المتحدثون فى الجلسة الأفتتاحية للمؤتمر كانت كلمات الأديب فؤاد حجازي الشرارة التي أدت إلي اندلاع مواجهة بين السلفيين والمثقفين علي أرض الواقع، فحينما تحدث احتج أحد السلفيين، من الحضور، علي ما يقوله، وأراد أن يمنعه من استكمال فكرته، إلا أن حضور القاعة من الأدباء والمثقفين تصدوا له، ويحسب لفؤاد حجازي ثباته دفاعا عما قاله. حجازي تحدث في افتتاح مؤتمر أدباء مصر، ظهر الأربعاء الماضي، في المسرح الصغير بدار الأوبرا، بصفته رئيسا لهذه الدورة رقم 26، مشيراً إلي أن مصر لم تكن في حاجة لثقافة عصرية وجهود المثقفين قدر احتياجها لذلك حالياً، فالشباب الذي قاد ثورة 25 يناير التي أسقطت النظام، يشعر الآن كأنه فعل ذلك لكي يركب السلفيون والتيارات الإسلامية الموجة، وهؤلاء قاموا بليّ عنق الثورة ويحاولون إعادتنا إلي القرون الوسطي، بدلا من الدفع بنا إلي الأمام، إذ يشغلوننا حاليا بالموقف من سياحة الأجانب ولباس المرأة.. بينما يجب أن يكون اهتمام الجميع برفع مستوي المعيشة ومقاومة الاستبداد وممارسة الديمقراطية وبناء مؤسسات قانونية، تليق بمكانة مصر. ووجه حجازي حديثه للمثقفين داعيا إياهم أن ينزلوا إلي القري والنجوع، لكي لا يتركوا هذه البيئات للتيارات السلفية والدينية، لكي يمرحوا فيها كما يشاؤون ويستغلون فقر الناس المادي والثقافي، وهو الأمر الذي انعكس بدوره علي صندوق الانتخابات الذي أفرز أكثر النماذج تخلفا في المجتمع. الجملة الأخيرة قوبلت باعتراض شديد من قبل الرجل السلفي، الذي وقف وحاول أن يثني فؤاد حجازي عن استكمال كلمته، إلا أن القاعة تصدت له، وحدثت مناوشات بينه وبين الجالسين إلي جواره، وصمت حجازي لأكثر من دقيقتين، ثم قال من يريد أن يناقشني فيما أقول فأهلا، ولكن لا نريد مقاطعة بهذه الطريقة، لتصفق القاعة طويلا، ويعود حجازي ليتحدث بثبات كبير، طالبا إعادة النظر في الميزانيات المقررة لهيئة قصور الثقافة، حتي تستطيع أن تقوم بدورها التنويري في مختلف نجوع وقري مصر، ثم قدم رئيس المؤتمر مجموعة من الأفكار بعضها ثقافي والآخر سياسي. فيما يتعلق بالشق الثقافي طالب بعدم اقتصار ليالي العروض المسرحية علي عدد بعينه، بل يجب الاستفادة من العروض بأن تفتح لها أبواب مسارح الجامعات ومراكز الشباب، كما طالب بالتوسع في أنشطة نوادي الأدب، بحيث لا تقتصر علي الأماكن المغلقة، وأن يخرج الشعراء إلي الأماكن العامة والجامعات والمدارس، ودعا إلي إنشاء هيئة مكونة من: الثقافة الجماهيرية، المجلس المحلي، الجامعات، وزارة الشباب، التربية والتعليم، التعليم العالي، مهمتها العمل من أجل وصول كتب الثقافة الجماهيرية إلي الجموع العريضة من مختلف فئات المجتمع، بدلا من توزيع 300 نسخة، من أي إصدار علي أكثر تقدير، وأشار حجازي أيضا- إلي ضرورة تعديل طريقة منح جوائز الدولة وطريقة التصويت عليها، أما الشق السياسي فقد أكد أن أحد مبادئ الثورة الرئيسية وهو العدالة الاجتماعية، لم يتحقق منه أي شيء حتي الآن، وأضاف أن علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة أن يستجيب للنداءات المتكررة بالإفراج عن الناشطين السياسيين وعدم محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية. سعد عبد الرحمن رئيس هيئة قصور الثقافة مزج في كلمته بين دلالات ثورة يناير والإشادة بها، وبين طريقة عمل هيئة قصور الثقافة في الفترة الماضية، التي تميزت بعقد الكثير من الندوات والأنشطة التي تهدف إلي توعية الناس بالثورة ومكتساباتها من أجل المحافظة عليها، وأشار إلي أننا أمام دورة غير اعتيادية من دورات المؤتمر العام لأدباء مصر، إذ أنها تأتي في لحظة فارقة من تاريخ الوطن، الذي يشهد تحولات كبيرة، من أجل آمال طالما حلم بها الجميع، وأن عنوان هذه الدورة يأتي كاشفا لمسايرة المثقفين للوطن في تحولاته، ف"سقوط نص الاستبداد" وهو موضوع المؤتمر يقدم مراجعات ورؤي فكرية للثقافة في علاقتها بالثورة، ويضع المشهد أمام المجتمع المصري بكل تجلياته. وأكد سعد عبد الرحمن أن المؤتمر عبر دوراته المختلفة كان ضمير الأمة، ومن يراجع عناوينه يتأكد من ذلك، وأنه كان يغرد خارج السرب، متحديا محاولات الاستمالة رافعا راية الاستقواء بالثقافة والإبداع، عصيا علي التطويع متمنعا علي الاستدراج وملهما في أزمة الحصار وتقويض الأحلام، وظل المؤتمر عبر كل السنوات الضمير الحي للحركة الثقافية، فانتصر، وقدم أوراقا بحثية جادة حول مسؤولية المثقف وتفعيل دور المؤسسات الثقافية، وتناول- أيضا- بالدراسة والبحث أدب المهمشين وأدب الرفض السياسي. ودعا رئيس هيئة قصور الثقافة في كلمته إلي أن يلتف الجميع حول الثقافة الجماهيرية في الفترة القادمة من أجل الوصول بالخدمة الثقافية إلي مختلف أنحاء مصر. رغم قصر كلمته، إلا أنه قدم الخيط الرابط بين عنوان المؤتمر (سقوط نص الاستبداد.. الثقافة والثورة .. مراجعات ورؤي) وبين أن إطلاق اسم دورة أمل دنقل عليه، إذ قال د. عبد القوي خليفة محافظ القاهرة: لقد شكلت الثورة المصرية حياة وأفق أمل دنقل، ورغم رحيله تمر الأيام ويصبح هو الشاعر المعبر عن ثورة 25 يناير. ومن جانبه وجه فارس خضر أمين عام المؤتمر انتقادا لأولئك الذين تحدثوا باسم التنوير، في حين كانوا يسوغون خطابات النظام البائد: "ما أظنهم كانوا يتوقعون ولو في أسوأ كوابيسهم أن نجلس في لحظة ملتبسة كهذه لننتظر القادم" وأضاف" لقد نزل السياسي عن أكتاف الثقافي، بعد أن ركبه لما يزيد علي نصف قرن، ولم يعد عليه بعد اليوم أن يقدم للعروش الخائرة ذرائع للبقاء، ومع هذا تبدو خطواته متثاقلة، وأيديه مرتعشة، وقراراته إصلاحية واهنة، وكنا نتظره ثائرا". ووجه فارس خضر أول نقد لعنوان المؤتمر قائلا: " لقد أفرطنا في التفاؤل، فحملنا هذا المؤتمر عنوانا ساحرا يداعب أخيلة الشعراء، ويرضي الأشواق وطموحات المبدعين، قلنا: "سقوط نص الاستبداد".. والاستبداد يمارس جبروته علي بعد أمتار من هذه القاعة، والمتخبطون في إدارة البلاد يجهزون علي ما تبقي من الإرادة الوطنية، تاركين القوي المتناحرة التي تمعن في انتهازيتها بتحالفاتها البراجماتية، تعمل بطريقة "فخار يكسر بعضه"، تاركين تيارات الإسلام السياسي تجني حصاد السنوات العجاف.. ليتباعد الحلم الذي بدا وشيكا، ويتضاءل الشعور بأننا علي أعتاب دولة القانون، الدولة المدنية الديمقراطية التي تكفل المساواة والعدل والحرية والكرامة للجميع". شهدت الجلسة الافتتاحية غياب د. شاكر عبد الحميد وزير الثقافة، لتزامنها مع جلسة مجلس الوزراء، وتقرر أن يلتقي في حوار مفتوح مع الأدباء يوم الجمعة والجريدة ماثلة للطبع. كرم المؤتمر: فؤاد حجازي، الشاعر عماد غزالي، د. أشرف عطية، الأديب منير عتيبة، الأديب نعيم الأسيوطي، القاصة انتصار عبد المنعم، الشاعر والإعلامي محمود شرف، الشاعر محمد التمساح، فاطمة يوسف، ود. صابر عرب. وقد تناولت جلسات المؤتمر من الأربعاء وحتي الجمعة محاور موضوعه الرئيسي وهو ( سقوط نص الاستبداد).