كيف ننظر إلي أساطير حياتنا الثقافية؟ كانت تلك الفكرة التي ألهث خلفها في مقال الأسبوع الماضي، لكنّ ظروفاً متعددة أولها أنني تجاهلت المساحة سهواً، ثم كان سهو المصحح أكبر حيث نسي الفقرة التي تكمل الفكرة. اكتفي المصحح بشغل المساحة، كما يكتفي المجتمع بوضع نجوم للثقافة علي الرف، في ركن المعجزات. تلك هي الفكرة. وتوقفت أمام محاولة هيكل تجميع نجوم الأدب والفكر والثقافة، من اليمين إلي اليسار، ومن توفيق الحكيم إلي ثروت أباظة.. ومن لويس عوض إلي غالي شكري.. ويوسف إدريس. هل كانت محاولة "تكريم" أم "تأميم"..؟! ربما كلاهما. تكريم النجوم. وتأميمهم لصالح الثورة. ونظام عبد الناصر. الذي كان هيكل أقوي رجاله. أتاح لهم حرية بنفوذه الشخصي. لكنه لم يساهم في وضع قواعد حرية النشر. نجيب محفوظ في ذلك الوضع انتقل من عصر الموظف إلي النجم الثقافي. وهناك زامل توفيق الحكيم الذي ارتبط به وجدانياً وروحياً وعاش معه سنوات طويلة مثل ظله.. من مقهي اللواء في مواجهة البنك الأهلي.. إلي ركن الحكيم في مقهي اختاره نجيب محفوظ في الإسكندرية اسمه بترو . تعلم محفوظ من الحكيم فكرة الندوة. والموعد الأسبوعي. منه عرف أجيالاً جديدة. تمردت عليه و اعتبرته "راهباً" قديماً للصنعة. وهو ظل كذلك. أُسطي.. تتمرد عليه الأجيال الجديدة، لكن عصره مستمر. وخارج حدود الأدب هو صاحب معجزة الاعتراف من الغرب، بحصوله علي جائزة نوبل. الغرب الجبّار اعترف برجل بسيط، يسكن في العجوزة علي النيل و يعيش عيشة الموظفين . معجزة انبهرت بمحفوظ لكنها لم تقترب من أفكاره. لم تمر فكرة واحدة من أفكاره لا الإيمان بالعلم ولاالرغبة في التقدم. بلغت شهرة محفوظ مدي عظيم لكنه ظل مثل طه حسين صاحب معجزة. مجرد صاحب معجزة. في نظر غالبية لم تدخل ثقافتها الشخصية في جدل مع أفكاره. استقبلته معجزة. كما استقبلت طه حسين. ربما تكون أفكار نجيب محفوظ خدشت بعض الأفكار العمومية. لكنه استمر محفوظاً في ركن المعجزات. المعجزة.. تصنع انبهاراً برحلة الشخص، انتصاراً علي العمي.. أو اقتحاماً للجائزة الكبيرة ، تضع الشخص علي الحائط ، بينما أفكاره لا تتحرر من كادر المعجزة؟ المعجزة في حد ذاتها مهمة، تصنع للعاجزين أملاً، و تتوحد معها طاقات معطلة، تكتفي بالصورة كما هي بلا خدش، ولا تفاعل.. هي نفسها صورة صاحب المعجزة بكل التراب الذي يتراكم عليها.. بكل اطمئنان.