رضا حجازي يبحث مع وفد البنك الدولي التعاون في ملفات تطوير منظومة التعليم    ارتفاع البلطي والمكرونة السويسي بسوق العبور اليوم الثلاثاء    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" يتابع سير العمل بمشروعات مدينة حدائق العاصمة    تراجع المؤشر الرئيسى للبورصة بنسبة 1% بمستهل تعاملات جلسة منتصف الأسبوع    الإسكان: إجراء القرعة الرابعة لتسكين المواطنين بمنطقة جمعية الأمل سابقا بالعبور الجديدة    وزير المالية: تطوير نظام المتعاملين الرئيسيين لتنشيط سوق الأوراق المالية الحكومية    سعر الذهب اليوم الثلاثاء في مصر يهبط ببداية التعاملات    ارتفاع طفيف لأسعار الدواجن اليوم الثلاثاء في الأسواق (موقع رسمي)    الكهرباء تفتتح مشروع محطة طاقة الرياح بخليج السويس قدرة 252 ميجاوات    الأونروا: تقديم المساعدات في غزة بات شبه مستحيل    رسميًا.. النرويج تعلن الاعتراف بدولة فلسطين    البيت الأبيض يقيم ما إذا انتهكت إسرائيل "الخط الأحمر" لبايدن فى ضربة رفح    إعلام عبري: 86 مستوطنة تضررت شمالي إسرائيل بفعل صواريخ حزب الله    "اللي بيحصل مسرحية".. محامي رمضان صبحي يفجر مفاجأة بشأن إيقافه 4 سنوات    لفتة غير متوقعة من رونالدو عقب تسجيله رقماً تاريخياً بالدوري السعودي    مواجهة ثالثة تجمع الاتحاد وسبورتنج بسلسلة مباريات نصف نهائي دوري السوبر للسلة    وصلت المدارس.. تسليم أرقام الجلوس لطلاب الثانوية بعد التأكد من هذا الأمر    حريق هائل في منزل من 4 طوابق بالدقهلية    طقس ربيعى معتدل وانخفاض فى درجات الحرارة بسوهاج.. فيديو    مترو الأنفاق يتحفظ على لوحة إعلانية تسببت في تعطل مترو الخط الأول    مصرع شخص صعقا بالكهرباء داخل منزله بقرية شنبارة فى الشرقية    مصرع عامل تناول طعاما منزليا فاسدا بالبلينا جنوب سوهاج    عاشرها 15 يوماً وهي مكبلة.. قصة "رحمة" إحدى ضحايا "سفاح التجمع"    توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 28 مايو 2024.. مكاسب مالية ل«العذراء» ونصيحة مهمة ل«الميزان»    ضيف شرف "الدالي" نقابة الممثلين اللبنانية تنعى الراحل فؤاد شرف الدين    جامعة القاهرة تبحث تعزيز التعاون مع وفد صيني في تعليم اللغة الصينية والعربية    راندا عبد السلام تتألق بالأبيض في أحدث ظهور لها    مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية يوضح فضل حج بيت الله الحرام    وزير الصحة يبحث مع نظيره الفرنسي سبل تعزيز التعاون في اللقاحات والأمصال    صحة الإسماعيلية تنظم قافلة طبية في مركز التل الكبير    التفاح والتوت.. أطعمة تحسن من جودة النوم في فصل الصيف    اليوم.. الإعلان عن الفائزين بجوائز الدولة في الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية    بعد عطل المترو.. مد فترة السماح لدخول طلاب جامعة حلوان للامتحانات    «الإفتاء» توضح سنن وأحكام الأضحية.. احرص عليها للفوز بأجرها    عضو الأهلي: عشنا لحظات عصيبة أمام الترجي.. والخطيب «مش بيلحق يفرح»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28-5-2024    حسن مصطفى: الجيل الحالي للأهلي تفوق علينا    حقوق الإنسان والمواطنة: هناك قضايا تحتاج للمناقشة فى الحوار الوطنى    فتح متحف التراث السيناوي مجانًا بمناسبة يوم الطفل    ما هي أعراض التسمم المائي؟.. وهذه الكمية تسبب تورم الدماغ    كوريا الشمالية تطلق صاروخا باتجاه أوكيناوا.. واليابان تحذر مواطنيها    «الأزهر للفتوى» يوضح المواقيت المكانية للإحرام كما حددها النبي    هند البنا: جنود الاحتلال الإسرائيلي يعانون من اضطرابات نفسية بسبب حرب غزة    استشاري صحة نفسية: نتنياهو شخص «مرتبك ووحشي»    السبت.. مجلس أمناء الحوار الوطني يواصل اجتماعاته    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28 مايو في محافظات مصر    هل يجوز الحج بالتاتو المؤقت؟ دار الإفتاء تجيب    مدير المستشفى الكويتي برفح: أُجبرنا على الإغلاق بعد مصرع اثنين من العاملين    محمد رمضان يعلق على أحداث رفح الفلسطينية    عاجل - وكيل الأمين العام للأمم المتحدة: حذرنا من أن عملية رفح ستؤدي لمذبحة ولقد رأينا العواقب    مدرب الألومنيوم: ندرس الانسحاب من كأس مصر بعد تأجيل مباراتنا الأهلي    محمود فوزي يرحب بدعوة مدبولي لإشراك الحوار الوطني في ملف الاقتصاد    إستونيا: المجر تعرضت لضغوط كبيرة لتفسير عرقلتها مساعدات الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا    «من حقك تعرف».. هل تتنازل الزوجة عن قائمة المنقولات الزوجية عند طلب الخلع؟    شوبير: الشناوي هو أقرب الأشخاص لقلبي    عضو مجلس الزمالك: إمام عاشور تمنى العودة لنا قبل الانضمام ل الأهلي.. ولكن!    الكنيسة السريانية الأرثوذكسية تستعد لإقامة احتفالية بمناسبة عيد دخول السيد المسيح أرض الكنانة    إدارة المقطم التعليمية تستقبل وفدا من مؤسسة "حياة كريمة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسارات الإبداع
نصوص تماست مع اللحظة الثورية وأخري راهنت علي متلقيها
نشر في أخبار الأدب يوم 31 - 12 - 2011

ليس ثمة مسار واحد تعرفه "الكتابة"، ولا طريق أحادي يمكنها السير فيه، بل إنها كانت وستظل بنتا للتنوع والاختلاف. غير أن العام 2011 بدا حاملا لخصوصية كبري، تمثلت في قيام الثورة المصرية والتي قدمت معني فريدا، وخلاقا، بما تحويه داخلها من جينات التجدد، والإصرار علي مجابهة كل ما يكبل إنسانية الإنسان، لتقضي علي دولة التسلط والاستبداد، وتمحو صور الفساد، ومظاهره، مثلما تحاكم رموزه، وأعوانه، وأنفاره، هنا وعبر هذا الفهم تصبح الثورة المصرية حدا فاصلا بين عالمين: أحدهما قديم، و مهتريء، متسلط ومستبد، فاسد ولا إنساني، أدواته رجعية، ورموزه سطحيون تقليديون، والآخر حداثي، مشتبك مع اللحظة الراهنة، مدرك لأسرارها، و واع بتفاصيلها وبمنجزها العلمي والتكنولوجي، أدواته حداثية ذات طابع تقني، موعود بالحرية، قائم علي العدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، يحارب فيه الفساد، وتهتك أستاره العفنة، و المخزية.
وتجدر بي الإشارة أولا إلي أننا لسنا بصدد تقصي عناوين أدبية، أو استقصاء رقمي لا تسعفنا الإحصاءات الغائبة لصنعه، ولكننا وبالأساس أمام محاولة موضوعية لرصد اتجاهات وملامح الكتابة الإبداعية في عام الثورة.
يمكننا القول بأن ثمة مسارات أساسية لوضعية الإبداع الأدبي في العام 2011، ويمكننا تحديد هذه المسارات ما بين نصوص أدبية تماست مع اللحظة الثورية الراهنة، وتقاطعت معها، فتعاطت مع الإبداع بوصفه قراءة للواقع، وكشف عن بنياته السياسية / الثقافية، وبما يشي بأننا أمام مسار يتجاوز النزوع الانفعالي الذي قد يهيمن علي واقع الكتابة، وراهنها في حال التواريخ الفارقة في حياة الأمم. وفي هذا السياق يمكننا النظر إلي كتابين مائزين، اولهما (مائة خطوة من الثورة.. يوميات من ميدان التحرير) للكاتب أحمد زغلول الشيطي، والذي يعد رصدا تحليليا نافذا وعميقا لتجليات الثورة المصرية حتي سقوط الدكتاتور، والثاني ديوان شعري لافت لأحمد سراج، ربما يفصح عنوانه عن مدلوله (الحكم للميدان)، فيه انتصار لشعرية الفعل السياسي، وتأريخ إبداعي للثورة المصرية في مراحل مختلفة لها، في استجابة جمالية للحظة مصرية مجيدة، تتسم بالتحول والتعقد والتشابك في آن: " ولأن صوتي لم يزل صوتي/ ولأن صوتي لم يكن صوتك/ ويدي طاهرتان من ذهب المعز وسيفه/ ويدي عامرتان من كنز الحقيقة/ فأنا سيوف من حصون من أمل/ وأنا الدماء الراوية/ ميداننا تحرير). ويتماس (أسامة حبشي) مع أفق ثوري أكثر اتساعا، ففي روايته (مسيح بلا توراة) نري حضورا دالا لأيقونة الثورة التونسية (محمد البوعزيزي)، والذي يصدر به الكاتب روايته كعنوان فرعي دال:" محمد يدرك أن سيدي بوزيد خارج التاريخ وكأنها بقعة عار علي البلاد، لا يجب الانتباه إليها مهما حدث، الحيقة أنه مات قبل أن يقرر موته المعلن علي الملأ، لذا بدون تردد جلب قارورة البنزين، ووقف يهدي العالم أرق كلماته عفوية: تصبحون علي وطن أجمل".
أما عن المسار الثاني، فيبدو علي - نحو أو آخر - أكثر نفاذا إلي جوهر الواقع، حيث عني بتفكيكه أولا، لا من أجل صوغه، وإعادة بنائه من جديد فحسب، ولكن من خلال تحليله، واستشراف أفقه الممتد، عبر مد الخيوط علي استقامتها، والنظر العميق للعالم والأشياء، وهذا ما نجده مثلا في رواية (أرض النبي) للروائي خالد إسماعيل، والتي يدين فيها الاستبدادين السياسي والديني، طارحا مساءلة عميقة للواقع المصري في أشد لحظاته تحولا، فالرواية المكتوبة قبل الثورة مباشرة، والصادرة هذا العام، تستشرف أفقا مستقبليا، ينبيء فضاؤه الروائي عن عالم متوتر بالأساس، تشغله الثارات، وتحركه الشائعات، تلك التي كانت سببا في ازدياد الاحتقان بين المسلمين والمسيحيين داخل المكان "بلدة بني عيش"، واتساع الفجوة بين عالمي "جامع التوحيد"، و"جمعية حاملي الصليب الأرثوذوكسية" لنصبح أمام مقابلة بين تيارين متعصبين أحدهما سلفي، والآخر كنسي، ويجعل كلاهما الهوية الدينية بديلا عن الهوية الوطنية.
أما عن المسار الثالث، فثمة نصوص أدبية راهنت علي متلقيها، ولم تشتبك مع ذلك "الآن/ وهنا"، وحوت منطقها الجمالي الخاص، من بينها - علي سبيل المثال - رواية( وسريرهما أخضر) للروائي محمد البساطي، بما حوته من نزوع إنساني آسر، و(وشم وحيد) للروائي سعد القرش والتي تعد قراءة سسيو جمالية لعالم قار في بنية الحياة المصرية، في اكتمال بديع لثلاثية(أول النهار/ليل أوزير/وشم وحيد)، و رواية ( ساحل الغواية) للكاتب محمدرفيع، في اتكائها علي محاولة اللعب مع المكان(البحر الأحمر/الغردقة)، وهناك أيضا حضور دال لملمح صوفي إنساني متمثلا في رواية ( شجرة العابد) للكاتب عمار علي حسن، كما نري حضورا للثقافة البصرية في رواية( كادرات بصرية) للكاتب محمود الغيطاني، والتي تستعير آليات السينما ودقائقها وتضفرها في بنية السرد، ويستكمل فيها الكاتب انتقاده للواقع الثقافي والذي بدأه في روايته الأولي( كائن العزلة ).
وتستكمل القصة المصرية وهجها الخاص، عبر تنويعاتها السردية المختلفة من جهة، والاقتراحات المغايرة التي تقدمها من جهة ثانية، حبث نري تنوعا خلاقا ما بين قص يتكيء بنيته علي الجمل التلغرافية، والحضور الواعد لآليتي الإيجاز والتكثيف اللغوي والحدثي، كما في مجموعتي( ما لا نهاية) للقاصة راندا رأفت، و(حبات التوت) للقاص عادل العجيمي، والمتخذتين عنوانا فرعيا (قصص قصيرة جدا)، بدا وكأنه تصنيف نوعي، لم يكن من داع له علي أية حال، فالنص كاشف عن نفسه، وهناك نصوص قصصية تنحو تجاه أسطرة الواقع، وتستحضر مساحات أشد من الفانتازيا والتخييل، كمافي(مجموعة جسد في ظل) للكاتب عبدالنبي فرج، والتي يؤسطر فيها الواقع، لاعبا - وبذكاء - في المسافة الواقفة بين الحقيقي والمتخيل.:" توقفت وأنا أري السرايا تتفكك، وأنا أهم بدخول الممر الذي يؤدي إلي الباب وخرجت منه جنيات مسحورات..يسرن زحفا حتي أحطن بي، كائنات بشعة وهلامية والنور الذي اندفع من عيونهن أضاء لي المكان.. حلقي جف.. عين واحدة متتالية تميزهم، وشعر أسود كث يغطي اجسامهم، وفم غوريلا، وأسنان من القصدير. الصراخ لم يعد يجدي. أنت ميت، صوت يقيني وقاس ينير لك المستقبل"
وفي شعر العامية يمكننا الإشارة مثلا إلي ديوان( إيه ده) للشاعر ماهر مهران والذي يتماس مع الثورة المصرية، ويدين الواقع قبلها، و ديوان (هزيمتين وأوصل) للشاعر إبراهيم رفاعي، والذي يبدو أكثر نضجا من ديوانه الأول(قلب أراجوز)، حيث تصير فيه الهزيمة معبرا للوصول، فالمرارات النفسية التي تحسها الذات الشاعرة كفيلة بتنقية الروح، غير أنه لم تكن ثمة هزيمة واحدة أو حتي هزيمتان، بل ثمة هزائم متعدة، وأقساها خيبة الروح.
لقد طرحت الثورة سؤالا متجددا عن جدل العلاقة بين السياسي والجمالي، قد نري عبره انفتاحا أشد من النص الأدبي علي الراهن المعيش، ليس بوصفه رصدا آليا تقليديا له، ولكن بوصفه زاوية نظر جديدة تجاه العالم والأشياء، وبما يشي بأنه لا نص في الفراغ، وأن العمل الأدبي يظل موصولاً بسياقاته السياسية والثقافية، و كشفا أصيلا عن ميكانيزمات التحول في المجتمع من جهة، وعن دواخل النفس البشرية وتعقيداتها المختلفة من جهة ثانية، وقبل هذا كله انحيازا إبداعيا للفني، وانتصارا له.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.