بتنسيق مصري.. مساعدات عربية وإماراتية مكثّفة تدخل غزة برًا وجوًا رغم أهوال الحرب    وديا.. فياريال يضرب أرسنال بثلاثية استعدادًا للموسم الجديد    أسهم "الإسماعيلية للدواجن" و"سبأ للأدوية" تقود صعود السوق.. وتراجع حاد ل"القاهرة الوطنية"    تحليل إخباري: ذكرى هيروشيما 80 عامًا - نداء متجدد لنزع السلاح النووي    فلسطين تدين استهداف مستوطنين لبعثتي روسيا وهولندا وتدعو لعقوبات رادعة    رئيس الوزراء البريطاني: سنعترف بدولة فلسطين في سبتمبر حال استمرار الأزمة الإنسانية بغزة    عقب الصيف.. تطوير عدد من الطرق والشوارع بمرسى مطروح    أمير هشام: عبدالقادر ينتظر قرار مدرب الأهلي    "الحكومة": التجهيزات الداخلية للمتحف الكبير اكتملت.. وحريصون على إخراج حفل يليق بمصر    بالبينك.. بوسي تتألق بأحدث ظهور لها    تفاصيل لقاء نائب رئيس جامعة أسيوط مع القنصل العام للسفارة الهندية بمصر اليوم    الرطوبة ستصل ل 90%.. الأرصاد تكشف مفاجأة عن طقس أغسطس    مصرع سائق لودر أثناء هدم منزل في الفيوم    محمد صلاح يعلن التحدى بصورة مع كأس الدورى الإنجليزى قبل انطلاق الموسم    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. توقعات كليات التجارة علمي وأدبي (الحد الأدنى 2024)    هكذا ينظر الأمريكيون للمقاومة    «خارج بكره من المستشفى».. تطورات الحالة الصحية للفنان محمد صبحي بعد تعرضه لأزمة صحية    "مسرحنا حياة" يفتتح حفل ختام الدورة 18 للمهرجان القومي للمسرح المصري    أسامة كمال: أصبح هناك مط وتطويل في التعامل مع مشكلة غزة مثل المسلسلات    عملية جراحية دقيقة.. فريق طبي بمستشفى قنا الجامعي ينجح في إنقاذ حياة سيدة وجنينها    فحص 1087 متردد في قافلة طبية بقرية الإسماعيلية في المنيا    «بعد إطلاقه النار على قاعدة فورت ستيورات».. السلطات الأمريكية تعتقل منفذ العملية (فيديو)    الضرائب: 12 أغسطس آخر موعد لتقديم التسويات المعدلة لضريبة المرتبات عن 5 سنوات    وزير الخارجية يلتقى رئيس مجلس إدارة الشركات المعنية بتنفيذ مشروع الربط الكهربائى بين مصر واليونان    بمشاركة الحضري.. ورشة عمل مصرية إماراتية لتطوير مدربي المنتخبات    كرة يد - الأهلي يعلن تعاقده مع مودي    استشهاد سليمان العبيد لاعب منتخب فلسطين السابق    لماذا حسم القرآن مدة مكوث أصحاب الكهف ولم يحسم عددهم؟.. خالد الجندي يوضح    فيديو- أمين الفتوى يوضح حكم تجفيف الأعضاء بين غسلات الوضوء.. جائز أم مكروه شرعًا؟    رفعت فياض يكشف الحقيقة الغائبة عن وزير التعليم العالي.. ترشيحات عمداء المعاهد معظمها تحايل وتزوير وبيانات غير حقيقية    متحدث الحكومة: توفير سكن بديل للمتضررين من قانون الإيجارات القديمة    طريقة عمل مكرونة وايت صوص، أحلى وأوفر من الجاهزة    نقابة الأطباء تكشف سبب الاستقالات الجماعية بقسم أمراض النساء بطب طنطا    من محطة القطار إلى ثلاجة الموتى.. قصة شقيقين يعودان في نعش واحد بالبحيرة    3 أبراج تواجه أزمة عاطفية خلال أيام.. احذروا سوء الفهم    محمد هنيدي يُعلق على قرار تركي آل الشيخ باعتماد موسم الرياض على فنانين سعوديين وخليجيين    جيوكيرس يقود تشكيل أرسنال في مواجهة فياريال الإسباني اليوم    منى عبدالوهاب: حظر «تيك توك» ليس الحل وعلينا وضع ضوابط صارمة    البرهان: معركة الكرامة لن تتوقف إلا بالقضاء الكامل على التمرد    وزير الزراعة يتلقى تقريرًا عن مشاركة مصر في البرنامج الدولي لسلامة وأمن الغذاء بسنغافورة    الحكومة ترد على أنباء انحيازها للملاك في قانون الإيجار القديم    حاسوب «أوبتا» يرشّح ليفربول للفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز 2025 - 2026    «خد بتار أبوه بعد 13 سنة».. ضبط شاب بتهمة قتل عمه في قنا    القومي للمرأة يهنئ الدكتورة عزة كامل لفوزها بجائزة التميز للمرأة العربية    ما حكم أداء ركعتين قبل صلاة المغرب؟.. الإفتاء توضح    أقل حجز ب4500 جنيه فى الشهر…عصابة العسكر تقرر تأميم مستشفى العباسية وحرمان المرضى الغلابة من العلاج    أمين الفتوى يعلق على حادث "الأولى على الثانوية".. هل الحسد والعين السبب؟    موعد بداية العام الدراسي الجديد 2026    اجتماع مصري- روسي.. وتوجيهات رئاسية بتسريع نقل التكنولوجيا وتوطين الصناعة    الداخلية تكشف ملابسات فيديو سرقة مسن بالإكراه بالقاهرة    أخبار الطقس في الكويت اليوم الأربعاء 6 أغسطس 2025    ضبط مدير كيان تعليمي وهمي بالقاهرة للنصب على المواطنين بشهادات مزيفة    السيسي: لا نخشى إلا الله.. واللي بيعمل حاجة غلط بيخاف    وكيله: الأزمة المالية للزمالك أثرت على سيف الجزيري    34 شركة خاصة تفتح باب التوظيف برواتب مجزية.. بيان رسمي لوزارة العمل    ارتفاع أسعار الدواجن اليوم الأربعاء بالأسواق (موقع رسمي)    "المنبر الثابت".. 60 ندوة علمية بأوقاف سوهاج حول "عناية الإسلام بالمرأة"    اللجنة العامة ببني سويف تستقبل إجراءات الحصر العددي للجان الفرعية -فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حجرتان وصالة:فتنة إبراهيم أصلان!
نشر في أخبار الأدب يوم 03 - 09 - 2011

يمكنك المفاضلة بين أن تقرأ مجموعة إبراهيم أصلان الجديدة "حجرتان وصالة" وبين ألا تقرأها، لكنك بعد أن تنهي قصصها الثماني والعشرين لن يمكنك المفاضلة بين أن تُفتن بها وبين ألا تُفتن بها. سوف تستحيل المفاضلة ولن يبقي بمقدورك إلا الافتتان.
إبراهيم أصلان الذي لم ينشر منذ كتابه الأول "بحيرة المساء" عام 1971 غير تسعة كتب، يفاجئنا بكتاب من طراز فريد، هو يسميه "متتالية منزلية" وهي نصوص سردية قصصية مزيج من الموسيقي والرواية، فالشجن الذي يصنع دراميتها يجعلك تنصت لموسيقاها بينما تلتهم فصولها أو مقاطعها الموسيقية الشجية والحزينة في الوقت نفسه. ثمان وعشرون قصة عن الزمن الذي يمضي بلا رثاء.
حجرتان وصالة
"حجرتان وصالة" ليس عنوانها فحسب بل عالمها أيضا، ما يطرح بعدين لتشكيل الفضاء، أولا هي حجرتان وصالة علامة علي الفضاء الاجتماعي للأسرة المتوسطة في مصر، وثانيا هي حجرتان وصالة لأن العالم الذي يخص الأستاذ خليل بهذا الضيق. العالم الذي يخص الأستاذ خليل وزوجته الحاجة إحسان ليس أكثر من حجرتين وصالة لأن عالمنا نحن أيضا ليس أكثر من حجرتين وصالة ما أن نملأهم بضجيجنا حتي نمضي في طريقنا مخلفين بقايا طعام وبقايا صخب وبقايا مشاعر لم تكتمل، وبقايا أسئلة لم يجب عنها أحد، لأنه ليس بمقدور أحد الإجابة عنها.
يتشكل الفضاء الذي تقع فيه الشقة بحجرتيها وصالتها في البداية فقط، قبل أن تسارع في الانغلاق، لهذا لن نعرف غير أن الشقة "كانت تطل علي جزيرة مزروعة بكمية من الأشجار العالية، حولها رصيف بيضاوي كبير"، أي أن المجموعة تبدأ ببانورما للشقة من الخارج قبل أن نبدأ في التعرف عليها من الداخل، وقبل أن نعرف أن ثمة مقعد كبير إلي يسارك وأنت داخل وثمة مقعد كبير علي يمينك وأنت داخل، وقبل أن نعرف أن ثمة تليفزيون ملاصق للجدار الأيمن. لهذا فإن حارس العمارة هو من يقابلنا أولا قبل ساكني الشقة، رغم أنه يرحل سريعا وبشكل مفاجئ مثلما ظهر بشكل مفاجئ، ككل شيء في هذه القصص. وليس قبل موت إحسان يمكننا معرفة الفضاء الذي يتحرك فيه خليل. خليل الذي يظل تقريبا في مكانه المفضل أمام التليفزيون لا يقوم إلا قليلا، لن يغادر فضاء الحجرتين والصالة إلا بعد موت إحسان، لهذا فإن الفضاء سوف يمتد للمقهي ولشقة عبد العال، وحتي للشقة القديمة التي كانت أيضا حجرتان وصالة. ورغم ذلك فإن هذا الامتداد لن يعني أكثر من أن الحجرتين والصالة قد تمددا قليلا فحسب، لأن خليل حتي وهو في المقهي أو يزور أحد أصدقائه سوف يحمل معه حجرتيه وصالته كصليب. ولن يحملهم معه إلا وفي القلب منهم الحاجة إحسان.
تبدأ المجموعة بعد أن أحيل خليل إلي التقاعد، فتحول إلي كائن يعيش في مربع صغير صامت وخالي تقريبا.. كائن يعيش في مربع صغير ليس في معية زوجته ولكن أيضا في رعايتها.
الزوجة احسان التي تملك حضورا طاغيا رغم غيابها، حتي قبل أن يُغيبها الموت، ابراهيم يشرب زجاجة المياة كلها ثم يضعها علي الطاولة حتي تقوم الحاجة وتملأها، رغم أنها الآن وربما طوال الوقت تكون نائمة ومغطاة تماما حتي أنها لا تنسي أن تضع المخدة فوق رأسها. الحاجة إحسان التي سوف تموت دون أن تعرف أين ذهب الطبق أبو ورد، ودون أن تعرف أن الجرس الذي سمعته يرن في سكون الصالة لم يكن إلا جرسا متخيلا في فيلم أبيض وأسود، لهذا فإن خليل حين يصر في جنازتها أن يحكي لمن يجالسه أنه ذهب ليخبرها "من باب الهزار يعني" أن عباس فارس سمعها وذهب ليرد علي التليفون، يبدو كما لو كان يقدم اعتذارا فات ميعاده. وهي الحكاية التي سيظل يحكيها حتي الأربعين كما لو كان بحكايتها يحاول استعادة اللحظة علّه يُغير مجري الزمن. لهذا أظن أن بطل هذه المتتالية هي الحاجة إحسان أكثر من خليل رغم أن الموت يغيبها في القصة التي تحمل رقم (12) والمعنونة ب "أبيض وأسود".
طاقم الأسنان
في ظني أن المعني الحقيقي لهذه المتتالية ينغرز في هذه القصة، لأنها القصة التي تسجل مضي الزمن علي نحو رائع، العبارات التي يطلقها ابن خليل وصديقه تبدو كما لو كانت مقتطعة من كوميديا سوداء لدورنمات، لأنها بقدر ما بها من تفكه بقدر ما نشتم فيها رائحة المرثيات، فحين يقول الابن مازحا "أيوة يا عم بكرة تقزقز لب وتعض ومحدش يعرف يكلمك" كما لو كان يعلن عن مفتتح لمرحلة جديدة من القدرة علي الفعل فإنه أيضا يبدو كما لو كان يعلن نهاية مرحلة من الحياة ببساطة، وأنها إن كانت مفتتح لمرحلة علي نحو ما فإنها مرحلة تجعل من الزمن المتبقي يتسارع نحو فنائه. هذه الكوميديا السوداء تشي بكونها مرثية للزمن الذي ما أن يرحل حتي تصبح استعادته مستحيلة، لهذا فإننا سوف نري خليل وهو يقلب في صوره القديمة، فنشعر بالأسي معه علي العمر الذي ينقضي مسرعا، وعلي حياتنا التي لن يبق منها غير مجموعة من الصور القديمة التي سوف يمر وقت قبل أن يعني لأحد أن يقلب فيها.
ولهذا فإن الافتتان الذي سوف يسرقك لن يكون باعثه فحسب هذه التفاصيل المدهشة ولا اللغة المقتصدة الفنية ولكن أيضا القدرة علي صنع صورة تكاد تشف عن المعاني حتي ولو لم تجد ما يقال، هناك مشهدية بالغة الروعة، فصورة خروج إحسان من البلكونة بينما تنزلق الستارة خلفها، أو صورة إبراهيم الواقف يكلم إحسان بينما يظل مراقبا لصورته في المرآة التي لا تظهر فيها قدماه لا يمكن نسيانها، فضلا عن مشهد الأبيض والأسود الذي أحسبه من أجمل المشاهد المكتوبة في تاريخ الأدب العربي. لهذا فإن متتالية "حجرتان وصالة" هي مرثية للزمن الذي ليس أكثر من "صور قديمة".
ومع هذا فإن أصلان لا يتركنا فريسة لهذه المرثية قبل أن يدلل علي روعة الحياة وجمالها، ليست مصادفة طبعا أن تنتهي المجموعة أو المتتالية بقصة بعنوان "أول النهار" كما لو كانت الحياة حتي في نهايتها يمكنها أن تتجدد، فها هو منصور "بتاع الفول" ما أن يري "كوبة الألومنيوم" التي تخص الأستاذ خليل حتي يسارع بنفسه إلي شقة خليل "الحمد لله إنك بخير يا أستاذ.. عُمر يا أستاذ.. بس أنا عرفت الكباية أول ما شفتها".. هذا الدفء الذي يرن في صوت منصور هو ما يمنح الحياة روعتها رغم كل شيء، حتي أننا لنتوقع من خليل ابتسامة فرحة بينما يغلق الباب، ابتسامة رغم أنها لم تظهر فإن معرفتنا بخليل تُرجح أننا نكون في توقعنا علي حق!.
حاتم حافظ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.