عياد: دار الإفتاء تفتح أبوابها للتعاون مع المؤسسات الدينية في كازاخستان    القوى العاملة بجنوب سيناء تنظم ندوة لتعزيز الوعي بالقانون الجديد    أسعار الذهب اليوم الجمعة 19 سبتمبر في بداية التعاملات    أسعار الأسماك والخضروات والدواجن اليوم 19 سبتمبر    محمد سعيد يكتب: وزارة الحرب    نجم الأهلي السابق يستعيد ذكريات الطفولة مع هدية مصطفى عبده    طقس اليوم الجمعة.. إنذار خاص للمصطافين    أصل الحكاية| سرقة الأسورة الملكية من المتحف المصري جريمة تهز الذاكرة الأثرية    لحظات رعب أعلى دائري قليوب.. تفحم سيارة ملاكي وميكروباص في حريق مروع| صور    درة التونسية تخطف الأنظار في حفل افتتاح مهرجان بورسعيد السينمائي    الأوبرا تحتضن الملتقى التاسع ل«أولادنا».. وصفاء أبو السعود تخطف الأضواء    مستشفيات جامعة المنوفية تنجح في إنقاذ حياة مريض وإزالة ورم ضخم بالرئة    أطاح ب 6 وزراء، تعديل وزاري في موريتانيا يشمل 11 حقيبة وزارية    أب يقتل أطفاله الثلاثة ويطعن زوجته الثانية في جريمة مروّعة بالدقهلية    فلسطين.. الاحتلال ينسف مباني جديدة في المناطق الشمالية الشرقية لمدينة غزة    ياسر ريان: الزمالك قادر على الفوز بالدوري بشرط الاستمرارية.. وعمرو الجزار أفضل مدافع في مصر    دونجا: عبدالقادر مناسب للزمالك.. وإمام عاشور يمثل نصف قوة الأهلي    دعاء الفجر|تعرف على دعاء النبي بعد صلاة الفجر وأهمية وفضل الدعاء في هذا التوقيت.. مواقيت الصلاة اليوم الجمعة    عاجل بالصور زيارة تاريخية.. ملك إسبانيا، والملكة ليتيزيا، في رحاب معابد الأقصر    بمزج الكلاسيكي والحديث، عمرو دياب يتألق في حفل خاص على سفح الأهرامات (فيديو)    الصحفيين تكرم المتفوقين دراسيا من أبناء صحفيي فيتو (صور)    تغطية خاصة | مذبحة أطفال نبروه.. صرخات قطعت سكون الليل    طريقة عمل الناجتس في البيت، صحي وآمن في لانش بوكس المدرسة    فيدان: إسرائيل التهديد الأكبر على سوريا.. وأي عملية توسعية محتملة نتائجها الإقليمية ستكون كبيرة جدًا    هل يقضي نظام البكالوريا على الدروس الخصوصية؟.. خبير يُجيب    أمينة عرفي تتأهل إلى نهائي بطولة مصر الدولية للإسكواش    عاجل- صندوق الاستثمارات السعودي يضخ حزمة استثمارات كبرى في مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي بين القاهرة والرياض    نقيب الزراعيين: بورصة القطن رفعت الأسعار وشجعت الفلاحين على زيادة المساحات المزروعة    هيئة المسح الأمريكية: زلزال بقوة 7.8 درجة يضرب "كامتشاتكا" الروسية    موسم انفجار راشفورد؟ برشلونة يضرب نيوكاسل بهدفين    رسميًا.. الاتحاد السكندري يعلن إنهاء تعاقد أحمد سامي وإيقاف مستحقات اللاعبين    ميلونى: تدشين نفق للسكك الحديدية تحت جبال الألب يربط بين إيطاليا والنمسا    بعد رباعية مالية كفر الزيات.. الترسانة يقيل عطية السيد ويعين مؤمن عبد الغفار مدربا    مصر والإمارات توقعان 5 مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون بقطاع الطيران المدني    محافظ قنا يناقش آليات تقنين أراضي الدولة والتعامل مع المتقاعسين    دينا الشربيني ل"معكم": تارا عماد نفذت مشاهد انتحارية في "درويش".. جريئة في الاكشن    بإطلالة جريئة.. أحدث ظهور ل ميرنا جميل داخل سيارتها والجمهور يعلق (صور)    بحضور الوزراء والسفراء ونجوم الفن.. السفارة المكسيكية بالقاهرة تحتفل بعيد الاستقلال الوطني "صور"    الأسورة النادرة ساحت وناحت.. مجدي الجلاد: فضيحة تهدد التراث وكلنا سندفع الثمن    انخفاض سعر الذهب عيار 21 عشرجنيهات اليوم الجمعة في أسيوط    حي علي الصلاة..موعد صلاة الجمعة اليوم 19-9-2025 في المنيا    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    سادس فيتو أمريكي ضد وقف إطلاق النار في غزة خلال عامين    خليكي ذكية ووفري.. حضري عيش الفينو للمدرسة في المنزل أحلى من المخبز    أوفر وخالٍ من المواد الحافظة.. طريقة تجميد الخضار المشكل في البيت    رضا عبدالعال منفعلًا: «منهم لله اللي غرقوا الإسماعيلي»    4 أبراج «حظهم حلو مع كسوف الشمس 2025».. يشهدون أحداثًا مهمة ويجنون الثمار مهنيًا وعاطفيًا    شروط النجاح والرسوب والدور الثاني في النظام الجديد للثانوية العامة 2026-2025 (توزيع درجات المواد)    كسوف الشمس 2025 .. موعد أطول حدث فلكي وأماكن رؤيته    بمكونات متوفرة في البيت.. طريقة عمل الكيكة الهشة الطرية للانش بوكس المدرسة    بالصور.. جامعة الفيوم تكرم المتفوقين من أبناء أعضاء هيئة التدريس والإداريين    الشوربجى: اهتمام كبير برفع مستوى العنصر البشرى .. ودورات تدريبية متخصصة في الذكاء الاصطناعي    مواقيت الصلاه في المنيا اليوم كل ما تحتاج معرفته    "حافظوا على الحوائط".. رسالة مدير تعليم القاهرة للطلاب قبل العام الجديد    صاحب الفضيلة الشيخ سعد الفقى يكتب عن : انتخابات الأمس واليوم؟؟؟    «نعتز برسالتنا في نشر مذهب أهل السنة والجماعة».. شيخ الأزهر يُكرِّم الأوائل في حفظ «الخريدة البهية»    هنيئًا لقلوب سجدت لربها فجرًا    الدفعة «1» إناث طب القوات المسلحة.. ميلاد الأمل وتعزيز القدرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة 25 يناير.. من الخريف إلي الربيع العربي
نشر في أخبار الأدب يوم 09 - 10 - 2011

شهد العالم مع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات تغيراتٍ جذرية وهامة، حيث تلاشي العالم القديم الذي تشكل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، عالم الحرب الباردة، وصراع القطبين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، الكتلة الشرقية والكتلة الغربية، نهاية الأيديولوجيات الرأسمالية والاشتراكية، أو نهاية التاريخ كما يحلو للبعض التشدق به. ورأي البعض أن سقوط جدار برلين كان سقوطًا للنظام القديم، وبدايةً لنظامٍ عالمي جديد، وأن المستقبل للديمقراطيات.
فأين مصر، والعالم العربي، من كل هذه المتغيرات؟
دون الدخول في التفاصيل الدقيقة، التي لا يتسع المجال لسردها هنا في مقالةٍ مثل هذه تحاول أن تُعطي صورة بانورامية للأحداث دون الدخول في نمط الحوليات، أقول دون الغرق في تفاصيل عديدة، كان الرأي العام في العالم العربي يتوق إلي التغيير، فهو لا يعيش في عزلة عن العالم، إذًا لا بُد أن يدخل إلي النظام الجديد وينضم إلي نادي الديمقراطيات. لكن رياحا عديدة أتت بما لا تشتهي السفن، إذ تجمعت العديد من الأحداث والسياسات المحلية والإقليمية والعالمية لتحول بين الشعوب العربية وهذا الحلم.
يعتبر غزو صدام حسين للكويت في اغسطس 1990 هو أكبر حماقة تاريخية عاني منها العالم العربي آنذاك، وساعدت تلك الحماقة علي وأد الحلم ودعم الديكتاتوريات العربية، حيث رسخ هذا الغزو من الانقسام العربي وأدي إلي زيادة تبعية الأنظمة العربية للغرب، وظهور الولايات المتحدة كقوة عظمي وسائدة في العالم.
وعلي المستوي المصري سيظهر جيل جديد من الكُتاب، هو جيل التسعينيات الذي يُعبِّر في أدبه عن هذا الحلم المسلوب، محاولاً بالتالي كسر كل التابوهات المقدسة، هذا الجيل الذي وُصِّف بأنه جيل بلا أساتذة، وهو لم يكن بحاجة إلي أي أستاذ، لقد كان أستاذه هو هذا الحلم المسلوب. ويقدم لنا »ياسر عبد اللطيف« في روايته »قانون الوراثة« رصدًا مهمًا لانعكاسات غزو صدام حسين للكويت علي جيله، والمظاهرات التي اندلعت في الجامعة ضد تورط مصر في هذه الحرب، وضد التبعية للغرب، وأصبح السؤال الرئيسي في العالم العربي: هل صدام علي حق، أم التحالف مع الآخر ضد الشقيق؟ »اللي حيضرب في العراق بكره حيضرب في الوراق«.
وهي نفس الإشكالية التي عالجها »خالد يوسف« في فيلمه »العاصفة« لاعبًا علي دراما الأخوين المصريين، أحدهما يحارب في جيش صدام، والأخر مجند في الجيش المصري المنضم للتحالف الأمريكي.
ويقدم الكاتب والناقد السينمائي الشهير »سمير فريد« شهادة جيله عن هذا المأزق التاريخي، غزو الكويت، وأثره علي العالم العربي وتراجع حلم الديمقراطية، يقول فريد في عام 1992:
»نعم لقد مزقنا ذلك الفعل الأحمق الذي ارتكبه النظام العراقي في الثاني من اغسطس عام 1990، والذي لم يكن له أي حل عربي مع الأسف، وجعل العقل العربي بين اختيارين كلاهما مُر: إما استمرار احتلال الكويت، وإما التدخل الأجنبي لتحريره.
والمأساة ليست في التمزق، وإنما في استمرار التمزق وتكريسه، وفلسفته واعتباره قدرًا لا مفر منه. ولا سبيل إلي الخروج من هذا المأزق إلا بالديمقراطية الحقيقية والكاملة«.
لكن هذا الحلم، الخروج من المأزق بالديمقراطية، لن يتحقق، بل سيتلاشي. فكما قلنا سابقًا ستساعد حرب الكويت علي المزيد من تدعيم الديكتاتوريات القديمة ففي مصر علي
سبيل المثال سترتفع أسهم مبارك بعد مشاركته في حرب الكويت، حيث يقدم الغرب له المكافأة علي ذلك من خلال اسقاط الكثير من الديون المصرية، كما تتوافد علي مصر العديد من الاستثمارات العربية لتشهد تلك المرحلة رواجًا اقتصاديًا نسبيًا.
وكأن القدر لم يكتف بالحماقة الأولي، غزو الكويت، فيضيف حماقة جديدة هي تصاعد موجة الإرهاب في سنوات التسعينات، وسيصاحب ذلك المزيد من حوادث الفتنة الطائفية ومحاولات ضرب السياحة، وأشهرها وأفظعها علي الاطلاق مجزرة الأقصر في عام 1997 وسيستغل النظام المصري ذلك أسوأ استغلال، حيث يعتبر ذلك الحادث البداية الحقيقية لدولة الأمن التي ابتدعها حبيب العادلي، الذي تولي وزارة الداخلية في أعقاب ذلك الحادث وحتي عام 2011.
وستشهد حقبة التسعينيات تحالفًا غريبًا، ليس علي المستوي المصري فحسب، بل علي المستوي العربي، بين الأنظمة الديكتاتورية واليسار، تحت زعم الوقوف في وجه التيار الديني والإرهاب. وستكون أسوأ أمثلة لهذا التحالف المشين في مصر وتونس، الدولتين اللتين بدأ بهما الربيع العربي بعد الاستيقاظ من أوهام الكهف، والخروج من حظيرة النظام.
ومنذ التسعينيات نجحت الأنظمة العربية في فرض حالة من الجمود علي الحياة السياسية، ودخل الشارع العربي في الثلاجة. وإذا أخذنا الواقع المصري نموذجًا سنشاهد كم نجح النظام في استئناس المعارضة وتحويلها بالفعل إلي »معارضة رسمية«.
ففي عام 1990، وفي إطار التحالف المشين بين الأنظمة العربية الديكتاتورية واليسار، سينجح نظام مبارك في دفع حزب التجمع التقدمي الوحدوي، الذي يمثل آنذاك اليسار الرسمي، إلي كسر مقاطعة أحزاب المعارضة والإخوان للانتخابات البرلمانية. وفي أجواءٍ هزلية يدخل التجمع وحده مع الحزب الوطني الانتخابات، ليصبح منذ ذلك الوقت الحليف الرسمي للحزب الحاكم في معركته مع الإسلاميين. ويكون المقابل لخيانة »يهوذا« للمسيح »الشعب«، دراهم معدودات، إذ يحصل التجمع علي سبعة مقاعد فقط في البرلمان!!
وتعلم حزب الوفد الدرس، وتخلي عن تاريخه وليبراليته ولعب نفس الدور مع النظام في انتخابات 1995، وأصبح الوفد التابع الصدوق للحزب الوطني في كافة سياساته في تلك الفترة.
وبدأت الألفية الثالثة بسلسلة من النكبات لأحزاب المعارضة، حيث تعرضت لموجة من الانشقاقات الداخلية الحادة، ساهم فيها اللاديمقراطية الداخلية في بنيان أحزاب المعارضة، ومسألة صراع الأجيال، وساعد علي ازدياد ذلك المؤامرات الخبيثة لداهية النظام »صفوت الشريف«، ومباحث أمن الدولة. ولم ينج من ذلك حزب من الأحزاب، فشهد حزب الغد صراع جبهة أيمن نور وموسي مصطفي موسي، والوفد صراع نعمان جمعة وأباظة، والناصري يعاني من آلام ما بعد الحرس القديم ونهاية ضياء الدين داود. ولم يسلم الإخوان من ذلك، إذ دَّب الصراع الخفي بين التيار الإصلاحي والتيار المحافظ، فضلاً عن تسرب الأفكار السلفية إلي داخل جماعة الإخوان لتشكل خطرًا علي المنظومة الوسطية التي وضعها الأستاذ الإمام حسن البنا.
وترتب علي ذلك التمثيل الهزيل للمعارضة في البرلمان المصري في حقبة التسعينات مقارنةً بالصعود الكبير في الثمانينات؛ ففي برلمان 1984 حازت المعارضة علي 60 مقعد، ويزداد الصعود تألقًا في عام 1987 لتصل مقاعد المعارضة إلي 100 مقعد. ثم يبدأ السقوط الكبير منذ عام 1990 والذي شهد انسحاب أحزاب المعارضة من الانتخابات، فيما عدا التجمع الذي حصل علي 7 مقاعد فقط، وحاز الحزب الحاكم علي أغلبية مطلقة. ولم يتغير الأمر في انتخابات عام 1995 حيث حصلت المعارضة علي 13 مقعد فقط. وتكرر نفس السيناريو تقريبًا في انتخابات عام 2000 حيث لم تحصل المعارضة الرسمية (الوفد، التجمع، الأحرار، الناصري) إلا علي 17 مقعد، ولكن الجديد حصول الإخوان علي 17 مقعدا. وكان هذا تعبيرًا عن موَّات المعارضة الرسمية، وبداية الصحوة لجماعة الإخوان، هذه الصحوة التي عبرت عن نفسها في انتخابات عام 2005 بحصول الإخوان علي 88 مقعد في سابقة هي الأولي والأخيرة في نظام مبارك الذي وعيَّ الدرس جيدًا، وأدرك أنه لتمرير مشروع التوريث لا بد من توجيه ضربة قاصمة للمعارضة، وعلي رأسها الإخوان، في انتخابات 2010. فكانت مهزلة أحمد عز في الانتخابات بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
وعلي المستوي الإقليمي ساهمت إسرائيل وسياستها في المنطقة في إضعاف الصحوة الديمقراطية في العالم العربي. وهي القصة القديمة والسائدة في العالم العربي منذ نكبة 1948، التي ساهمت بشكل مباشر في وصول الأنظمة العسكرية للحكم في البلاد العربية، وضاعفت هزيمة 1967 من هذا العامل، إذ أصبح شعار المرحلة التالية »لا صوت يعلو فوق صوت المعركة«، وأدي اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000 إلي توجيه الغضب العربي نحو إسرائيل، بدلاً من استثماره في اسقاط الأنظمة العربية التي كان المبرر الرئيسي لوجودها »الصمود والمواجهة« إزاء إسرائيل، أو الأنظمة العربية الأخري الراعية للمفاوضات العربية الإسرائيلية. فكلا النوعين في الحقيقة نما وترعرع بدعمٍ ما من وجود إسرائيل. من هنا نفهم التخوف الإسرائيلي من الربيع العربي، ووجود أنظمة ديمقراطية جديدة ستسعي في الحقيقة لتعبر عن مطالب شعبها، وليس إلي مجرد البقاء في الحكم.
وعلي المستوي العالمي كانت الأجواء في غير صالح الشعوب العربية، إذ دفعت الحماقة التي قامت بها القاعدة في سبتمبر 2001 الولايات المتحدة إلي رفع شعار الحرب ضد الإرهاب، وما تبع ذلك من غزو أفغانستان ثم غزو العراق. ومرة ثانية يجد الشارع العربي نفسه في مواجهةٍ مع الخارج، وليس نحو إصلاح البيت الداخلي.
وتنجح الأنظمة العربية الديكتاتورية في كسب دعم الغرب تحت زعم أنها الحاجز الوحيد أمام تصاعد التيار الديني والإرهاب في المنطقة العربية. وتروِّج الأنظمة العربية لمقولة أن الديمقراطية ستأتي بالتيارات الدينية إلي الحكم، ضاربةً المثل بانتخابات الجزائر في التسعينيات، ووصول حماس إلي الحكم في الألفية الثالثة. ويستخدم مبارك دائمًا فزاعة الإخوان المسلمين، وضعف أحزاب المعارضة، وأنه لا بديل عن نظامه. ويسقط الغرب في ذلك الفخ ويتخلي عن تراثه الديمقراطي ليدعم أشد الأنظمة الديكتاتورية علي مستوي العالم آنذاك، الأنظمة العربية.
ويعترف الوزير الفرنسي الشهير »آلان جوبيه« في إبريل 2011، وفي ظل الربيع العربي، بخطيئة الغرب في دعمه للأنظمة العربية، بحجة مواجهة الإرهاب:
»لطالما اعتقدنا أن الأنظمة السلطوية كانت وحدها الكفيلة بصد التطرف في العالم العربي، لطالما تذرعنا بالتهديد الإسلامي لتبرير نوع من المحاباة إزاء حكومات كانت تنتهك الحرية وتعرقل نمو بلدانها. وفجأة يجدد العالم العربي الارتباط بتقاليد الانفتاح والتغيير والحداثة التي ميزته طيلة قرون، ربما قد أغفلنا ذلك نوعًا ما«.
وأدي كل ذلك إلي بقاء الأنظمة العربية في سدة الحكم لعشرات السنين، دون تجديد أو اجتهاد. ودخلت هذه الأنظمة دون أن تدري في شيخوخة متأخرة، وأصيبت بحالة من تصلب الشرايين السياسية. لا أنسي ما حييت منظر أحمد عز أثناء الانتخابات البرلمانية السابقة، وفي أثناء مؤتمر صحفي وجَّه أحد الصحفيين سؤالاً إلي »محمد كمال«، العقل المفكر لجمال مبارك، حول نتائج الانتخابات في دائرة كفر الشيخ وموقف حمدين صباحي، وقبل أن يُجيب كمال دفعه عز جانبًا قائلاً: »أنا الذي سأتحدث عن هذا الموضوع، الدائرة ديه تهمنا وعلشان كده غيرنا صفة مرشح الوطني علشان ناخدها من صباحي، وخدناها، وده يبيِّن قوة الحزب الوطني«. وفي أثناء ذلك كان محمد كمال ينظر إلي عز باستغراب وذهول، فكمال أستاذ السياسة كان يدرك أن ما يقوم به عز لا يمت إلي السياسة بشئ، إنه حالة من تصلب الشرايين السياسية، ونبوءة مبكرة علي أن النظام فقد رشده.
وفي تلك الأثناء كانت الأحوال في العالم العربي قد وصلت إلي نقطة اللاعودة وحتمية التغيير. وربما القاسم المشترك بين الدول العربية التي اندلعت فيها الثورة هو عامل الفساد إذ احتلت هذه الدول، وعن جدارة، مرتبة متقدمة في المؤشر العالمي للفساد. هذا التصنيف أعلي درجاته هي 178، تأتي ليبيا واليمن في القمة بدرجة تصل إلي 146 لكلٍ منهما، ثم سوريا 127 فمصر 98 وأخيرًا تونس 59.
كما تحتل هذه الدول مرتبة متقدمة في المؤشر العالمي للاضطرابات، إذ يصل مؤشر الاضطرابات في اليمن إلي 86.9٪، وفي ليبيا 71٪، وفي مصر 67.6٪، وفي سوريا 67.3٪، والغريب أن تونس والتي بدأت الربيع العربي يصل مؤشر الاضطرابات بها إلي 49.9٪. لكن هذا يمكن تفسيره بارتفاع نسبة التعليم في تونس إلي 78٪ وبالتالي ارتفاع نسبة الوعي السياسي، يضاف إلي ذلك ارتفاع نسبة البطالة في تونس إلي 30.4٪ بين الشباب، فضلاً عن القرب الجغرافي والمعرفي من أوربا.
وتشترك دول الربيع العربي كلها في ارتفاع نسبة التعليم ففي ليبيا 88٪، في سوريا 84٪، في تونس 78٪، في مصر 66٪، واليمن 61٪. وبصرف النظر عن مستوي التعليم، إلا أن أكثر المحللين يرون أن ارتفاع نسب التعليم في العالم العربي كان عاملاً مساعدًا علي نجاح الربيع العربي، وهذا ما يؤكده »آلان جوبيه« في تقريره:
»ظهرت الشرارات علي الموجات والشبكة العنكبوتية وغذتها وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية، بينما عززها شباب ديناميكي لم يفتأ تعليمه يتحسن، شباب يتوق إلي الانفتاح علي العالم«.
وربما يؤكد ذلك شهادة د.محمد أبو الغار عن نشاطه أثناء المظاهرات الأولي لثورة يناير، إذ يعترف بأنه ترك نفسه للشباب يوجهونه إلي التحركات وتغيير التحركات، وتطورات الموقف، وكيفية مواجهة الشرطة.
لقد أصاب النظام العربي التقليدي الشيخوخة وتصلب الشرايين السياسية والفكرية، ووجدنا رموز النظام القديم تهذي، بينما الشعب قد ولد من جديد وعرف طريقه. وجدنا بن عليّ يقول »فهمتكم«، ومبارك يقول »لم أسع يومًا إلي سلطةٍ أو جاه«، والقذافي يحدثنا عن »زنقة.. زنقة«، وعليّ عبد الله صالح يحدثنا »فاتكم القطار«، والمواطن العربي البسيط يقول في سخرية: »شكر الله سعيكم!!«.
ومع مجتمعٍ عربي أصبح الشباب يشكلون الأغلبية الديموغرافية فيه، كان لا بد من سقوط النظام القديم وإحياء الحلم القديم.
وفي قصيدة نارية أطلقها »عبد الرحمن الأبنودي« أثناء الثورة، وهو في منفاه الاختياري، مستعيدًا فيها شبابه:
عواجيز شداد مسعورين
أكلوا بلادنا أكل.. ويشبهوا بعضهم نهم وخسة وشكل
طلع الشباب البديع قلبوا خريفها ربيع
وحققوا المعجزة.. صحّوا القتيل من القتل
ويؤكد الأبنودي علي المقولة الأساسية في ورقتنا، أن الحلم قد تأخر:
الثورة فيضان قديم محبوس ماشافوش زول
الثورة لو جت ماتبنش في كلام أو قول
ولا أجد خاتمة لكلامي خيرًا من أبيات الأبنودي، فكما قلنا في المقال الأول، بينما تغير العالم منذ سقوط جدار برلين 1989، دخلت مصر والعالم العربي الثلاجة:
عشرات سنين تسكنوا بالكدب في عروقنا؟
والدنيا متقدمة ومصر مطرحها


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.