الأديب السكندري محمد الجمل واحد من أهم مريدي نجيب محفوظ، وكان يتردد بشكل ثابت علي ندوته الصيفية بسان ستيفانو بالإسكندرية. الجمل سجل ساعات طوالا مع عميد الرواية العربية، بالإضافة لحوارات ثنائية دارت بينهما حول قضايا الأدب والثقاقة والسياسة، وبعد مرور سنوات طوال استخرج الجمل كنزه الأدبي، الذي يعد وثيقة لآراء محفوظ، وأصدر كتابا بعنوان ( نجيب محفوظ في ليالي سان استيفانو)، يشمل لقاءاته معه في الفترة من 1977إلي 1989 صاحب الكتاب وجه أسئلة كثيرة لعميد الرواية العربية، بعضها بدا في شكل انبهار بشخصيته وكشف عن مناطق هامة لطريقة تفكيره، في حين كانت أسئلة أخري تنحو في اتجاه نصائح لشباب المبدعين، فقد سأله : كيف صان نفسه من الغرور، فأجاب محفوظ: هناك أشياء صانتني من الغرور.. أنا بطبيعتي موسوس.. مفيش ثقة كبيرة في النفس.. أشعر بالوسوسة تجاه أعمالي الفنية.. لم أسمع نقدا لأعمالي لمدة طويلة فازددت شكا، ربنا وهبني صديقين صاحباني طوال العمر: عبد العزيز أيوب، والدكتور أدهم رجب، كانا يمتازان بالصراحة القاسية، يقولان: عملك هذا جيد، وعندما لا يعجبهما العمل يقولان: عملك هذا سخيف، لا مداراة ولا مجاملة.. بدأت أدرس الأدب دراسة نظامية، اتخذت نظاما للدراسة مبتدئا بالأدب العالمي. اخترت العمالقة مثلما اخترت أعمال ماستربيس كانت هذه الأعمال تظهر الإنسان أنه لا شيء.. كل هذه العوامل صانتني من الغرور. ويحدد محفوظ موقفه من التعامل مع التاريخ علي المستوي الإبداعي: تعاملت مع الروايات التاريخية بعدة طرق: اثنتان منهما كانت اقتباسا من التراث مثل زعبث الأقدارس وادوبيسس أما كفاح طيبة فكانت تخاطب الحاضر من خلال الماضي من خلال تحرير الوطن، وهناك رواية العائش في الحقيقة فكانت بمثابة سيرة ذاتية للفرعون الشهير إخناتون، من خلال شهادات متنوعة لمصادر عديدة عاصرت إخناتون، مثل أمه وزوجته وأقربائه والمعاصرين له، وأردت أن أبرز المفارقة النادرة في شخص هذا الفرعون الذي يجمع بين رجل الدولة والشاعر والنبي. ويكشف عميد الرواية العربية عن أن التجربة الشخصية للأديب ما هي إلا نتاج للتجربة العامة، فعندما سأله الجمل: إلي أي مدي تتحكم التجربة الشخصية للمبدع في عمله الفني؟ أجاب محفوظ: لا فرق بين التجربة الشخصية والتجربة العامة.. ما يحدث لي هو تجربة شخصية .. ما أعرفه عنك يدخل في معلوماتي الشخصية، ما أعرفه عن الحياة الواقعية والثقافية يصل إلي وجداني، فيتحول إلي تجربة شخصية.. كل هذا له معين واحد هو وجداني الشخصي، ومنه أستمد عملي الفني، لا أفرق بين شئ وآخر، قد يدفعني للعمل شخص قريب مني، مثل ما حدث في رواية الكرنك. ويختتم الجمل كتابه بتوجيه أسئلة حاصرت صاحب جائزة نوبل بعد فوزه بها، وأجاب عنها محفوظ مفندا الآراء التي قالت إنه حصل عليها لأسباب غير أدبية، منطلقا من فكرة رئيسية أنه لم يحصل أديب علي هذه الجائزة، إلا وتعرض لأكثر من هجوم من عدة اتجاهات. الكتاب: نجيب محفوظ في ليالي سان ستيفانو الكاتب: محمد الجمل الناشر: وكالة الصحافة العربية