سيبقي في الذاكرة مشهد تعرية الفتيات كصورة للعام، مشاهد الانتهاك، المتبوعة بمظاهرات نسائية حاشدة في عدة مدن مصرية، ستبقي مشهد الذروة في علاقة المصري بجسده، حيث كان الجسد مجال صراع الفرد والسلطة طوال السنوات الماضية، ولا يزال حتي يومنا هذا. ذكري أربعاء أسود مساء الاثنين 25 مايو 2007 تظاهر مائتا مواطن علي سلم نقابة الصحفيين للتذكير بحادث "الأربعاء الأسود"، كان هذا أول يوم يحمل اللون الأسود، حسبما أتذكر. في الذكري الثانية لم تزد مساحة المظاهرة عن محيط سلم النقابة، ونظمت ندوة بنقابة الصحفيين للغرض نفسه..هكذا مر العام الثاني، علي التوالي، دون أن يحدث شيئا، حتي أن المطلب الذي تظاهرن من أجله لم يتحقق طبعاً..كان الهتاف علي سلم النقابة: "من يتحرش ببنات مصر لا يستحق أن يحكم مصر". الأربعاء الأسود الأربعاء الأسود لمن لا يذكره هو 25 مايو 2005، حينما تظاهر بعض المواطنين ضد الاستفتاء علي التعديلات الدستورية، أمام ضريح سعد، ثم نقابة الصحفيين، يومها تم التحرش بصحفيات، محاميات، ناشطات من جانب البلطجية (تخيل كانوا موجودين قبل الثورة) التابعين للشرطة، (يا لها من علاقة وثيقة). التحرش لم يشمل سيدات فقط، بل إن عدداً من المتظاهرين الرجال تم التحرش بهم، تقدم أغلب الضحايا ببلاغات في قسم قصر النيل، لكن ضباط القسم امتنعوا عن تسجيل البلاغات، فقدمت البلاغات للنائب العام. لم يتحرك أحد، ولم يحدث شئ، والدليل أن عدد المتظاهرين بعد عامين لم يزد عن المائتين.. يا الله.
رقص ليلة عيد الفطر عام 2006 دينا ترقص داخل صالة سينما مترو بوسط البلد. حدث بمصر زلزال التحرش، هذا التحرش يخلو من عنصر الجذب السياسي ويكتفي بعنصر الجذب الخاص بالراقصة، انعكس هذا الزلزال في صحافتنا وإعلامنا..هكذا وقفت الفنانة والراقصة مع ريكو، وسعد الصغير داخل صالة السينما وحركت دينا جسدها. الحادث كان معبرا عن الفهم الشائع جماهيريا لفكرة الجسد، أن الجسد هو الجسد الراقص للفنانة دينا، الجسد هو تقصع الراقصة خارج صالة الكبارية، خارج الشاشة لتفعل ذلك أمام الناس، بدلا من مشاهدتها علي الشاشة الفضية. وقتها بدأت في مصر الموجة الأولي من التحرش، تحركت بشراسة جموع المشاهدين المحظوظين بالعرض الخاص الحي للتحرش بكل البنات في وسط البلد، يومها صور الفنان محمد عبد الفتاح فيلما، يعد فيه الخطوات من سينما مترو، حتي نقطة شرطة قصر النيل الواقعة بشارع معروف المتفرع من طلعت حرب، نفس شارع السينما، ليؤكد أن الشرطة لم تتحرك، رغم قصر المسافة، بينما اهتزت مصر. انطلقت تصريحات رسمية، وانزعج أشرف زكي، بوصفه نقيبا للفنانين وليس من مؤيدي المخلوع، وهدد بفصل دينا من النقابة وإيقافها عن العمل..قمة القسوة يعني! كان التحقيق مع دينا هو موضوع الجرائد لمدة شهر، وربما احتفاءً بطريقة دينا في الاحتفال تكرر الحدث في العيد التالي له، بدون دينا، كانت الفتيات مستهدفات في كل الشوارع وقت العيد، وظلت فكرة الجسد حسب دينا تعيش في وجدان المحتفلين بإجازة العيد وتحفزهم علي التحرش. أمام مستشار من مجلس الدولة حضرت دينا التحقيق بالملابس نفسها التي كانت ترتديها لحظة الحادثة، لتثبت للقاضي أنها لم ترتد ملابس فاضحة، كما لو أن جسدها الراقص أمرا عاديا، بينما نوعية الملابس هي الموضوع..هكذا احتفظ الشعب بحكاية من أفضل حكايات النميمة كاملة، لكن حادث دينا، رغك جانبه الدعائي، وهدفه التجاري، وربما حالة الفرح التي بثها، رغم كل ذلك لاقي من الاهتمام جمهور أكبر من المائتي مواطن! كان هذا هو مفهوم الجسد، وهذا هو مجال تأثيره. بالطبع نحن لا نقصد الإساءة للفنانة الاستعراضية، وإنما نحاول تشريح حالة الجسد، وتأثيره بذكر حادثها. رقصة الجسد الوطني قبل الثورة شارك المصريون لسنوات كثيرة بأجسادهم في الحياة العامة.. احتفلوا بنجاحات منتخب كرة القدم بالاستاد، لونوا وجوههم، أطلقوا الأغاني، ورقصوا، وكانوا يفرحون ويهللون بالأهداف ونجل الرئيس وسطهم، حيث كان مشروع التوريث يتم عبر استادات حسن شحاته. في الهامش كان الجسد المصري، أيضاً، يتحرك محاصراً بقوات الأمن المركزي بينما علم مصر مرفوعا محلقا في الاستاد، طائرا من خارج السيارات المزعجة بالشوارع عقب الانتصار..راجع فيلم "واحد صفر" لكاملة أبو ذكري لتتأكد. الصدمة علاج كلنا نتذكر حكاية عماد الكبير، ما بثه وائل عباس إليكترونيا عبر فيديو، وما كتبه وائل عبد الفتاح عن الحادث صحفياً.. جسدت حكاية عماد أول انتهاك علني للسلطة لجسد مواطن، فعل العلنية تحقق بتسريب فيديو لما جري داخل القسم بولاق الدكرور 2007. عصا غليطة انتهكت جسد عماد، سائق الميكروباص، انتصرت الضحية وعزل الضابط إسلام نبيه، لكن عماد باعترافه بما جري صدم المجتمع! الجميع أنكر علي عماد اعترافه، نحن نتكلم عن حديث الشارع. الصدمة أول طرق العلاج، هكذا صار الجسد موضوعاً، في الشارع أيضا، وفي ذكري الإحتفال بأحداث 18 و19 يناير عام 2008 كان جسد الراحل عبد الوهاب المسيري موضوعا، حيث تم الاعتداء بوحشية علي العالم والباحث الكبير، كان منسقا عاما لكفاية، وتمت إهانته، بالضرب، ثم اختطف داخل عربة أمنية. حالات العنف التي تعرض لها جسد المسيري كانت عودة لسؤال دور المثقف، كان المسيري تجسيدا فاعلا للمثقف العضوي.. حيث يشتبك بجسده مع السلطة جسديا الممثلة في الشرطة. كذلك كلنا نذكر الحادث الخاص بالدكتور عبد الحليم قنديل قبلها بسنوات، أي عام 2004 من يذكر الحدث سيلتفت لحالة تحول فيها الجسد لانتهاك كامل، ورغم ذلك لم يحدث شيء أيضا. كان التحرش بالأجساد وقتها رسالة بعدم النزول. قلنا أن معني الجسد وقتها كان يعني جسد دينا فقط، عذرا للفنانة مرة أخري. مفهوم جديد أنت تذكر أول انطباع لك حينما سمعت عن كشوف العذرية، لا تنكر أنك شعرت بقسوة ووحشية هذا الانتهاك، لا تخدع نفسك، كان أمرا خطيرا! حسنا، ما موقفك من جرأة وشجاعة سميرة إبراهيم؟ سميرة اعترفت بإنتهاك الجيش لجسدها، وإرغامها علي التعرض لكشف عذرية، عقب الاعتقال من اعتصامها بميدان التحرير. دعم سميرة والدها، الذي رفض أن تسكت ابنته خوفا من الفضيحة، هكذا صورت ابنة الصعيد شهادتها عما جري في فيديو. المجتمع لم يرفض خطوة سميرة، ولكن الاعتراض جاء من جانب بعض الشخصيات السياسية، حيث تلقت إبراهيم مكالمات تحثها علي عدم التحرك ضد الجيش بدعوي مدنية أمام مجلس الدولة، المجتمع لم يكن مصدوماً، حالة من التضامن شملت سميرة، شملت الجسد المنتهك رغما عن صاحبته..هكذا قبل القضاء الدعوي، واليوم يحاكم عسكريا الطبيب الجندي الذي أجري الكشف. كذلك عشنا هلع الموت، الأجساد التي كانت في كل مكان، الأجساد المحمولة والخارجة من الميدان، والأجساد المدهوسة كذلك، أجساد مُشيعة إلي الميدان، وأطول جنازة لوداع جسد شهيد كانت للشيخ عماد عفت.
عري أم تعرية عام 2008 صورت المدونة علياء المهدي نفسها عارية، للمشاركة في مسابقة علي مدونة أخري لدعم الفن العاري.. المسابقة كانت تخلو من فكرة التنافس، كانت تخلو من صفات المسابقات إلا في نشر الفكرة، التشجيع علي الفن العاري. نشرت علياء عام 2011 الصورة نفسها علي مدونتها، كنوع من الحث علي تحرير الجسد.. كانت المسألة صراعا راقيا حول مفهوم الجسد وحريته، ولكن الأيام كانت تخبئ لنا مفاجأة أخري، حيث اضطررنا للحديث جميعا عن حادث تعرية..أنت تعلم ما جري، قوات الجيش عرت المتظاهرات، لا تنكر هذا، وإذا لم تصدق فتأمل صور مظاهرات سيدات وبنات مصر. لم يعد المدافعين عن الجسد فقط 200 متظاهر.. لهذا فإن 2011 هو عام الجسد بإمتياز.