أدخلت الثورة جسد المرأة في مواجهات واختبارات جديدة لم تكن لها نفس الحدة والقوة والدقة من قبل. أصبح جسدها مستهدفا من السلطة، لأنه تحول إلي جسد مقاوِم ورافض. من هذه النقطة يمكن أن نري كيف أن مقاومة السلطة، ضمن وسائل أخري، يمكن أن تقطع وتختصر أشواطا في "وضع" هذا الجسد داخل المجتمع، ومساواته بجسد الرجل، ليس في طرق ممارسة القمع والعنف فقط، ولكن في طريقة نظر السلطة لهذا الجسد ومدي تخوفها منه. بالتأكيد زمن الثورة زمن بعدة أرواح. ولكنها مساواة باهظة الثمن. مأساة أن يأتي هذا الاعتراف المادي وبهذه الطريقة من جهة السلطة وبهذه الطريقة، والتي مازالت بيدها أدوات عديدة تقسم بها المجتمع وأفراده! ففي اللحظة التي تم فيها انتهاك هذا الجسد بوحشية، اكتسب هذا الجسد مشروعية تعدت كونه جسد الأم أو الأخت، أو الصديقة، أو الحبيبة؛ لجسد له رمزية متعددة ومتشابكة ومتناقضة تفوق كل هذه الصفات. بداية من هذه الفتاة التي أصرت علي فضح من قاموا بالكشف عن عذريتها، مرورا بالفتاة التي سحلوها عند مجلس الوزراء، بينما هناك من يركلها بقدمه بوحشية استثنائية في صدرها. هذه المشاهد تعدت خطوطا حمراء في العنف المستخدم مع جسد المرأة في هذا النوع الجديد من المواجهات العلنية. ربما هناك مكان لهذا الجسد بعد هذه الخطوط الحمراء، ميلاد جديد له في شكل علاقته مع السلطة. وكما حدث مع أغلب المصريين أثناء الثورة. ولكنه أيضا ميلاد مجروح ومنقوص. مساواة مجروحة، مهينة، أن تتم بهذه الصورة وبهذا القدر من العنف الذي تعدت فيه السلطة أيضا كل خطوطها الحمراء في الثقافة. لقد تم إيذاء الجوهر الوجودي لهذه المرأة سواء عن طريق غشاء بكارتها، أو عن طريق سحلها عارية في الشارع. من قام بركل الفتاة علي صدرها بينما آخرون يسحلونها، أو قام بالكشف عن عذريتها، بالتأكيد كان يخاف منها. كان مدفوعا بخوف رباه مجتمعه من هذه المرأة وهذا الجسد. كان ينتهك بعنف ليصل إلي حقيقة كامنة في خياله عن هذا الجسد. هذا الجسد المحرم، الذي مازالت له قدسية، أراد هذا الجندي أو الضابط أن يقتله أو يكسره دفعة واحدة، ويحطم نموذجه في خياله، حتي لايتألم بعد ذلك. أراد أن يطلق عليه رصاصة الرحمة مرة واحدة، وبدون أن يغمض عينه. هناك ازدواج لوضع هذا الجسد داخل وعي السلطة أي كانت. السلطة تخاف من الجسد العاري، لأن لهذا الجسد العاري الأعزل سلطة أعمق من تلك السلطة المؤقتة. لجلجة الضابط أو الجندي وهو يغطي هذا الجسد الذي أهانه منذ قليل، توضح مدي هذا التناقض والازدواج في طريقة النظرة إليه. لقد فوجيء أخيرا أنه جسد امراة، وليس جسد عدو. جسد امراة له حرمانيته، وأحد تابوهات ثقافتنا، فثاب إلي رشده. ماهو السر وراء قوة هذا الجسد العاري؟ هل هو "الوضوح"؟ هل السلطة أمامه تواجَه بعقدتها الأوديبية؟ أم أن وراء هذا الشيء المخبوء وهما صنعته بنفسها لتبررعنفها، وعنفها فقط؟ أم أن هذه السلطة، لضيق أفقها، لم تكتشف بعد حقيقة القوة اللازمنية الذي يملكها هذا الجسد؟ لقد أهان هذا الجندي معني غاليا في الثقافة. بالتأكيد أنا أتكلم أيضا عن نوع بدائي من السلطة، أصبح أكثر تعقيدا وخفاء وتنظيما في مجتمعات أخري. بين هذه الوحشية التي مورست مع الفتاة التي جُردت من ملابسها، واللفتة الحانية التي تلتها عندما قام الجندي بتغطيتها؛ يتأرجح المعني الجديد لجسد المرأة داخل وعي السلطة المزدوج. معني ليس مقدسا ولا مهانا، فكلاهما نفي لها. إلي أن يأتي اعترافا آخر له من صميم ثقافة الشعب. نفي المرأة داخل هذين المفهومين في الوعي الذكوري للسلطة يعبر عن مدي الخوف من هذا "الآخر". ربما تتيح الثورة فضاء جديدا لجسد المرأة. إنها لحظة هامة في تاريخنا يعاد فيها ضمن مايعاد تفسيره وتعديله وموضعته في سلسلة مفاهيمنا؛ مفهوما الجسد والسلطة.