"..ساعة الحظر متتعوضش.." كلما قلتها ضحك أصدقائي، وكنت أظن أنّ هذه هي المشاعر الطبيعية.. أعرف طبعاً أنّ التربية العاطفية ربما تُفسد الطبيعة.. وأعرف ما تفعله ماكينات الترويض.. العمومية. إنها تمتصّ العصير من البرتقالة لتتحول إلي برتقالة بلاستيك، تشبه البرتقال، لكنها ليست إلا "برتقالة آلية.." كما أسميناها في فيلم ستانلي كوبريك . ماكينات محترفة في صناعة قطيع من"الآليين" منزوع منهم حق الاختيار، يسيرون وفق كتالوج من القيم والأخلاق والمشاعر يجعلهم مثلاً يخافون من قرار إنهاء حظر التجول، لأن هذا يعني أنه سيكون أمامهم الاختيار، وهم اعتادوا علي الخضوع للأوامر والتعليمات. كوبريك حكي عملية تحويل "أليكس" من زعيم عصابة ليلية إلي مواطن طيب يكره العنف، عبر ماكينات ترويضه في السجن، أفقدته "حق الاختيار". هل تغيّر الشاب المتمرد.. أم أنّ إرادته سُلبت ولم يعد أمامه إلا السير في "الطريق الصحيح" من وجهة نظر المروِّض؟ سيشعر هؤلاء بالأمان في ظلّ حظر التجول، لأنه قرار بمنع الاختيار، والسير حسب تعليمات سُلطة عليا، خبيرة في برمجة البشر داخل مصانع عملاقة، لها أفرع في كل مدرسة وبيت لكن معرضها الرئيسي في التليفزيون، مُروِّض الشعوب الأول . التربية هنا هي نزع حرية الاختيار، وتصنيع شخص لا يختار الأخلاق الرشيدة لكنها تُفرض عليه، لا يتحمّل مسئولية أفعاله، لكنه يسير حسب خط سير القطيع. لا عواطف شخصية ولا حق في الاختيار، ميزة الإنسان الأُولي، لهذا يرفض البعض إلغاء الحظر، كما يحبُّون الرقابة، ويبكون عندما يظهر مبارك في خطابه العاطفي الذي يلغي به كل إمكانية للتفكير، ويوقظ التربية الآلية، فالرجل الكبير يكاد يبكي، وهذا يكفي.. لا أحد يُفكر في استبداده، ولا فساده، المهم أنها صورة تثير الشجن، وتحرِّك العواطف الآلية، والديكتاتور يعرف مفاتيح الترويض. العواطف جاهزة، والدموع مُبتذلة تتحرك كأنها مكتوبة في نصٍّ لا يراه صاحب الدموع، لكنه نصُّ مكتوب من زمن طويل، تستجيب فيه العواطف إلي إكليشيهات محفوظة وجاهزة وتُعاد كأنها سرّ الكون. كتالوج ترويض لا يفكر الملتزمون به مرة واحدة في أنهم محرومون من الاختيار، وكل محروم من الاختيار، هو عبد يسير في طريق واحد، منزوع منه روح التمرد، وممنوع عليه التفكير فيما يراه. كيف يمكن البكاء علي ديكتاتور قتل وسرق؟ وكيف يمكن إجبار زوجة علي الحياة مع زوج لا تحبه فقط لكي تُحافظ علي صورة العائلة؟ وكيف يمكن إجبار شاب علي دراسة لا يجد هواه فيها لأنها ستحقق أحلام أبيه؟ هل الأمان في الحظر أمان؟ وهل الأخلاق عندما تكون مفروضة بكتالوج العواطف الجاهزة أخلاق؟ ..وبالطبع " ساعة الحظر متتعوضش.." لأنها ساعة التمرد علي قوانين البرتقالة الآلية.