رئيس جامعة المنصورة يتفقد لجان الامتحانات بكليات الحقوق وطب الأسنان والهندسة    احتفاء بتاريخ عريق.. رئيس الوزراء في جولة بين عربات الإسعاف القديمة    انطلاق الجلسة العامة لمجلس الشيوخ لمناقشة تعديلات قانون المجلس    محافظ الوادي الجديد يستقبل وزير البترول والثروة المعدنية    رئيس الوزراء يتفقد محطة مياه الشيخ زايد    الحج السياحي 2025.. غرفة عمليات على مدار اليوم لمتابعة أحوال الحجاج وحل مشاكلهم    روسيا تعلن عن تدمير 94 مسيرة أوكرانية    القوات الروسية تتقدم في دونيتسك وتسيطر على بلدتين    رئيس الأركان يعود إلى أرض الوطن بعد إنتهاء زيارته الرسمية لفرنسا    مستقبل وريثة عرش بلجيكا في خطر.. بسبب أزمة جامعة هارفارد وترامب    وزير الداخلية اللبناني: الدولة لن تستكين إلا بتحرير كل جزء من أراضيها    اليوم.. انطلاق الجولة 37 من دوري المحترفين    طاقم تحكيم مباراة البنك الأهلي والمصري في الجولة الثامنة للدوري    13 لاعبة ولاعبًا مصريًا يحققون الفوز ويتأهلون للربع النهائي من بطولة بالم هيلز المفتوحة للإسكواش    القبض على زوج ضرب زوجته بسبب خلافات أسرية بمنشأة القناطر    الأرصاد تحذر: موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد لمدة 72 ساعة قادمة    الطب الشرعى يفجر مفاجأة في واقعة "مارسيلينو" طفل شبرا الخيمة    بعثة الحج الرسمية: تفويج الحجاج الذين أنهوا مدة إقاماتهم بالمدينة إلى مكة    إصابة شخصين إثر تصادم سيارتين على طريق قنا - سفاجا    ياسمين صبري تكشف سراً عن مجوهراتها الماسية في مهرجان "كان"    منى زكي تعود بشعر «كاريه» يثير إعجاب الجمهور    فتاوى الحج.. ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟    رئيس جامعة الأزهر: القرآن الكريم مجالًا رحبًا للباحثين في التفسير    "التأمين الصحي" تطلق حملة "تأمين شامل لجيل آمن" بأسوان    رئيس الوزراء يفتتح المقر الرئيسي الجديد لهيئة الإسعاف المصرية    5 روتينات صباحية لصحة الغدة الدرقية بشكل طبيعي    10 عادات يومية للوقاية من النوبات القلبية    3 تحديات تنتظر بيراميدز أمام صن داونز في ذهاب نهائي دوري أبطال أفريقيا    «الداخلية»: إحباط محاولة تشكيل عصابي جلب «حشيش اصطناعي» ب70 مليون جنيه    محافظ أسيوط يزور جامعة بدر ويتفقد قافلة طبية مجانية ومعرضًا فنيًا لطلاب الفنون التطبيقية    تنويه للمسافرين.. تأخيرات في مواعيد القطارات تصل ل 90 دقيقة    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم 24-5-2025    حكم طلاق الحائض عند المأذون؟.. أمين الفتوى يُجيب    صدقي صخر عن فيلم "ولا عزاء للسيدات": "جريء ومختلف"    الضفة.. الجيش الإسرائيلي يقتحم نابلس ويعتقل ثلاثة شبان    ماجد سامي: زيزو فقد لقب أسطورة الزمالك.. وإمام عاشور لا يُشبه الأهلي    لماذا يصل تأثير زلزال كريت إلى سكان مصر؟.. خبير فلكي يجيب    وزيرة البيئة: نسعى لاتفاق عالمي عادل لمواجهة التلوث البلاستيكي يراعي خصوصية الدول النامية    مكافأة وعتاب.. محمد رمضان يمنح طالب 50 ألف جنيه ويوجه له رسالة مؤثرة    فركش فيلم "روكي الغلابة" ل دنيا سمير غانم وعرضه بالسينمات بموسم الصيف.. صور    توفير فرص عمل بالأردن برواتب تصل إلى 290 دينارا شهريا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 24-5-2025 في محافظة قنا    انخفاض أسعار البيض في الأسواق اليوم 24-5-2025 (موقع رسمي)    أحمد عيد يعود لتقديم الكوميديا السوداء في فيلم الشيطان شاطر    وزير الري يلتقي عددا من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ لمناقشة طلبات المواطنين    موسم تاريخي ل"رجال يد الأهلي" بعد التتويج ب6 بطولات والابطال يتحدثون    البابا تواضروس يترأس القداس من كنيسة العذراء بمناسبة يوبيلها الذهبي    نهائي دوري أبطال إفريقيا.. بيراميدز يتحدى صن داونز في بريتوريا    اليوم.. أولى جلسات محاكمة 6 متهمين فى واقعة انفجار خط غاز الواحات    اليوم.. محاكمة متهمين ب«داعش العمرانية»    دمشق ترحب برفع العقوبات الأمريكية عن سوريا    د. هشام عبدالحكم يكتب: خد وهات.. لتبسيط المفاهيم الصحية    نبيلة مكرم عن أزمة ابنها: قررت اتشعبط في ربنا.. وابتلاء رامي كشف لي أنا جيت الدنيا ليه    رابط نتيجة الصف الأول الابتدائي بالقاهرة 2025 وخطوات الاستعلام عبر بوابة التعليم الأساسي    هل يجوز الحج عن الوالد المتوفي.. دار الإفتاء توضح    عمرو أديب: الناس بتقول فيه حاجة مهمة هتحصل في البلد اليومين الجايين (فيديو)    بعد وفاة زوجها.. كارول سماحة لابنتها: هكون ليكي الأمان والسند والحضن لآخر لحظة من عمري    القيعي: الأهلي لم يحضر فقط في القمة.. وقرارات المسابقة «توصيات»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



للكبار فوق الثلاثين

يحدث أنني لا أستطيع السير في العالم ملقياً أشياءً ومبدّلاً أشياءً بموديلها الجديد لمجرد أن أحداً خطر بباله أن يضيف خاصية أو يعدّل قليلاً.
منذ فترة ليست ببعيدة، كنت أنا وزوجتي نغسل حفاضات أطفالنا ونعلّقها علي الحبل بجانب ملابس أخري، كنا نكويها ونطويها ونجهزها ليعيدوا استخدامها مجدداً.
وهم، أطفالنا، ما إن كبروا وأصبح لديهم أطفال حتي صاروا يرمون كل شيء في القمامة، بما في ذلك الحفاضات.
لقد استسلموا بلا وجع ضمير للاستهلاك! نعم، أعرف ذلك. فجيلنا يصعب عليه دائماً رمي شيء. ولا حتي الأشياء المستخدمة كانت تبدو لنا قديمة! وهكذا كنا نسير في الشوارع وفي جيبنا نحتفظ بمخاطنا في منديل من القماش.
لاااا! لا أقول إن ذلك كان أفضل. ما أقوله إنني أشرد في لحظة ما، أسقط من العالم والآن لا أدري من أين أسير. وأغلب الظن أنني الآن علي ما يرام، هذا لا جدال فيه. ما يحدث أنني لا أستطيع تبديل جهاز الموسيقي مرة كل عام، ولا التليفون المحمول كل ثلاثة أشهر، ولا شاشة الكمبيوتر في كل عيد كريسماس.
أحتفظ بالأكواب المكسورة!
أغسل الجوانتيات اللاتكس المصنوعة للاستخدام لمرة واحدة!
تتعايش أطقم السفرة البلاستكية مع أطقم من فولاذ لا يؤكسد في درج النيش!
يحدث أنني جئت من زمن كانت فيه الأشياء تُشتري لحياة كاملة!
بل أكثر من ذلك، تُشتري لتورث لأجيال تأتي بعد ذلك!
الناس كانت ترث ساعات الحائط، أطقم الكؤوس، أدوات السفرة، أواني الفخار.
وحدث أنه في زواجنا غير الطويل جداً، اشترينا بوتجازات أكثر من التي كانت في حي طفولتي وغيّرنا الثلاجة ثلاث مرات.
إنهم يضايقوننا! لقد اكتشفت ذلك! يفعلونها عمداً! كل شيء يُكسر، يستنفد، يؤكسد، يتمزق أو يستهلك في وقت ضئيل حتي نغيّره. لا شيء يمكن تصليحه، فبالنسبة للمصنع صار قديماً.
أين الإسكافي الذي كان يضيف نصف نعل لأحذية النايك الرياضية؟
هل رأي أحدكم المنجد الذي ينجد المراتب بيتاً وراء بيت؟
من يُصلح السكاكين الكهربائية؟ عامل السكاكين أم الكهربائي؟
كل شيء يُرمي، كل شيء يستهلك، وأثناء ذلك، ننتج قمامة أكثر وأكثر.
بالأمس قرأت أننا أنتجنا في الأربعين سنة الأخيرة قمامة أكثر مما أنتجته البشرية في تاريخها.
لن يصدق ذلك من كان عمره أقل من الثلاثين: عندما كنت طفلاً لم يكن هناك جامع قمامة يمر ببيتنا!
أقسم علي ذلك، وأنا عمري أقل من ...
كل ما كنا نستخدمه كان عضوياً وكان مآله لحظيرة الدجاج والبط والأرانب(ولا أتحدث عن القرن الثامن عشر)
لم يكن هناك البلاستك والنايلون، والمطاط كنا نراه فقط في إطارات العربات والتي لم تكن تدور كنا نحرقها في عيد سان خوان.
والمستهلكات التي لم تكن تأكلها الحيوانات، كانت تفيد كأسمدة أو كنا نحرقها. من هناك أنا قادم. ولم يكن ذلك أفضل. غير أنه ليس سهلاً علي رجل فقير تربي علي"احتفظ واحتفظ فذات يوم قد ينفعك في شيء" أن يصير "اشتر وارم لقد جاء موديل جديد".
رأسي لا يحتمل كثيراً.
أقاربي الآن وأبناء أصدقائي لا يبدّلون فقط التليفون المحمول مرة كل أسبوع، بل الأرقام كذلك والبريد الإليكتروني وحتي العنوان الحقيقي.
أما أنا فقد أعدوني لأعيش بنفس الرقم، نفس المرأة ونفس البيت ونفس الاسم(ويا له من اسم لا يمكن تغييره). لقد ربوني لاحتفظ بكل شيء، كل شيء!!! ما ينفع وما لا ينفع. لأن الأشياء ذات يوم قد نعود لاستخدامها. هكذا صرنا مدينين لكل شيء.
نعم، أعرف ذلك، أعرف أن لدينا مشكلة كبيرة: أنهم لم يشرحوا لنا أبداً أي أشياء قد تنفع وأي أشياء لا. وبهدف الاحتفاظ بكل شيء(لأننا مطيعون) احتفظنا حتي بسُرة ابننا الأول، وسنة الثاني، ومفارش حديقة الأطفال ولا أدري كيف لم نحتفظ بغوضهم الأول. كيف يريدون إذن أن أستوعب هؤلاء الناس الذين يتخلون عن تليفوناتهم المحمولة بعد أشهر قليلة من شرائها؟
أيكون السبب أننا عندما نحصل علي الأشياء بسهولة لا نقدّرها وتصبح قابلة للرمي بنفس السهولة التي بها حصلنا عليها؟
في بيتنا كان لدينا أثاث بأربعة أدراج. كان الدرج الأول للمفارش والفوط، والثاني لأدوات السفرة والثالث والرابع لكل ما هو ليس مفرشاً ولا أداة سفرة. وكنا نحتفظ...بماذا كنا نحتفظ! كنا نحتفظ بكل شيء! بغطيان المرطبات..لماذا؟ لأننا كنا نستخدمها لننظف بها الأحذية حيث نضعها أمام الباب لنزيل بها الطين. وبتطبيقها وتعليقها علي خرز كانت تتحول لستائر للبارات. وعند انتهاء الموسم الدراسي كنا ننزع عنها الفلين ونهرسها بالمطرقة ونسمّرها في قطعة خشبية لنصنع منها أدوات لحفل نهاية العام الدراسي. كنا نحتفظ بكل شيء!
عندما اختبر العالمُ العقلَ لاختراع ولاعات كانوا يرمونها عند انتهاء دورتها، اخترعنا نحن إعادة ملء الولاعات المستهلكة. وماكينات الجيليت- حتي المكسورة لمنتصفها- كنا نحوّلها لبرايات خلال الفصل الدراسي. وكانت أدراجنا تحتفظ بفتاحات علب الساردين والبيف، فربما تأتي علبة دون فتاحتها! والبطاريات! والبطاريات الأولي لسبيكا كانت تنتقل من الثلاجة إلي سقف البيت. لأننا لم نكن نعرف جيداً إن كانت تحتاج إلي درجة حرارة باردة أم مرتفعة لتعيش فترة أطول. ولم نكن نستسلم لانتهاء حياتها المفيد، ولم نكن نستطيع أن نصدق أن هناك شيئاً من الممكن أن يعيش أقل من الياسمين.
وكنا نحتفظ بورق الشوكولاتة والسجائر الفضي لنصنع منه ألعاباً للكريسماس وأوراق التقويم لنصنع لوحات، وقطّارات الدواء فربما يحضرون ذات يوم دواءً بدون قطارة، وكنا نحتفظ بعلب الأحذية التي صارت أول ألبوم للصور وأوراق الكوتشينة حتي لو نقصها ورقة حيث كنا نسجّل بأيدينا علي ورقة رقماً يقول"هذه رقم 4".
الأدراج كانت تحتفظ بقطع مشابك الغسيل اليسري والخطاف المعدني، ومع مرور الوقت كانت تتبقي القطع اليمني التي ينتظرها النصف الثاني لتصير مرة أخري مشبكاً كاملاً.
أنا أعرف ما كان يحدث: كان من الصعب علينا جداً أن نعلن موت شيء من أشيائنا. بينما الأجيال الجديدة اليوم تقرر "قتلها" بمجرد أن تبدو بلا فائدة، كانت تلك أزمنة عدم إعلان موت أحد:ولا حتي والت ديزني!
وعندما كنا نشتري الآيس كريم في أكواب ويقولون لنا:"كلوا الآيس كريم وارموا الكوب"، كنا نقول حاضر، لكن، من ذا الذي يرمي الكوب! كنا نضعها لتحيا في رف الأكواب والكؤوس. وعلب البسلة والخوخ كانت تتحول لقصريات زرع ولتليفونات. والزجاجات البلاستكية الأولي كانت تتحول لزينات ذات جمال مشكوك فيه. وكراتين البيض صارت خانات للألوان المائية، وغطيان الزجاجات أصبحت مطفآت سجائر، وعلب البيرة الأولي صارت علباً للأقلام، أما غطيانها فكانت تنتظر العثور علي زجاجة.
وأموت كيلا أقيم توازناً بين القيم التي بطلت والتي لا نزال نحتفظ بها. آه! لن أفعل ذلك! أموت لأقول إن الأدوات الكهربائية ليست وحدها التي يمكن نبذها؛ بل أيضاً الزواج وحتي الصداقة.
غير أنني لن أقترف خطيئة المقارنة بين الأشياء والأشخاص. أجز علي أسناني كيلا أتحدث عن الهوية التي تضيع، وعن الذاكرة الجمعية التي نلقي بها، وعن الماضي الزائل. لن أفعل ذلك. لن أخلط الموضوعات ببعضها، لن أقول إنهم جعلوا من الغث سميناً ومن السمين غثاً. لن أقول إنهم يعلنون موت العجائز بمجرد ما تبدأ وظائفهم في التراجع، وإن الأزواج يتبدلون بموديلات أحدث، وإن الأشخاص الذين ينقصهم وظيفة ما يتعاملون معهم بتفرقة أو أنهم يقدرون أكثر أصحاب الجمال والبريق والسحر.
هذه فقط كتابة عن الحفاضات والتليفونات المحمولة. وعلي العكس، لو خلطنا الأشياء ببعضها، قد يتحتم عليّ أن أسلّم نفسي ل "الساحرة" كجزء من المبلغ المدفوع من جانب سيدة تتمتع بأوبشن جديد وأقل وزناً. لكنني بطيء حتي أنقل هذا العالم من وضعه الجديد وأغامر إن وجدت الساحرة تتربح من ورائي عندما أصير المسلَّم إليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.