د.رضوى عاشور قد يكون السؤال حول موضوع المقاطعة الآن حسن النية، مصدره رغبة السائل في مزيد من المعرفة، ولكنه في الغالب الأعم علي ما أعتقد، سؤال مصدره الرغبة في الالتفاف علي موقف من المواقف القليلة التي نجحت القوي الشعبية في الإجماع عليه وترجمته فعلاً علي أرض الواقع. والغريب أن بعض الأصوات التي تشكك الآن في جدوي المقاطعة تأتي علي خلفية تبني أوساط علمية وثقافية ونقابية في أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من القارات، لهذا الموقف. دعني ألخِّص لك موقفي في نقاط معدودة: 1- مقاطعة إسرائيل الذي نسمّيه رفض التطبيع، سلاح شعبي فعّال في مواجهة دولة احتلال وفصل عنصري تواصل منذ عقود أشكالا من العنف الوحشي، وتشنّ علينا حروبًا منتظمة، وتمارس سياسات استعمارية تهدد المنطقة كلها. (في السنوات العشر الأخيرة فقط: قمع الانتفاضة الثانية وسياسة الاغتيالات في فلسطين ولبنان، غزو لبنان في 2006، العدوان علي غزة 2008، التهديد بضرب سوريا، الحث علي ضرب إيران... إلخ.). وللمقاطعة شق رمزي يتمثل في رفض هذا الكيان الاستعماري وممارساته، وهو موقف أخلاقي وسياسي)، وشق عملي يحاصر إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا. 2- التعرّف علي العدو لا يتطلّب إقامة علاقة معه أو الاتصال به. لقد قامت عشرات المؤسسات البحثية والإعلامية والثقافية بهذه المهمة في الستينيات والسبعينيات، فعرّفت بالصهيونية ودرست المجتمع الإسرائيلي (مصلحة الاستعلامات في مصر، أقسام اللغة العبرية في الجامعات المصرية، مركز الدراسات الاستراتيجية في الأهرام، مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت كذلك، مجلة "شئون فلسطينية" ومجلة "الدراسات الفلسطينية"، علي سبيل أمثلة سريعة)، قامت هذه المؤسسات والمنابر بنشر المعارف حول الصراع العربي الإسرائلي والعدو الصهيوني دون التعامل مع الصهيونية أو إسرائيل. 3- إن السؤال: كيف ننشر كتبهم دون الحصول منهم علي حقوق النشر وتوقيع عقود معهم؟ (ولا أظنه سؤالا بريئا) مردود عليه لأن مئات الكتب التي تتناول الواقع الإسرائيلي منشورة في دور نشر أوروبية وأمريكية، ولأن نصوصًا بلا حصر متاحة مشاعًا علي الشبكات الإلكترونية. وورغم أنني بطبعي لا أميل للشك إلا أن طرح السؤال يثير الشك، لأنه يأتي ضمن سياق أكبر لأنواع من الالتفاف آخرها عرض المركز الثقافي الفرنسي في القاهرة فيلما إسرائيليًا. المقاطعة مكلِّفة لإسرائيل. هي تريد التطبيع بأي ثمن وأي شكل. تريد أن يكون وجودها غير الطبيعي في المنطقة عاديًا مقبولا حتي وهي تقصفنا بالقنابل، ولهذا فإنني أقول: علينا مواصلة موقفنا ودق الأجراس بقوة لأي مثقف يكسر إجماعنا علي المقاطعة ، ونقول له بوضوح: لحساب من؟ من المستفيد؟ رضوي عاشور طلبت الروائية الدكتورة رضوي عاشور الرد علي أسئلة "أخبار الأدب" كتابة، وننشر شهادتها في برواز خاص استجابة لرغبتها في الدقة.