قرار جديد ضد المتهم بالتحرش بفنانة شهيرة في النزهة    خريطة برلمانية جديدة بانتظار حكم «الإدارية العليا» في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    فنزويلا تتهم الولايات المتحدة ب"السرقة الصارخة" بعد مصادرة ناقلة نفط في الكاريبي    ناسا تفقد الاتصال بالمركبة مافن التي تدور حول المريخ منذ عقد    التعاون الإسلامي تدين خطط الاستيطان الإسرائيلية الجديدة في الضفة الغربية    سلوى عثمان: أخذت من والدتي التضحية ومن والدي فنيًا الالتزام    دعاء الفجر| (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)    أول قرار ضد مضطرب نفسي تعدى على رجال الشرطة لفظيا دون سبب بمدينة نصر    مدبولي يفتتح اليوم الجمعية العامة للشراكة بين الأكاديميات بالعاصمة الجديدة    التحقيق مع شخص يوزع بطاقات دعائية على الناخبين بالطالبية    رفض الأسلوب المهين من ضابط وإعطاء مفتاح سيارته له ..وفاة شاب تحت التعذيب بقسم شرطة ثالث المحلة    أحمد مراد يعتذر عن تصريحه الأخير المثير للجدل عن فيلم الست    مراكز الإصلاح والتأهيل فلسفة إصلاحية جديدة.. الإنسان أولًا    توقيت أذان الفجر اليوم الخميس 11ديسمبر 2025.. ودعاء مأثور يُقال بعد الانتهاء من الصلاة    قصف مدفعي إسرائيلي يستهدف شمال شرق البريج وسط غزة    أرسنال يسحق كلوب بروج بثلاثية خارج الديار    يوفنتوس ينتصر على بافوس بثنائية نظيفة    "شغّلني" تُطلق مشروع تشغيل شباب الصعيد بسوهاج وقنا    خالد أبو بكر يشيد بجهاز مستقبل مصر في استصلاح الأراضي: سرعة العمل أهم عامل    لماذا تجدد أبواق السيسى شائعات عن وفاة مرشد الإخوان د. بديع بمحبسه؟    التحضير لجزء ثانٍ من مسلسل «ورد وشوكولاتة»    عاجل - قرار الاحتياطي الفيدرالي يخفض أسعار الفائدة 25 نقطة أساس في ثالث خفض خلال 2025    اسعار الفاكهه اليوم الخميس 11ديسمبر 2025 فى المنيا    الكونغرس يمهّد لإنهاء حقبة قانون قيصر... خطوة أمريكية جديدة نحو إعادة تشكيل العلاقة مع سوريا    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 11ديسمبر 2025........مواعيد الأذان في محافظة المنيا    بانا مشتاق: إبراهيم عبد المجيد كاتب مثقف ومشتبك مع قضايا الناس    سلمان خان وإدريس إلبا وريز أحمد فى حفل جولدن جلوب بمهرجان البحر الأحمر    "ميد تيرم" يتصدر تريند تيك توك مع أولى حلقاته على قناة ON    المتهم بتجميع بطاقات الناخبين: «كنت بستعلم عن اللجان»    الرفق بالحيوان: تخصيص أرض لإيواء الكلاب الضالة أحد حلول انتشار هذه الظاهرة    "امرأة هزت عرش التحدي".. الموسم الثاني من مسابقة المرأة الذهبية للمركز الإفريقي لخدمات صحة المرأة    منتخب مصر يواصل تدريباته بمركز المنتخبات الوطنية استعدادا لأمم إفريقيا (صور)    رودريجو: ليس لدي مشكلة في اللعب على الجانب الأيمن.. المهم أن أشارك    كرة طائرة - خسارة سيدات الزمالك أمام كونيجيليانو الإيطالي في ثاني مواجهات مونديال الأندية    "جنوب الوادي للأسمنت" و"العالمية للاستثمار" يتصدران ارتفاعات البورصة المصرية    حقيقة منع شيرين عبد الوهاب من رؤية ابنتيها وإفلاسها.. ما القصة؟    مادورو: فنزويلا مستعدة لكسر أنياب الإمبراطورية الأمريكية الشمالية إذا لزم الأمر    البنك المركزي: معدل التضخم الأساسي السنوي يسجل 12.5% في نوفمبر 2025    القبض على شخص اقتحم مدرسة بالإسماعيلية واعتدى على معلم ب "مقص"    4 فوائد للملح تدفعنا لتناوله ولكن بحذر    أعراض اعوجاج العمود الفقري وأسبابه ومخاطر ذلك    معهد التغذية يكشف عن أطعمة ترفع المناعة في الشتاء بشكل طبيعي    انتبهي إلى طعامك خلال الأشهر الأولى من الحمل.. إليك قائمة بالمحاذير    البابا تواضروس يهنئ الكنيسة ببدء شهر كيهك    ارتفاع الأسهم الأمريكية بعد قرار مجلس الاحتياط خفض الفائدة    هجوم جوي مكثّف.. أوكرانيا تطلق نحو 300 مسيّرة باتجاه الأراضي الروسية    مستشار وزير الثقافة: إدارج "الكشري" في قائمة تراث اليونسكو يمثل اعترافًا دوليًا بهويتنا وثقافتنا    أستاذ علوم سياسية: المواطن استعاد ثقته في أن صوته سيصل لمن يختاره    استشهاد فلسطيني برصاص الاحتلال في رفح جنوب قطاع غزة    التعادل السلبي يحسم موقعة باريس سان جيرمان وأتلتيك بلباو    الزوامل والتماسيح: العبث البيئي وثمن الأمن المجتمعي المفقود    ضبط شاب ينتحل صفة أخصائى علاج طبيعى ويدير مركزا غير مرخص فى سوهاج    ساوندرز: ليفربول ألقى صلاح تحت الحافلة؟ تقاضى 60 مليون جنيه إسترليني    الأرقام تكشف.. كيف أنقذ صلاح ليفربول من سنوات الفشل إلى منصات التتويج.. فيديو    ترامب: الفساد في أوكرانيا متفشٍ وغياب الانتخابات يثير تساؤلات حول الديمقراطية    "الصحة" تكشف عن الفيروس الأكثر انتشارا بين المواطنين حاليا    الأوقاف تختتم فعاليات المسابقة العالمية الثانية والثلاثين للقرآن من مسجد مصر الكبير بالعاصمة    حاسوب القرآن.. طالب بكلية الطب يذهل لجنة التحكيم في مسابقة بورسعيد الدولية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ترفض تصنيف روايتها باعتبارها سيرة ذاتية
درية الكرداني: الانتقام يضعك في حضرة من تكرههم!
نشر في أخبار الأدب يوم 23 - 10 - 2011

عشر سنوات قضتها درية الكرداني في كتابه روايتها الأولي، تحكي عن تلك الشابة التي أحبت الفنان الكبير، وعما لاقته طوال سنواتها معه من معاناة، تجربة أفقدت بطلتها إلي حد ما وعيها بذاتها وإحساسها بقيمتها، حكت درية عن تفاصيل تتشابه تماما مع ما عاشته هي لذا فطوال صفحات الرواية ستضبط نفسك متلبسا بالتعاطف مع درية نفسها فهي أيضا كانت زوجة لفنان كبير. فهل كانت تكتب درية حكايتها مع الفنان حسن سليمان وهل حاولت من خلاها أن نتتقم من بعض الشخصيات في خياتها؟!
الرواية علي أي حال حررت مؤلفتها وأطلقت جني الحكايات بداخلها، أصبحت تحكي دون توقف، تحول عالمها لحكاية طويلة وممتدة ومليئة بالتفاصيل المدهشة. لذا لم يكن هذا الحوار كحوارات أخري أجريتها عبر البريد الإليكروني وافتقدت فيها حميمية اللقاء المباشر، أزالت درية هذا الحاجز، وأجرينا الحوار في شهر تقريبا وعبر مجموعة من الايميلات المتبادلة، أرسل مجموعة من الأسئلة فترد»بقريبا انشاء الله سأرد علي الايميل الذي أرسلته لي، ولكن أردت اليوم أن أشركك في قراءة خطاب انفعلت به جدا وصلني من احدي زميلاتي في المدرسة تعليقا علي الرواية«. وهكذا أجرينا الحوار الذي امتد عن الرواية والحياة والثورة والغربة.
حكاية لابد منها
تريد أن تعرف أين كنت قبل إصدار روايتي الأولي، طيب: ربما أحسن رد هو أني كنت أكتب روايتي الأولي بينما أعيش الحياة بكل ما فيها! درست الصحافة و الإعلام في جامعة القاهرة وتخرجت سنة 1980 تدربت فترة قصيرة في مجلة صباح الخير ثم تحولت لمجال رياض الأطفال الصغار جدا (سن ما قبل الحضانة والمدرسة) ثم حاولت التفرغ للكتابة ولمساعدة زوجي: أقرأ وأصحح وأكتب كتاباته علي الآلة الكاتبة لعدة سنوات. في ذلك الوقت فتنت بمجال مسرح العرائس، فكنت أختار القصة وأحولها للشكل المسرحي ثم أصنع العرائس بنفسي وأحتال وأخترع الوسائل لأحركها كلها وحدي وأمثل كل الأصوات. ثم قررت أن أتعلم الكمبيوتر وأعمل في عمل مكتبي فكرت في ذلك الوقت أنه سيكون مناسب مع تقدمي في السن، ووجدت وظيفة صغيرة في مكتبة البيع في الجامعة الأمريكية ومنها حصلت علي منحة للدراسة فبدأت أدرس للماجستير في »تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بهاب « سنة 2003 وعدت نفسي في تلك السنة ألا أتم الخمسين في سنة 2008 قبل أن أنتهي من الماجستير وأنتهي من روايتي الأولي وهذا ما حدث في نهاية 2007. لا أعرف الآن كيف تحققت تلك الأحلام!! فقد كنت أعمل 8 ساعات في اليوم وأدرس المواد المطلوبة للحصول علي الماجستير وأدرّس فصلين للتدرب علي التدريس: واحد في الصباح المبكر والآخر بعد مواعيد العمل في مكتبة البيع. كل هذا وأنا أحاول جاهدة أن أتابع ما يحدث في بلدي وفي العالم في الفن والسياسة والأدب وأتعامل مع مستجدات حياتي الأسرية ومستجدات السن والصحة وأسئلة الروح الملحة. أنظر الآن للتفاصيل التي كتبتها وأندهش.. كيف مرت السنوات!!
حكاية بطلة الرواية
ما هي السيرة الذاتية وما الفرق بينها وبين الرواية؟ أفكر أن أغلب كتّاب القصص والروايات، حتي أكثرهم إغراقا في الخيال، يأتون بشخوصهم وتراكيبهم النفسية والجسدية وسلوكياتهم نحو بعضهم البعض من ملاحظة من مروا بهم في حياتهم، أو سمعوا عنهم من حكايات من مر به آخرون في حياتهم، ثم يتخيلون توليفات جديدة من قطع ألغاز كانت موجودة أصلا لينسجوا أو يبنوا بناءً جديدا يحققون فيه حلما أو رؤية أو مفهوم أو رغبة ملحة في التعبير عن شيء ما بداخلهم يودون لو كل الناس تقرأه وتشعر به معهم. حالة من الرغبة في المشاركة في الحلم. وهذا هو بالضبط ما فعلت وما أملت فيه. نسجت علي مهل من قصصي وقصاقيصي ومن قصص آخرين وقصاقيصهم كليما جديدا ربما كل نقطة فيه علي حدة إذا دققت ستذكرني بفستان أو مفرش أو ستارة، اهترأت من كثرة الاستعمال، فقصصتهم قصاقيص واستخدمتهم لنسج سجادة سوف تستخدم لغرض جديد. أما السيرة الذاتية، ففي رأي تتطلب أمانة لا أعتقد أني راعيتها في هذه الرواية. أمانة سواء بالنسبة للأحداث وتسلسلها أو الشخصيات كملامح وتصرفات وردود أفعال. أردت أن أقول شي، فاخترت من القصاقيص ما اعتقدت أنه سيعزز ويؤيد ويوضح فكرتي وصنعت منه سجادة قصاقيص ليجلس عليها قرائي، ويتأملوا، ويتعلموا دروس الحياة التي تعلمتها. أما فكرة الانتقام فهي بالضبط مثل فكرة الندم، لا أحبها ولا أحبذها أبدا، ربما لطبيعتي الخاصة المسالمة، وربما لإيماني العميق الذي اكتسبته بالطريق الصعب بأن الانتقام والندم يضعك مرة أخري وأخري ودائما في حضرة من لا تريد في الحقيقة أن تكون معهم، فلماذا يضع الإنسان نفسه في المكان والزمان الذي لا يحب!
فاصل
في الرسالة التي أشرنا إليها في المقدمة قرأت الصديقة الرواية علي أنها سيرة ذاتية مباشرة، أشفقت علي صديقتها من المعاناة التي عاشتها، وكانت أكثر جرأة مني سألتها عن صبرها في مواجهة الفنان حسن سليمان لكن رد درية كان أكثر حميمية وذكاء. قالت: هل يا تري كل الناس عندما قرأوا الرواية فكروا فيها كما فكرتي أنها سيرة ذاتية أمينة لكل ما حدث في حياتي!! أرجو يارب ألا يكون هذا ماحدث!! لأن الحكاية مش كده خالص. نعم استخدمت بعض أحداث مما عشتها، وشخصيات من الذين عرفتهم، ولكنها ليست بأي حال سيرتي الذاتية. أردت أن أقول لمن يقرأ لا تترك وعيك بذاتك لأي سبب فبالغت وتكلمت فقط عن الأشياء التي قد تنفر القارئ من فكرة أن يغيب ولا يتمسك بوعيه، وإلا فبالله عليك: كيف تصدقي أن حياتي كانت كلها قرف وعذاب، يالهوي طبعا مش ممكن، وهل لو كانت سيرة ذاتية كان يمكن أن أغفل ذكر ابنتي ، أجمل شيء في حياتي؟ وهل ممكن أن أكون بهذا الغباء الروحي والوجداني؟، أن أترك نفسي لتعاسة محضة ليس فيها أي متعة أو راحة أو أمل. أنا فعلا مخضوضة أن يكون كل الناس فكروا كما فكرتي، ولكن أرجع أقول لنفسي، ربما هذه الأفكار ستطرأ فقط لمن يعرفني، أو عاش معي بعض من ذكريات الطفولة والشباب.. سيطبق الصدق الذي شعره عن القصص التي يعرفها علي كل بقية الرواية.
عنوان الحكاية
كان يجب والله أن تكون معنا ونحن نختار عنوان للرواية! فقد كنا في حيص بيص. ساعدني كثيرا الأستاذ صنع الله إبراهيم، الذي يشرف علي دار الثقافة الجديدة للنشر وتحمس لنشر روايتي منذ قراءته الأولي لها كصديق عندما أتممتها في سنة 2007 وقبل إعادة الصياغة المتكررة منذ ذلك الوقت. كان اقتراحي الأول الذي
عشت معه لسنوات كثيرة هو: »رائحة ياسمين وأشجار زيتون« ولكن تعليقات الأصدقاء، قرائي الأوائل، جعلتني أقرر تغييره. تساءلوا معي: هل الرواية لها علاقة بأشجار زيتون فلسطين!!، بالسلام العالمي!!، فهذه أصبحت الصور النمطية لاستخدام كلمة زيتون فيما يبدو!! وهل الأفضل أن يكون العنوان طويل أم قصير؟، وهكذا أدركت أن ما أردت أن يصل للقراء من اختياري لهذا العنوان لم يصل!! التناقض بين رائحة الياسمين التي تعبق الجو وتكثف الشعور بحسية الحياة ولكن تنقضي بلا أثر بعد وقت قصير بالمقارنة بأشجار الزيتون راسخة الجذور في الأرض. ثم اخترت عنوان »قص الأثر«.. فعلق الأصدقاء: بالله عليك من سيفهم هذا العنوان ويتذكره!! ثم اقترح الأستاذ صنع الله إبراهيم عنوان »النوم مع الفنان« مع ما تحمله كلمة النوم من طبقات معاني وإيحاءات كثيرة، من جنس وغياب مؤقت عن الوعي واستسلام لسلطة قاهرة ولذة خفية وراحة في مقابل قلق. لم أحب هذا العنوان أبدا، وجادلت الأستاذ صنع الله كثيرا: هذه الرواية ليست تماما عن الفنان، هي عن شخصية المرأة الرئيسية التي تصادف تجارب تؤثر علي وعيها بنفسها وتشكل شخصيتها، سواء مع الفنان، مع غيره، أو منذ نشأتها الأولي. أفكر أن الرواية هي عن كيف يقابل بعض الناس تجاربهم فيتعلموا منها، أو لا يتعلموا، ولكن تؤثر عليهم، ثم يحملون هذا التأثير طبقة بعد أخري تثقلهم ولكن تثريهم وهم يمضون في الحياة. أتذكر أني قلت: ثم أني يا أستاذ صنع الله أخجل جدا جدا من هذا العنوان، لا أريده أبدا!!.. فرد بسرعة وبخفة دم: تخجلين من عنوان الرواية ولا تخجلين مما كتبتيه في الرواية؟!!! فانطلق الضحك عاليا وأنا أسرسع: وماذا كتبت في الرواية أخجل منه؟!! اخترنا عنوان »ارمال ناعمة« بعدها في ربع ساعة. ساعتها: أمسكت بالرواية أفتحها كيفما اتفق وأفكر فيما يمكن أن يصلح ويكون سهل القراءة والتذكر. والحقيقة أني أصبحت الآن أحب عنوان »ارمال ناعمة« كواحد من أسماء »ظاهرة الرمال المتحركة« في الصحراء. الرمال الناعمة تعبر عن النعومة والسلاسة الشديدة في مقابل الخطر، السلام الذي يمكن في أي لحظة لأن يتحول لهدوء ما قبل العاصفة... أرجو أن تكون الرواية عبرت عن هذه التحولات الهادئة جدا، السلسة جدا، المكارة جدا، التي توقعنا في وسط عواصف شديدة. فهل كان يمكن أن نتجنبها؟!، أو علي الأقل نستعد لها بما تحتاجه؟!.
حكاية عن الغربة
هذه أول مرة يكون لي بيت غير بيتي في وسط القاهرة، أول مرة يكون لي كرسي أمام نافذة مختلفة، طبق وفنجال مختلف. أدركت أن داخلي صراع بعد أن عدت في أول عطلة بعد العشرة أشهر الأولي من بداية عملي هنا. كان صراعاً كبيرا يختفي تحت سطحي الذي يبدو دائم الهدوء والروقان. كنت لا أعرف أي المكانين يجب أن أقول عنه »أرجع إيهب«!! أي المكانين هو مكان العطلة وأيهما مكان الحياة؟!! لم أكن أفهم المشكلة في البداية، فقط أخذت أبحث باستماتة لاستعادة كل ما كان لي: أعيد أشياء البيت في القاهرة لأماكنها التي تعودت عليها وغيرتها خادمتي وهي تنظف البيت المهجور أسبوعا وراء أسبوع في غيابي، أحاول استعادة الأصدقاء والأحباب وأطالبهم بما كانوا عليه تجاهي قبل سفري، أدور في شوارع وسط القاهرة لأرصد التغيرات حتي البسيط منها. كانت فترة صعبة. كنت أبحث عن كل ما افتقدته، وأسأل نفسي: اين مكاني؟! هل هو هناك حيث عملي وحياتي اليومية، أم في بلدي حيث كل الذكريات بكل أنواعها: جميلة أو مؤلمة. وأرد علي نفسي مباشرة: الذكريات مهما كانت قيمتها فهي ذكريات، وليست حياة يومية بكل زخمها، بعد أن ابتعدت كل هذه الأشهر وأصبح لي بيت ومكتب أكتب عليه ومقعد وفنجال وشباك أنظر منه كل يوم علي الخارج. استمرت حالة الارتباك واللخبطة الشديدة، بل ربما اشتدت، بعد عودتي إلي أمريكا، وهكذا لم أعد سعيدة في أي مكان: ولا في بلدي ولا في أمريكا. ثم حدث أن حضرت في الجامعة هنا محاضرة لكاتبة ممتازة أحبها كثيرا اسمها »الي سميثب« تتكلم فيها عن مقولة أحد كتاب الجنوب الأمريكي المشهورين »اتوماس وولف»« (أنت لا يمكنك أبدا العودة للوطن بعد مغادرته). تتكلم عن تجربتها الشخصية وملاحظاتها عن البلدة التي نشأت فيها في جبال الأبلاتشا في فرجينيا. كنت أضحك (فهي كاتبة دمها خفيف جدا وعندها حضور مسرحي محبب جدا في المحاضرات) وأبكي في نفس الوقت. بكيت يومها كثيرا ،أثناء المحاضرة وبعدها، بكاء مطهرا. أدركت أنه لن يمكنني أبدا العودة، علي الأقل بالطريقة التي تخيلتها في السابق، لأنه ولا أنا نفس الشخص بعد أن مرت بي تجارب كثيرة، ولا الناس الذين تركتهم يتجمدون في مواقعهم، ولا الوطن يبقي علي حاله الذي تركته عليه، ولا حتي فكرتي عن الوطن تبقي علي حالها، والنتيجة هي : أنه لا يمكنك أبدا أن ترجع للوطن، يمكنك من الآن وصاعداً أن تحمل معك الوطن، يصبح داخلك. تصبح أنت الوطن. ساعتها تتحرك به في كل مكان ولأي زمن تريد.
فاصل عن الثورة
كنت في القاهرة مباشرة قبل الثورة في يناير لمدة 3 أسابيع في عطلة وعدت لمكان عملي في الخامس من يناير. والحقيقة أن أيام الثورة كانت من أصعب الأيام في حياتي.. فقد كانت تلك السنة الثانية لي بعيدا عن مصر التي لم أتركها إلا لفترات لم تتعد أبدا الشهر ونصف، وأبدا لم أغادر مصر للعمل والاستقرار في مكان آخر.
أما عن وقت أحداث الثورة في مصر، فكانت أوقاتاً صعبة جدا. كنت أتابع ما يحدث عن طريق المشاهدة والقراءة علي الانترنت علي الأقل 10 ساعات يوميا، ولك أن تتخيل كيف كان حالي مع التدريس ومسئولياتي هنا. في ذلك الوقت فكرت في العودة والعمل في أي خدمة للبلد مثل مشروعات محو الأمية مثلا، لكن طُلب مني في ذلك الوقت أن ألقي محاضرات وأشترك في ندوات للمناقشة واكتشفت طريقة أخري لم أكن أعرفها لخدمة بلادي. والآن بعد زيارة مصر في الصيف أعرف أن قلبي سيكون دائما هناك وفي كل البلاد العربية التي تسعي للحرية ولكن يمكنني أن أؤجل قرار العودة حتي أتمكن من إنهاء كتابة القصة الجديدة التي أود نشرها بعد نشر روايتي الأولي »رمال ناعمة« إذ أدركت بعد تعليقات بعض القراء كيف أثرت فيهم الرواية وجعلتهم يتمردون علي أوضاعهم الحالية التي لا يوافقون عليها، جعلتهم الرواية يشعرون بإمكانية التغيير الايجابي نحو الأفضل في الحياة بأن يعي الإنسان أكثر بنفسه وبإمكانياته ويؤمن إيمان حقيقي بالمستقبل الأفضل، وهذا في حد ذاته نجاح كبير يجعلني أفكر أن ربما الكتابة لها دور ايجابي في حياة الناس، مثل الثورة علي أرض الوطن.
حكاية عن الكتابة
أعمل من عدة سنوات علي مجموعة قصص صغيرة ترافقها واحدة أطول، ربما تتحول في النهاية إلي رواية صغيرة.. لا أعرف بعد. القصص فيها كثير من القطط. أنا في الحقيقة لا أحب القطط كثيرا ولكنها تلفت انتباهي بشدة، بأناقتها وأنانيتها والتفافها حول ذاتها، ورغم ذلك جاذبيتها التي تجعل الناس يدورون وتدور حياتهم حولها!! هذا شيء أدهشني دائما ومازال، ويستدعي مراقبتي الدقيقة كلما سنحت الفرصة.
أريد أن أقول لك حكاية مهمة، في موضوع الكتابة في حياتي هناك متاهة، أو دايلما، ربما يشعر بها كتاب كثيرون، فالأفكار والرغبة الشديدة في الكتابة تأتي ، دائما وأبدا، مع الانشغال الشديد بأشياء أخري، في حالتي: العمل كمدرسة. فكلما كنت مشغولة أكثر تصارعت الأفكار أكثر، فتصبح مثل العذاب. تريد أن تترك كل شيء لتكتب، ولكن شعورك بالمسئولية أو ربما رغبتك في الهرب، يمنعك، فتلوي عنق نفسك لتركز في العمل. ثم ربما تنظم لنفسك أجازة وتقول أنك ستتفرغ لإكمال العمل الذي تفكر فيه، ولكن ماذا يحدث غالبا: تجلس هناك، والكمبيوتر مفتوح علي صفحة بيضاء، وبجوارك ، الملاحظات التي كنت قد كتبتها في أوقات الانشغال علي قصاصات صغيرة. تجلس لدقائق ثم تقول آه أريد شاي، أو أتصل بماما أولا في التليفون، وتقوم وتقول أنك تريد أجازة فتنام أو تجلس في الشمس أو تنظر للشجرة وخلاص. قرأت كثيرا عن أحوال الأدباء، وشاهدت فيديوهات للأستاذ نجيب محفوظ، وكل يوم أقول لنفسي: طيب بكره أنا حاعمل كده: سأجلس في وقت محدد لمدة محددة لأكتب في الرواية، وما يحدث في الواقع هو أني أقول: طيب: سأقرأ أخبار مصر أولا، طيب سأصحح هذا الامتحان وأخلص منه أولا، طيب سأسمع تسجيلات نطق الطلاب أولا، ويمر الوقت ويكبس النوم فأقول لنفسي: معلهش، النوم سلطان والراحة واجبة، وغدا، انشاء لله، يوم جديد. ولكن في الحقيقة تعليقات القراء علي رمال ناعمة ربما ستكون دافع لأن أغير من هذه الدائرة المفرغة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.