منها الاستفتاء وحوادث الفتن الطائفية وغيرها.