هل يحق للكاتب أن يغير أو يعدّل بالحذف أو الإضافة في عمله بعد الطبعة الأولي؟ أم أن الطبعة الأولي من كتاب تعتبر مقدسة ولا يصح المساس بها؟ السؤال الموجّه إلي كُتّاب مصريين أثاره مؤخراً خبر عن قيام الكاتب الإيطالي الشهير أومبيرتو إيكو بتغييرات أساسية في روايته الأشهر "اسم الوردة"، خصوصاً علي مستوي اللغة. الروائي حمدي أبو جليل قال إنه يؤيد أن يعمل الكاتب علي العمل حتي بعد طبعته الأولي كما يشاء. يقول أبو جليل:" تضم مجموعتي الأخيرة "طي الخيام" عدداً من القصص المنشورة من قبل في مجموعتيّ "أسراب النمل" و"أشياء مطوية بعناية فائقة". ويضيف:"اشتغلت علي بعض قصص المجموعتين من جديد حد التشذيب، فحسنتُ في البنية واللغة، واستبعدتُ بعض القصص تماماً". أبو جليل لم يغيّر في القصص فقط، بل أيضاً في رواية "الفاعل"، يقول:"أعلم أن الكاتب يتجنب الحديث في ذلك الأمر، لكن إذا كان ذلك متاحاً فلما لا؟ ففي طبعة "الفاعل" الجديدة والصادرة عن دار الساقي قمت بإضافة فصل كامل". الروائي أحمد أبو خنيجر يتحفظ علي إحداث تغييرات في العمل، ويري أن الكاتب يجب أن يحتفظ بعمله كما هو لأنه تسجيل لمرحلة في عمر كتابة الكاتب، ويقول:"من حق المخرج السينمائي أن يغير في فيلم تم عرضه من قبل، غير أن الأمر يختلف مع الكاتب". يحكي تجربته الخاصة فيقول:" نشرت مجموعتي الأولي عام 95، وفي عام 2003 كتبتها علي الكمبيوتر لأحتفظ بها، دون أي أغير فيها كلمة رغم تحفظاتي علي بعض الأشياء بها". ويضيف أبو خنيجر:"أري أن تدخلات الكاتب في الطبعة الجديدة يجب أن تتوقف عند الأخطاء اللغوية والنحوية أو تصحيح معلومة تخل بمنطقية الحكاية، مثل خلل في الوصف أو في أعمار الأبطال". أبو خنيجر يري أيضاً أن:"المجهود الذي سأبذله في إعادة كتابة عمل تم نشره بالفعل، من الأفضل أن أبذله في كتاب جديد". الروائي حامد عبد الصمد أضاف فصلاً عند ترجمة روايته "وداعاً ايتها السماء" إلي الألمانية. يقول عبد الصمد:"الرواية كما الهوية ليست بناءً مغلقا لا يقبل التعديل بل هي سائلة مثل النهر تتغير مياؤه ولا يتغير اسمه". ويضيف: "الرواية هي الحياة، والروائي حين يكتب يكون في حالة تفاوض مع نفسه ومع الحياة، وحين يعيد النظر فيما كتبه يضيف أشياءً ويحذف أخري، فإذا كان الكاتب يعدل ويغير في عمله قبل النشر فلا مانع من التعديل بعد النشر". وعلّق علي إضافة فصل في الترجمة الألمانية قائلاً: "عدلت بعض الأجزاء في روايتي ليس لأن ذائقة القارئ الألماني تختلف عن المصري، بل لأن الترجمة جاءت بعد عام من الطبعة العربية، وكانت مياه أخري جديدة سالت في نهري". أما الكاتب طارق الطيب فيتفق مع أحمد أبو خنيجر، ويقول: "من حق الكاتب أن يغيّر في الطبعات التالية من الرواية ثلاثة أشياء: الأخطاء النحوية التي شابت الطبعة السابقة، ثم الأخطاء الطباعية إن وجِدَت، وأخيرًا الأخطاء المنطقية التي لم يقصدها الكاتب أو سها عنها". ويضيف: "غير ذلك لا أراه منطقيًّا؛ فحذف فصل أو إضافة فصل شيء غير مرغوب فيه، فهو يغير بذلك من مسار العمل الأصلي تمامًا، ومن تسجيليته لمرحلة معينة في عمر الكاتب وزمن الكتابة؛ فكل عمل أدبي مطبوع هو تاريخي وتسجيلي بالنشر، رغم اعتماد الأدب علي الخيال". الأمر يختلف في رأي الطيب بالنسبة للشعر والقصة، يقول:" يمكن أن يحدث ذلك في القصة أو الشعر في حدود، فإن كانت المجموعة القصصية لا ترتبط في خط واحد أو ما يشبه سلسلة متصاعدة أو مركَّبة، ففي ظني إن هذا جائز. كذلك في حال الدواوين الشعرية ذات القصائد المفردة التي تعبر كل قصيدة عن حالة مكتملة بذاتها. هنا أري- أيضًا في أحيان قليلة ونادرة- إنه يمكن للقاص أن يحذف قصة أو أكثر لكن لا يضيف، وعليه في هذه الحالة أن يشير للتغيير في المجموعة القصصية، كذا أمر الشاعر في الديوان، وعلي الكاتب أن يلجأ أصلاً لهذا التغيير أو الحذف في أضيق الحدود ولظروف فنية تستدعي ذلك". يعود الطيب للرواية من جديد ويضيف:"عمومًا- في حالة الرواية اضطرارًا- من الأفضل كتابة العمل من جديد وترك القديم كما هو، رغم عدم اقتناعي التام حاليًا بهذا، وأفضِّل في حال تغيير أصل العمل الأدبي أن يتم تغيير العنوان مع وضع العنوان القديم كعنوان فرعي مثلاً، مع الإشارة الواضحة قبل القراءة لما قام به المؤلف من تغييرات، بشكل عام، تمس العمل". ويتفق الروائي طارق إمام مع حمدي أبو جليل، فيقول:"فكرت دائما أن "الطبعة الثانية" هي الفرصة العظيمة التي نهدرها، نعتبرها دليلا علي جدارة الطبعة الأولي بأن تظل تتكرر إلي مالا نهاية، ولا نفكر في أنها، علي العكس، فرصة لمساءلة هذه الطبعة. وأفكر أيضا أحيانا: لماذا لا تكون الطبعة الثانية والثالثة في الكتاب كنظيرتها في الصحيفة؟ تشهد تغييرات محدودة، لكن ربما تكون ضرورية، بحيث يبقي الهيكل الرئيسي للتجربة قائما، وبحيث لا تصادر علي التجربة الجديدة القادمة ( مثل عدد الغد من الصحيفة) والتي من حقها في النهاية أن تولد، ماذا لو قال الكاتب لقارئ أو ناقد: نعم .. هناك بعض الملاحظات الجيدة سأضعها في اعتباري في الطبعة الثانية؟.. بالتأكيد هذا لا يحدث، أقصي أمل لك أن تتفادي عيوبك فيما هو قادم.. أعتقد أن جزءا من المسألة له علاقة بالنوستالجيا، بتقديس الماضي، بدليل أننا نكون أكثر تسامحا إزاء ملاحظات تخص مخطوطا لم يصدر، بينما نقاتل للدفاع عن طفلنا الذي ولد، وكأن تشوهاته إرادة إلهية وليست من صنع أيدينا" يضيف إمام :"الوضع في الرواية مختلف نوعا ما عن الشعر، أعتقد أن الرواية تحتمل ذلك، تتسع له بشكل ما، القصيدة يمكن أن تكون لحظة، دفقة خلقتها لحظة.. لكن الرواية لا.. وهناك روائيون كثيرون في الغرب عدلوا في روايات لهم، حتي في نهاياتها.. وبشكل شخصي، أنوي في الطبعات القادمة من رواياتي تحديدا إضفاء بعض التعديلات، ليست كثيرة لكني أري بعضها ضروريا.. خصوصا أنني عندما أعود لبعض المخطوطات الأولي لبعض أعمالي أجد أشياء أهملتها في حينها وأفاجأ الآن بأنني أري استبعادها كان قاسيا.. وعودتها ضرورية.. قد تكون عبارات، أو مقاطع، وكذلك هناك بعض الأشياء يمكن أن تستبعد". ويستنكر إمام التعامل مع الكتاب باعتباره مقدساً فيقول:" ليتنا نتعامل مع الكتب كمخطوطات، الكتاب ليس أكثر قداسة من المخطوط، فقط نحتاج إلي بعض الجرأة، إلي سياق يمنح ذلك شرعية، ويجعله عاديا وليس ضربا من الجنون". الروائي إبراهيم فرغلي من أكثر الكُتّاب الذين عدّلوا في نصوصهم ، يقول فرغلي:"منذ شرعت في كتابة أبناء الجبلاوي وأنا أفكر في فكرتين أساسيتين، الأولي تتعلق بمصائر الشخصيات الروائية: فكرة خلود الشخصية الروائية كما يتم تصويرها في النص الروائي، فهي تظل خالدة وحية، في سن شابة أو صغيرة طالما صورها الروائي علي هذا النحو. والفكرة الثانية تتعلق بالطريقة التي نتعامل بها كأدباء مع النص بوصفه نصاً مقدساً لا يمكن تعديله، وهذا إرث ثقافي ربما تعود جذوره للصورة التي تشكلت عن الكاتب العارف بكل شيء في زمن كان النص يرويه عادة كاتب عليم بكل شيء. وفي مناخ يضفي فيه الكاتب، ولا يزال، علي نصه تلك النظرة المتكلفة في غياب تقاليد النشر الغربية التي تتيح لمن يعرف بالمحرر الأولوية في إجراء أي تعديل يراه مناسبا علي النص". يضيف فرغلي فيما يخص قدسية النص قائلاً:"شخصياً لا أجد غضاضة في التعامل بمرونة مع النصوص باعتبارها كائنات حية وليست مجرد نصوص مصمتة، يمكن التعديل فيها والإضافة إليها ، وهو ما فعلته في " كهف الفراشات" حين أصدرت الطبعة الثانية منها مختلفة في العديد من التفاصيل عن الطبعة الأولي. كما أجريت تعديلات أخري في الطبعة الثانية من "أبناء الجبلاوي". فأنا أعتقد أن النص الذي يكتبه الكاتب هو مجموعة تنويعات علي منظومة إبداعية وفكرية تخصه كما نري عند دوستوفسكي مثلا في امتدادات شخوصه في أعمال متفرقة، يمكن أن نري أجزاء منها في "قبوي" وفي"الجريمة والعقاب" مثلا، أو عند بروست أو غيرهما من الكتاب". ويبرر فرغلي فكرة التغييرات علي الطبعة الأولي قائلاً: "الفكرة السردية في ظني أيضا تتوقف علي رؤية الحدث والنفس البشرية بأكثر من وجهة نظر، وهو ما حاولت تقديمه في أشباه الحواس وأعتقد أن الشخصية الروائية نفسها تحتمل أن تتم رؤيتها من أكثر من وجهة نظر، لذلك لا أستغرب أن يقوم أومبرتو ايكو بإجراء تعديلات في الطبعة الجديدة من " اسم الوردة" فهذا حق من حقوق الشخصيات الروائية والنصوص السردية.