دينو بوتزاتي، يعتبر من أهم كتاب القصة في إيطاليا والعالم.. تعرّف إليه القارئ المصري في ستينيات القرن العشرين، عندما نشرت دار الكتاب الجديد بالقاهرة أهم رواياته "صحراء التتار"، من ترجمة موسي بدوي.. وحازت الرواية اهتماما كبيرا في مصر والعالم العربي، بعد النجاح الكبير الذي حققته في إيطاليا وأوربا؛ لما عكسته من رؤية كونية للواقع كاشفة عن أسرار الحياة والموت.. لكن بوتزاتي عاد بصخب إلي المشهد الثقافي المصري عام 1982م عبر عدد من قصصه، ترجمها من الإيطالية مباشرة الدكتور حسن رفعت فرغل (وليس حسين فرغل كما ظهر علي غلاف الترجمة العربية الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب)، ولم تكد مجموعة "من قَصَص دينو بوتزاتي" تصدر، حتي ثار الغبار ولم يهدأ إلا بعد "حظر" الكتاب؛ بسبب قصتين في المجموعة، إحداهما عنوانها: "الكلب الذي رأي الله"، والأخري: "القديسون". وأثني الدكتور فرغل، الذي حرصنا علي استقباله في "أخبار الأدب" أثناء الإعداد لنشر هذا الملف، علي الجهد الذي قام به الأديب حسين عيد في ترجمة قصص بوتزاتي عن الإنجليزية. وتحدث فرغل عن سر براعة بوتزاتي، الذي يتميز أسلوبه ببساطة متعبة؛ فهو يكتب مثلما يتكلم الإيطاليون في تعاملاتهم اليومية.. ويتناول قضايا عميقة تبدو كما لو كانت عادية؛ لأنها تمر علينا، أو نمر عليها يوميا. ودينو بوتزاتي، ولد يوم 16 من أكتوبر عام 1906م في سان بلجرينو بإيطاليا، لأب يعمل أستاذا للقانون الدولي، وربما كان ذلك وراء دراسة بوتزاتي للحقوق بجامعة ميلانو.. لكنه سرعان ما سار في طريقه الطبيعي، حين عمل في صحيفة "كورييري ديلا سيرا"، واستمر بها حتي وفاته.. وأثرت خلفيته الصحفية في كتاباته، فأمدت إبداعاته بهالة من الواقعية السحرية.. وبوتزاتي نفسه رصد هذا التأثير حين قال: يبدو لي أن الخيال يجب أن يكون قريبا قدر الإمكان من الصحافة. الكلمة الصحيحة ليست افتقادا للأصالة علي الرغم من أن الواقع ينطوي علي قليل من ذلك.. أعني أن فعالية قصة رائعة ستعتمد علي كيفية سردها بأبسط مفردات وأكثرها عملية. ولم تؤثر الصحافة في كتابات بوتزاتي فحسب، وإنما أتاحت له، أيضا، فرصة التفرغ للكتابة حتي أصدر عددا من الروايات والمجموعات القصصية والمسرحيات، حققت له مكانة مرموقة، وجلبت له شهرة واسعة.. حتي توفي يوم 28 من يناير 1972 في ميلانو، بعد رحلة طويلة مع السرطان. وتقدم "أخبار الأدب" في هذا العدد ترجمة خمس قصص لبوتزاتي، أربع منها نقلتها "جون تابر" من الإيطالية إلي الإنجليزية، والخامسة التي تحمل عنوان: "الكولومبر" ترجمها "لورانس فينيتي".. وتعكس جميعها رؤية كونية رحبة تتبدي من خلال استبصار حركة البشر وتتبع مصائرهم وسط دهاليز الحياة والموت.