10 سنوات منذ سقوط الجسد جثة هامدة من بناية (ستيوارت تاور) بمدينة لندن.. حتي محاولات التحرُّش الجماعي بمذيعة قناة (سي. تي. في) الفضائية القبطية، وحتي صرخة شريهان في ميدان التحرير(الشعب يريد إسقاط النظام).. أبدت المرأة التي قامتْ بغسل الجسد دهشتها حين لم تجد نقطة دم واحدة تُغطّي الجسد.. هكذا صرخت شقيقتها (الجسد ميّت من قبل)!! جسدها الميت من قبل.. الميت بعد ارتطامه.. الميت قبل ارتطامه.. الميت دائماً، صورة ساطعة لتاريخ طويل من القهر والعنف والانتهاك والامتهان للجسد.. صورة لعربدة سُلطوية سياسية واجتماعية وثقافية، طبعتْ بصماتها علي الأجساد العربية نساء ورجالاً.. 10 سنوات علي رحيل سعاد حسني. جسد ممدود، ومهان، مقتول دون قطرة دم واحدة في شوارع لندن.. السقوط من برج ستيوارت أو (برج الانتحار) كما يُسمي من فرط الأجساد المتهاوية منه!! السقوط من الطابق السادس ليس أول القتل، وليس أول الجريمة.. امتهان الجسد تاريخ طويل من الظلم والعنف والقهر.. في أوائل الستينيات قام صفوت الشريف (مسؤول الاتصال بجهاز المخابرت في تلك الفترة، بتجنيد سعاد حسني فيما يُسمي بعمليات الكنترول) هكذا تم استخدام الجسد وانتهاكه، من مؤتمرات القمة العربية حتي حسني مبارك شخصياً.. اعتداءات جسديّة ممتدة حتي قتلها (يقيناً) حين فكّرتْ في كتابة مذكراتها، وفضح كل هذا العفن.. كان لا بد من إخماد الجسد إلي الأبد، والحيلولة دون بوحه وإطلاق صراخه.. الجسد ميت من قبل، والجسد ميت من بعد ولا يزال.. فالناشطة والعضو السابق في مجلس الأمة الكويتي (سلوي المطيري) لم تخجلْ وهي تجاهر قبل أيام، مطالبةً بسنّ قانون يبيح امتلاك الجواري حمايةً لرجال الأمّة من الفساد!! ولأنّها تعلم أن القهر نتاج بنية فكرية وثقافية بالضرورة.. فقد أسست لدعوتها بالاستعانة برجال الدين. أكّد لها أحدهم (أن الدين حلل امتلاك الجواري شرط أن يكنّ سبايا غزو دول إسلامية لدول غير إسلامية).. المطيري اقترحت بناء علي هذه الفتوي استقدام جوارٍ من سبايا الروس لدي الشيشان!! وقبل المطيري بأيام كان الشيخ المصري (أبو إسحق الحويني) يكرر الدعوة نفسها مطالباً (بضرورة العودة إلي نظام الرقّ والاستعباد، واتخاذ الجواري والسبايا) حلاً للمشاكل الاقتصادية والقهر!! 10 سنوات علي رحيل سعاد حسني. أيقونة للجسد المهزوم وأيقونة أيضاً للروح المنتصرة.. عمر من الإبداع هو عمر من تحرير الروح والنفس والخروج من وحل الهزيمة.. كانت صرخة شريهان مدوية وموجعة.. صرخة محمّلة بتاريخ الأجساد المهزومة والمقهورة (الشعب يريد إسقاط النظام).. ليست صرخة سياسية، وليس إسقاط الرئيس وحكومته.. الأهم والأكثر جذرية إسقاط الأسس الفكرية والثقافية لأنظمة القهر والعبودية، وعندئذ يمكن الحديث عن استكمال الثورة.