رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك في احتفالية مرور 17 قرنا على مجمع نيقية بالكاتدرائية المرقسية    استمرار إتاحة تسجيل الرغبات للمتقدمين لوظائف معلم مساعد رياضيات حتى 21 يونيو    هيئة الدواء تبحث آليات تطوير قطاع المستلزمات الطبية للتصدير للسوق الدولي    سعر الدولار في بداية تعاملات اليوم الإثنين 19 مايو 2025    كم سجل عيار 21 الآن؟ سعر الذهب اليوم الإثنين 19-5-2025 محليًا وعالميًا صباحًا    حسام هيبة: أجندة تعاون استثماري مزدحمة بين مصر والصين    أول تعليق من ترامب على إصابة بايدن بنوع «عدواني» من سرطان البروستاتا    7 رسائل مهمة من الرئيس اللبناني قبل لقاء السيسي بالقاهرة    مصرع 4 أشخاص جراء وقوع انهيار أرضي في منطقة جبلية شمال فيتنام    ألكاراز يتقدم للوصافة، المراكز ال10 الأولى في تصنيف لاعبي التنس    عبدالله السعيد يجمع متعلقاته من الزمالك وينذر بالتصعيد.. إعلامي يكشف التفاصيل    قرارات في مصرع عامل صعقا بالكهرباء بمصر الجديدة    "ادعوا لبلدكم وريسنا".. محافظ بورسعيد يودع حجاج الجمعيات الأهلية -صور    حريق يلتهم شقة سكنية في السلام    وزارة التعليم: استمرار الدراسة برياض الأطفال حتى 21 مايو الجارى    القاهرة الإخبارية: أكثر من 20 شهيدا جراء غارات الاحتلال على غزة منذ فجر اليوم    استشهاد 5 فلسطينيين جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي سوق الفالوجا شمال قطاع غزة    البث العبرية: ساعر طلب إدخال مساعدات لغزة بعد ضغط أوروبي وأمريكي    عودة الأجواء الربيعية على طقس الإسكندرية واعتدال في درجات الحرارة    الحكم على المتهم بدهس مهندس بلودر بالتجمع الخامس    وزير البترول: ندعم خطط شركة الحفر المصرية للتوسع في الأسواق الخارجية    رئيس جامعة القاهرة يكرم الفائزين في مهرجان المسرح للعروض الطويلة و"إبداع 13"    تركي آل الشيخ يشارك متابعيه كواليس «الأسد» ل محمد رمضان |فيديو    مصطفى الفقي.. 40 كتابا بين السياسة والثقافة والدبلوماسية    سرطان البروستاتا الشرس..ماذا نعرف عن حالة بايدن الصحية بعد تشخيص إصابته؟    استمرار إغلاق «الغردقة البحري» لليوم الثاني بسبب سوء الأحوال الجوية    رئيسة المفوضية الأوروبية: أسبوع حاسم لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية    المتحف المصري الكبير يستقبل كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية    تحريات لكشف ملابسات اتهام شركة سياحة بالنصب على أشخاص فى الجيزة    أسعار الحديد ومواد البناء اليوم الاثنين 19 مايو 2025    «العمل» تنظم احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية    جدول امتحانات الصف الأول الثانوي الترم الثاني 2025 بالمنيا.. تعرف على المواعيد الرسمية لجميع المواد    بولندا تتجه إلى جولة إعادة للانتخابات الرئاسية    مسح سوق العمل يكشف: مندوب المبيعات أكثر وظائف مطلوبة بالقطاعين العام والخاص    إسرائيل تواصل تصعيدها.. استشهاد 171 فلسطينيا في قطاع غزة    عمرو دياب وحماقي والعسيلي.. نجوم الغناء من العرض الخاص ل المشروع x    هل هناك فرق بين سجود وصلاة الشكر .. دار الإفتاء توضح    قبل أيام من مواجهة الأهلي.. ميسي يثير الجدل حول رحيله عن إنتر ميامي بتصرف مفاجئ    من بين 138 دولة.. العراق تحتل المرتبة ال3 عالميًا في مكافحة المخدرات    شيرينجهام: سأشجع الأهلي في كأس العالم للأندية    خلل فني.. ما سبب تأخر فتح بوابات مفيض سد النهضة؟    طريقة عمل صوابع زينب، تحلية مميزة وبأقل التكاليف    تعرف على موعد طرح كراسات شروط حجز 15 ألف وحدة سكنية بمشروع "سكن لكل المصريين"    على فخر: لا مانع شرعًا من أن تؤدي المرأة فريضة الحج دون محرم    هل يجوز أداء المرأة الحج بمال موهوب؟.. عضوة الأزهر للفتوى توضح    أحكام الحج والعمرة (2).. علي جمعة يوضح أركان العمرة الخمسة    شيكابالا يتقدم ببلاغ رسمي ضد مرتضى منصور: اتهامات بالسب والقذف عبر الإنترنت (تفاصيل)    نجل عبد الرحمن أبو زهرة لليوم السابع: مكالمة الرئيس السيسي لوالدي ليست الأولى وشكلت فارقا كبيرا في حالته النفسية.. ويؤكد: لفتة إنسانية جعلت والدي يشعر بالامتنان.. والرئيس وصفه بالأيقونة    البابا لاوون الرابع عشر: العقيدة ليست عائقًا أمام الحوار بل أساس له    قرار تعيين أكاديمية «منتقبة» يثير جدلا.. من هي الدكتورة نصرة أيوب؟    مجمع السويس الطبي.. أول منشأة صحية معتمدة دوليًا بالمحافظة    حزب "مستقبل وطن" بسوهاج ينظم قافلة طبية مجانية بالبلابيش شملت الكشف والعلاج ل1630 مواطناً    بتول عرفة تدعم كارول سماحة بعد وفاة زوجها: «علمتيني يعنى ايه إنسان مسؤول»    دراما في بارما.. نابولي يصطدم بالقائم والفار ويؤجل الحسم للجولة الأخيرة    وزير الرياضة يشهد تتويج جنوب أفريقيا بكأس الأمم الإفريقية للشباب    الأهلي ضد الزمالك.. مباراة فاصلة أم التأهل لنهائي دوري السلة    مشروب طبيعي دافئ سهل التحضير يساعد أبناءك على المذاكرة    ما لا يجوز في الأضحية: 18 عيبًا احذر منها قبل الشراء في عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسارات الإبداع
نصوص تماست مع اللحظة الثورية وأخري راهنت علي متلقيها
نشر في أخبار الأدب يوم 31 - 12 - 2011

ليس ثمة مسار واحد تعرفه "الكتابة"، ولا طريق أحادي يمكنها السير فيه، بل إنها كانت وستظل بنتا للتنوع والاختلاف. غير أن العام 2011 بدا حاملا لخصوصية كبري، تمثلت في قيام الثورة المصرية والتي قدمت معني فريدا، وخلاقا، بما تحويه داخلها من جينات التجدد، والإصرار علي مجابهة كل ما يكبل إنسانية الإنسان، لتقضي علي دولة التسلط والاستبداد، وتمحو صور الفساد، ومظاهره، مثلما تحاكم رموزه، وأعوانه، وأنفاره، هنا وعبر هذا الفهم تصبح الثورة المصرية حدا فاصلا بين عالمين: أحدهما قديم، و مهتريء، متسلط ومستبد، فاسد ولا إنساني، أدواته رجعية، ورموزه سطحيون تقليديون، والآخر حداثي، مشتبك مع اللحظة الراهنة، مدرك لأسرارها، و واع بتفاصيلها وبمنجزها العلمي والتكنولوجي، أدواته حداثية ذات طابع تقني، موعود بالحرية، قائم علي العدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، يحارب فيه الفساد، وتهتك أستاره العفنة، و المخزية.
وتجدر بي الإشارة أولا إلي أننا لسنا بصدد تقصي عناوين أدبية، أو استقصاء رقمي لا تسعفنا الإحصاءات الغائبة لصنعه، ولكننا وبالأساس أمام محاولة موضوعية لرصد اتجاهات وملامح الكتابة الإبداعية في عام الثورة.
يمكننا القول بأن ثمة مسارات أساسية لوضعية الإبداع الأدبي في العام 2011، ويمكننا تحديد هذه المسارات ما بين نصوص أدبية تماست مع اللحظة الثورية الراهنة، وتقاطعت معها، فتعاطت مع الإبداع بوصفه قراءة للواقع، وكشف عن بنياته السياسية / الثقافية، وبما يشي بأننا أمام مسار يتجاوز النزوع الانفعالي الذي قد يهيمن علي واقع الكتابة، وراهنها في حال التواريخ الفارقة في حياة الأمم. وفي هذا السياق يمكننا النظر إلي كتابين مائزين، اولهما (مائة خطوة من الثورة.. يوميات من ميدان التحرير) للكاتب أحمد زغلول الشيطي، والذي يعد رصدا تحليليا نافذا وعميقا لتجليات الثورة المصرية حتي سقوط الدكتاتور، والثاني ديوان شعري لافت لأحمد سراج، ربما يفصح عنوانه عن مدلوله (الحكم للميدان)، فيه انتصار لشعرية الفعل السياسي، وتأريخ إبداعي للثورة المصرية في مراحل مختلفة لها، في استجابة جمالية للحظة مصرية مجيدة، تتسم بالتحول والتعقد والتشابك في آن: " ولأن صوتي لم يزل صوتي/ ولأن صوتي لم يكن صوتك/ ويدي طاهرتان من ذهب المعز وسيفه/ ويدي عامرتان من كنز الحقيقة/ فأنا سيوف من حصون من أمل/ وأنا الدماء الراوية/ ميداننا تحرير). ويتماس (أسامة حبشي) مع أفق ثوري أكثر اتساعا، ففي روايته (مسيح بلا توراة) نري حضورا دالا لأيقونة الثورة التونسية (محمد البوعزيزي)، والذي يصدر به الكاتب روايته كعنوان فرعي دال:" محمد يدرك أن سيدي بوزيد خارج التاريخ وكأنها بقعة عار علي البلاد، لا يجب الانتباه إليها مهما حدث، الحيقة أنه مات قبل أن يقرر موته المعلن علي الملأ، لذا بدون تردد جلب قارورة البنزين، ووقف يهدي العالم أرق كلماته عفوية: تصبحون علي وطن أجمل".
أما عن المسار الثاني، فيبدو علي - نحو أو آخر - أكثر نفاذا إلي جوهر الواقع، حيث عني بتفكيكه أولا، لا من أجل صوغه، وإعادة بنائه من جديد فحسب، ولكن من خلال تحليله، واستشراف أفقه الممتد، عبر مد الخيوط علي استقامتها، والنظر العميق للعالم والأشياء، وهذا ما نجده مثلا في رواية (أرض النبي) للروائي خالد إسماعيل، والتي يدين فيها الاستبدادين السياسي والديني، طارحا مساءلة عميقة للواقع المصري في أشد لحظاته تحولا، فالرواية المكتوبة قبل الثورة مباشرة، والصادرة هذا العام، تستشرف أفقا مستقبليا، ينبيء فضاؤه الروائي عن عالم متوتر بالأساس، تشغله الثارات، وتحركه الشائعات، تلك التي كانت سببا في ازدياد الاحتقان بين المسلمين والمسيحيين داخل المكان "بلدة بني عيش"، واتساع الفجوة بين عالمي "جامع التوحيد"، و"جمعية حاملي الصليب الأرثوذوكسية" لنصبح أمام مقابلة بين تيارين متعصبين أحدهما سلفي، والآخر كنسي، ويجعل كلاهما الهوية الدينية بديلا عن الهوية الوطنية.
أما عن المسار الثالث، فثمة نصوص أدبية راهنت علي متلقيها، ولم تشتبك مع ذلك "الآن/ وهنا"، وحوت منطقها الجمالي الخاص، من بينها - علي سبيل المثال - رواية( وسريرهما أخضر) للروائي محمد البساطي، بما حوته من نزوع إنساني آسر، و(وشم وحيد) للروائي سعد القرش والتي تعد قراءة سسيو جمالية لعالم قار في بنية الحياة المصرية، في اكتمال بديع لثلاثية(أول النهار/ليل أوزير/وشم وحيد)، و رواية ( ساحل الغواية) للكاتب محمدرفيع، في اتكائها علي محاولة اللعب مع المكان(البحر الأحمر/الغردقة)، وهناك أيضا حضور دال لملمح صوفي إنساني متمثلا في رواية ( شجرة العابد) للكاتب عمار علي حسن، كما نري حضورا للثقافة البصرية في رواية( كادرات بصرية) للكاتب محمود الغيطاني، والتي تستعير آليات السينما ودقائقها وتضفرها في بنية السرد، ويستكمل فيها الكاتب انتقاده للواقع الثقافي والذي بدأه في روايته الأولي( كائن العزلة ).
وتستكمل القصة المصرية وهجها الخاص، عبر تنويعاتها السردية المختلفة من جهة، والاقتراحات المغايرة التي تقدمها من جهة ثانية، حبث نري تنوعا خلاقا ما بين قص يتكيء بنيته علي الجمل التلغرافية، والحضور الواعد لآليتي الإيجاز والتكثيف اللغوي والحدثي، كما في مجموعتي( ما لا نهاية) للقاصة راندا رأفت، و(حبات التوت) للقاص عادل العجيمي، والمتخذتين عنوانا فرعيا (قصص قصيرة جدا)، بدا وكأنه تصنيف نوعي، لم يكن من داع له علي أية حال، فالنص كاشف عن نفسه، وهناك نصوص قصصية تنحو تجاه أسطرة الواقع، وتستحضر مساحات أشد من الفانتازيا والتخييل، كمافي(مجموعة جسد في ظل) للكاتب عبدالنبي فرج، والتي يؤسطر فيها الواقع، لاعبا - وبذكاء - في المسافة الواقفة بين الحقيقي والمتخيل.:" توقفت وأنا أري السرايا تتفكك، وأنا أهم بدخول الممر الذي يؤدي إلي الباب وخرجت منه جنيات مسحورات..يسرن زحفا حتي أحطن بي، كائنات بشعة وهلامية والنور الذي اندفع من عيونهن أضاء لي المكان.. حلقي جف.. عين واحدة متتالية تميزهم، وشعر أسود كث يغطي اجسامهم، وفم غوريلا، وأسنان من القصدير. الصراخ لم يعد يجدي. أنت ميت، صوت يقيني وقاس ينير لك المستقبل"
وفي شعر العامية يمكننا الإشارة مثلا إلي ديوان( إيه ده) للشاعر ماهر مهران والذي يتماس مع الثورة المصرية، ويدين الواقع قبلها، و ديوان (هزيمتين وأوصل) للشاعر إبراهيم رفاعي، والذي يبدو أكثر نضجا من ديوانه الأول(قلب أراجوز)، حيث تصير فيه الهزيمة معبرا للوصول، فالمرارات النفسية التي تحسها الذات الشاعرة كفيلة بتنقية الروح، غير أنه لم تكن ثمة هزيمة واحدة أو حتي هزيمتان، بل ثمة هزائم متعدة، وأقساها خيبة الروح.
لقد طرحت الثورة سؤالا متجددا عن جدل العلاقة بين السياسي والجمالي، قد نري عبره انفتاحا أشد من النص الأدبي علي الراهن المعيش، ليس بوصفه رصدا آليا تقليديا له، ولكن بوصفه زاوية نظر جديدة تجاه العالم والأشياء، وبما يشي بأنه لا نص في الفراغ، وأن العمل الأدبي يظل موصولاً بسياقاته السياسية والثقافية، و كشفا أصيلا عن ميكانيزمات التحول في المجتمع من جهة، وعن دواخل النفس البشرية وتعقيداتها المختلفة من جهة ثانية، وقبل هذا كله انحيازا إبداعيا للفني، وانتصارا له.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.