"الأجساد الثقافية..الإثنوغرافيا والنظرية" أحدث العناوين الصادرة عن المركز القومي للترجمة، يضم الكتاب بحسب مترجمه أسامة الغزولي مجموعة من الدراسات الفريدة قام بتحريرها هلين توماس مديرة الابحات بجامعة "جولد سميث" و جميلة أحمد الباحثة في نفس الجامعة ليتحقق عبر دراسات الكتاب التكامل بين مجالين بالغي الاهمية من مجالات البحث الاجتماعي والثقافي وهما "الجسد" والإثنوغرافيا" التي يعرفها الكثيرون باعتبارها دراسة الأخرين علي أسس "غير" تجريبية، و"غير"كمية، فهي دراسة تقوم علي الملاحظة، والإستجواب الشفاهي أو المكتوب. إذ رغم أن الجسد لا يزال موضوعا مركزيا من موضوعات يدور حولها جدل لا ينقطع إضافة إلي كونه مادة للبحث المتواصل، في مجالات الدراسات الانسانية والثقافية. لكن معظم الأبحاث الموجودة المعنية بدراسة الجسد عادة ما تتخذ منحي نظريا إلي حد كبير، في حين أن "الأجساد الثقافية" إستنادا إلي مفهوم الإثنوغرافيا- يقتحم مناطق جديدة برفضه تجاهل التجريب. ربما يرجع السبب في إهمال دراسة الجسد يعود إلي "ديكارت" الزارع الأساسي لفكرة الثنائيات في الفكر الحديث، بين "الرجل" و"المرأة"، "العام"و "الخاص"، "الطبيعة" و"الثقافة". هذه الثنائية التي طبعت علم الاجتماع عبر عصور طويلة، فأعتني الإجتماعيين عبر العصر الحديث، بفهم الوجه الصناعي العام للمجتمع، كي يستطيعوا تحليل ونقد انساق النظام الإجتماعي، وتم إهمال العناصر المقابلة لهذه المقولات، ومن أهم هذه العناصر التي جري إهمال دراستها "الجسد". لكن هذا الاهمال انكسر تماما مع نهاية الستينات والثورة الجنسية ومع الطفرة التي حدثت في مجال الدراسات النسوية بشكل أساسي.
تحاول دراسات الجزء الأول من الكتاب أن تبين كيف يحمل الجسد علامة الثقافة، كما تتحدث عن الممارسة الثقافية، والذات، والتاريخ، والباحثون هنا مهتمون ب"حكايا الجسد" التي تكشف عن هموم تتعلق بالهوية والاختلاف، وتلامس القضايا الشائكة للعرق والطبقة والذكورة والجنوسة والعمر والإكتهال. ومؤلفو هذا الجزء حريصون علي الاهتمام بأصوات هؤلاء الأفراد أو المجموعات ممن لا مكان لهم عموما في الأبحاث مثل العمال البيض في المناطق العشوائية، عارضو الأزياء، الأطفال، الراقصات المكتهلات. ثم يأتي الجزء الثاني ليوجه الإهتمام أكثر بالقضايا النظرية التي تحيط بالجسد في الثقافة. وهنا يحاول الباحثون المنطلقين من خلفيات تخصصية مختلفة إبداء إهتماما نظريا بالتطورات الجديدة في الأوساط الأكاديمية أو بالثقافات الجديدة التي كان لها تأثيرها علي طرائق فهمنا للجسد وإعطائه مغزي. لتبدأ الابحاث في هذا الجزء بداية من التحولات الاخيرة في الفكر الثقافي حول علاقة "الثقافة" مع "الطبيعة"، مرورا بدراسة الرقص الذي يري المؤلفون أنه يحتل موقعا مهما لتوليد المعاني والمفهومات الثقافية، وكيف يؤسس "المشروع الرأسمالي" جسدا جديدا، والاجساد التي تعيش بفضل مكونات غير عضوية، حيث يمتزج الإنساني باللإنساني، هذا الامتزاج الذي يرتبط بالتحول من مرحلة الحداثة إلي مرحلة ما بعد الحداثة، بداية من نهود السيدات الممتلئة بالسيليكون، وواضعي العدسات الزجاجية، وصمامات القلب، ومرضي الفشل الكلوي. ثم يأتي الجزء الثالث ليمزج بين النظرية والإثنوغرافيا حيث يكتب المؤلفون من زوايا الرؤيا الخاصة بعلم الإجتماع والدراسات الثقافية ويتحاورون مع المناظرات الثقافية التي تدور داخل التخصصات الفرعية التي يعملون بها