»والدي هو أول راوي حكايات في حياتي"، هذا ما قاله الكاتب البريطاني هندي الاصل سلمان رشدي، في الحوار الذي أجرته معه صحيفة الأوبزرفر البريطانية بمناسبة نشر روايته الاخيرة " لوكا ونار الحياة "، تحدث رشدي عن احلامه بوالده وزواجه، وفتوي الخميني باهدار دمه في ثمانينيات القرن الماضي، وعن رأيه في مقتل اسامة بن لادن زعيم القاعدة، وعن ثورات الربيع العربي أيضاً. أهديت روايتك الأخيرة "لوكا ونار الحياة" إلي أصغر أبنائك (ميلان) الذي يبلغ أربعة عشر عاماً، وهي تتمة لرواية "هارون وبحر القصص" والتي كتبتها لأبنك الاكبر (زفار) الذي يبلغ الآن 31 عاماً. وعندما كانت حياتك مهددة بفتوي الخميني كتبت الكثير عن والديك وابنائك .... - حسنا ، لقد تغيرت الاشياء عندما كتبت "أطفال منتصف الليل " و"الآيات الشيطانية " فلقد كتبتها من وجهة نظر طفل يعجب بوالده، أما في "هارون وبحر القصص " فقد كنت أنا الأب بدلاً من الطفل . هل كان والدك راوي حكايات؟ - لم يتخذها مهنة، لكنه كان يروي لنا ونحن أطفال قصصاً رائعة . من يقرأ هذين الكتابين (أطفال منتصف الليل والآيات الشيطانية) يعتقد أن شخصية " رشيد " هي أنا، لكن الحقيقة انني استلهمتها من والدي، وهو أول راوي حكايات في حياتي. العديد من القصص الهندية القديمة والعجيبة سمعتها للمرة الأولي من والدي، الذي كان يتقن اللغتين العربية والفارسية، ولذلك فقد استطاع القراءة والترجمة من مصادرهما الأصلية. هل تسمع صوته عندما تكتب ؟ - ليس كثيراً في الآونة الآخيرة. لكنه يأتيني في أحلامي، غالباً كناقد حاد لأعمالي، ورغم ذلك يكون أكثر لطفاً وتفهماً عن طبيعته في الحياة . بعد فتوي الخميني ضدك . كتبت شيئاً عن كونك تعيش في عالم من المرايا، حيث تصبح الأشياء بعيدة الاحتمال أمراً واقعياً. هل كتبت مذكراتك عن تلك الفترة ؟ - عالم من المرايا.. من المحتمل أن يكون أكثر متعة مما كنت أعيشه. نعم كنت منغمساً في هذه الأشياء، بصورة عامة كانت عن الفترة التي بدأت فيها كتابة "الآيات الشيطانية" في أواخر عام 1984، حتي انتهاء فترة حماية الشرطة في اوائل عام 2002 . هل كنت تعرف في ذلك الوقت بما يجري في العالم الخارجي ؟ - لا. لم أعتد الاحتفاظ بالصحف اليومية حتي بدأت تلك المتاعب، لكن بعد ذلك كانت هناك أحداث كثيرة كنت أعرف أنني لن أتذكرها ما لم أدونها. كذلك هناك جامعة في الولاياتالمتحدة اسمها "أموري" احتفظت فيها بكل ما كتبته عن تلك الفترة واستطيع استرجاعه بسهولة . تقيم لفترة طويلة في نيويورك ، ما المكان الذي تعتبره وطناً؟ - عندي مفاهيم متعددة للوطن ولست مضطراً للمفاضلة بينهم، فعندما أذهب إلي بومباي أشعر كأنني عائد للوطن. بينما لندن هي المكان الذي عشت فيه فترة أطول من أي مكان آخر وأولادي وشقيقتي يعيشون هناك، وأشعر أنني في وطني عندما أكون في نيويورك، وهي مكان جيد للكتابة، والناس يعملون بجد هناك وتشعر أنك انسان فاشل اذا لم تكسب الكثير من المال . لست متزوجاً حالياً، لكنك قضيت فترة طويلة متزوجاً. أيهما تفضل أن تكون ؟ - حسناً. أنا غير متزوج منذ أربع سنوات ونصف وذلك أمر جيد. يقول الناس عني أنني مريض بالرومانسية، لكنني ربما شفيت منها أخيراً، وأعتقد ان أولادي سوف يثبتون أقدامي بمسامير في الارض اذا تزوجت مرة اخري . هل تعتبر نفسك ملحداً؟ - بالطبع . دائما كنت أعتقد ان الأديان هراء وكذلك كان أبي. كانت مظاهر التدين الوحيدة في منزلنا أن أمي كانت تكره لحم الخنزير. لم أتناول لحم الخنازير أبداً حتي التحقت بمدرسة حكومية في انجلترا وتناولت سندوتش لحم الخنزير المملح . لكن دائما لديك إيمان بالروايات ؟ - هذه مهنتي. أعني إذا كنت تعمل نجاراً يجب ان يكون لديك إيمان بالنجارة. ألم تقم أبداً باعادة قراءة الآيات الشيطانية؟ - لا لم أفعل أبداً. عندما كتبت تلك الرواية اعتقدت أنها من أقل الروايات المسيسة التي كتبتها علي الاطلاق. اعتقدت أنه كتاب عن الهجرة، عن اختبار النفس، ومن الأشياء التي تسترعي انتباهي الآن، إذا ذهبت لإلقاء محاضرات في الجامعات، فإن الطلاب سوف يكونون بالكاد مولودين عندما نشرت الرواية، وستصبح تاريخاً قديماً بالنسبة لهم، لذلك سوف يبدأون قراءتها مرة أخري، وهذا شيء عظيم . ما رأيك في مقتل أسامة بن لادن ؟ - أعتقد أنه خبر سار، وقد لفت انتباهي أنه كان يستمتع بالنظر الي الصور الإباحية ومشاهدة نفسه علي شاشات التليفزيون، يبدو أنه كان أحمق ومقتله أفضل للجميع. أكثر ما كشفت عنه ثورات الربيع العربي هو أن تنظيم القاعدة ليس له علاقة بما يجري في الشارع العربي، كذلك أثبتت أن النظرة السائدة في الغرب بأن هناك معايير مختلفة تحكم النظرة إلي الدول الاسلامية ما هو إلا هراء، فما تشهده المنطقة العربية ليس ثورات فكرية أو دينية ولكنها مطالب بالحرية وايجاد فرص عمل وحقوق الانسان، وهي المطالب الاساسية لجميع البشر . أتذكر أنك كتبت ذات مرة: "الحياة تخبرنا من نحن"، وقد كتبت مذكراتك مؤخراً، هل اندهشت بما اكتشفته عن نفسك؟ - قطعاً. في سنوات مثل تلك التي نعيشها تكتشف كل مواطن ضعفك وقوتك وتكتب عنها. ويجب عليك أن تكون صادقاً للغاية مع نفسك. مذكراتي طويلة للغاية، تقع في 600 صفحة، أعتقد أن بها الكثير لأكتشفه .