اعتراضا على «رسوم التقاضي».. المحامون ينفذون قرار النقابة العامة بالإضراب عن حضور الجلسات أمام محاكم الجنايات    1700عام من الإيمان المشترك.. الكنائس الأرثوذكسية تجدد العهد في ذكرى مجمع نيقية    رئيس «الدلتا التكنولوجية»: بدء أعمال التصحيح فور انتهاء امتحان كل مادة    انفوجراف| أسعار الذهب مع بداية اليوم الأحد 18 مايو    ارتفاع أسعار الطيور بأسواق الإسكندرية.. والدجاج الأبيض ب120 جنيها للكيلو    "طلعت مصطفى" تدرس فرص توسع جديدة في الساحل والخليج وشمال أفريقيا    جذور أشجار السبب.. حل مشكلة ضعف المياه بقرية ميت أبو الكوم بالإسماعيلية    الحج السياحي 2025 | موافي: السبيل السليم للحج هو الطريق المعتمد لأداء المناسك    الإسكان تطرح كراسات شروط حجز 15ألف شقة بمشروع سكن لكل المصريين.. الأربعاء    رئيس مركز صدفا بأسيوط يتفقد أعمال الصرف الصحي بقريتي مجريس وبني فيز    «صحة غزة»: خروج جميع مستشفيات شمال القطاع عن الخدمة    بابا الفاتيكان ليو الرابع عشر يقوم بأول جولة بالسيارة البابوية    زيلنسكى ونائب ترامب وميلونى.. الآلاف يحضرون حفل تنصيب البابا لاون 14    وسائل إعلام إسرائيلية: نائب الرئيس الأمريكي قد يزور إسرائيل هذا الأسبوع    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 973 ألفا و730 فردا منذ بداية الحرب    الزمالك يعلن مقاطعة اجتماع رابطة الأندية لغياب الشفافية والعدل    آرسنال في مواجهة صعبة أمام نيوكاسل يونايتد    شوبير يحرج نجم الأهلي السابق ويكشف حقيقة تمرد رامي ربيعة    أرقام التواصل مع البعثة الطبية المصرية خلال موسم الحج 2025    رغم تنازل والدها.. «النقض» تؤيد حكم إعدام قاتلة والدتها «سيدة بورسعيد»    حبس المتهمين باستدراج شاب بواسطة سيدة وسرقته بالإكراه فى الحوامدية 4 أيام    إصابه 13 شخصا في حادث تصادم بالمنوفية    متحف الحضارة يستقبل وفدًا صينيًا ويستضيف معرض «ألف كوب»    حلقة «في حب عادل إمام» مع صاحبة السعادة الليلة    مهرجان المسرح العالمي يسدل الستار على فعاليات دورته الرابعة بإعلان الجوائز    رامي رضوان: نشر خطاب سعاد حسني لعبد الحليم حافظ خيانة    وزير الثقافة: افتتاح ثلاثة قصور ثقافة بأبوسمبل وأخميم وجاردن سيتي قريبًا    فيديو.. مصطفى الفقي ينفعل ويهدد بالانسحاب خلال لقاء مع قناة العربية: عملية استدراج.. أنتم السادة ونحن الفقراء    تشغيل أول مركز تخصصي متكامل لطب الأسنان بزهراء مدينة نصر    محافظ الدقهلية يجري زيارة مفاجئة إلى عيادة التأمين الصحي في جديلة    مصرع شخصين وإصابة 19 آخرين إثر اصطدام سفينة مكسيكية بجسر بروكلين    المدارس الثانوية تعلن تعليمات عقد امتحانات نهاية العام للصفين الأول والثاني الثانوي    إخماد حريق اشتعل داخل مطعم فى النزهة    سحب 944 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    في ذكرى ميلاده ال 123، محطات فى حياة الصحفي محمد التابعي.. رئاسة الجمهورية تحملت نفقات الجنازة    الرقية الشرعية لطرد النمل من المنزل في الصيف.. رددها الآن (فيديو)    الأزهر للفتوى: أضحية واحدة تكفي عن أهل البيت جميعًا مهما بلغ عددهم    متى تقام مباراة اتلتيكو مدريد ضد ريال بيتيس في الدوري الاسباني؟    بسبب نهائي أفريقيا.. بيراميدز يشكو من تعنت رابطة الأندية ومجاملة الأهلي    «الرعاية الصحية» تعلن اعتماد مجمع السويس الطبي وفق معايير GAHAR    تصميم الأطفال وراثيًا يهدد التوازن الإنساني.. الخشت يطلق جرس إنذار من الكويت بشأن تحرير الجينوم البشري    10 استخدامات مذهلة للملح، في تنظيف البيت    عاصفة ترابية تضرب الوادي الجديد.. والمحافظة ترفع درجة الاستعداد    مصطفى عسل يهزم علي فرج ويتوج ببطولة العالم للإسكواش    براتب 15 ألف جنيه.. «العمل» تعلن 21 وظيفة للشباب بالعاشر من رمضان    رئيس جامعة القاهرة: الجامعات الأهلية قادرة على تقديم برامج تعليمية حديثة.. ويجب استمرار دعمها    خطوة مهمة على طريق تجديد الخطاب الدينى قانون الفتوى الشرعية ينهى فوضى التضليل والتشدد    النسوية الإسلامية (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ): أم جميل.. زوجة أبو لهب! "126"    بدء التصويت فى الانتخابات الرئاسية ببولندا    أهداف السبت.. رباعية البايرن وثلاثية باريس سان جيرمان وانتصار الأهلى وبيراميدز في الدوري المصري    يمتلكون قدرة سحرية على إدراك الأمور.. 5 أبراج تجيد اتخاذ القرارات    استشهاد طفل فلسطيني وإصابة اثنين بجروح برصاص إسرائيلي شمال الضفة الغربية    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. في أول ظهور له.. حسام البدري يكشف تفاصيل عودته من ليبيا بعد احتجازه بسبب الاشتباكات.. عمرو أديب يعلق على فوز الأهلي القاتل أمام البنك    أسعار الأرز الشعير والأبيض «عريض ورفيع الحبة» اليوم الأحد 18 مايو في أسواق الشرقية    ما بين الحلويات.. و«الثقة العمومية»!    الأزهر: الإحسان للحيوانات والطيور وتوفير مكان ظليل في الحر له أجر وثواب    هزيمة 67 وعمرو موسى    حكم صيام الأيام الثمانية الأولى من ذي الحجة.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



»في الصيف السابع والستين« لإبراهيم عبدالمجيد:
قصة جيل بين جحيم النكسة وإشراقات الثورة
نشر في أخبار الأدب يوم 03 - 04 - 2011

تحمل رواية - في الصيف السابع والستين - للروائي والقاص المصري ابراهيم عبدالمجيد، الكثير من الأحداث والمواقف التي تتضمن عمقا يتوازن مع عمق الشخصية الانسانية التي يجري فيها الصراع بين الطبقة الفوقية المتمثلة بالبرجوازية الصغيرة والرأسمالية المحتكرة وصيادي الفرص ومكتسبي اللحظات آنذاك. المتعفنين الطفيليين الذين ينمون علي حساب الغير بأرخص الوسائل وأقل الأثمان.
وبين الفقر والحرمان والمساكين الذين لا يجدون لقمة تسد رمقهم، أو مكانا نظيفا بعيدا عن أيدي القذرين أولئك الذين ذكرناهم - أصحاب الانفتاح الاقتصادي الذي سهل لاسرائيل التحكم بمقدرات وقوت الشعب المصري - الأبي دائما - مصر العزيز وفرعون وموسي ويوسف. مصر المحروسة. أرض الفاطميين والقائد العربي الكبير عمرو بن العاص وصلاح الدين الأيوبي. أرض البطولات والشرف - أحمد عرابي وسعد زغلول ومحمد فريد - مهد الانسانية جمعاء - من هناك انطلقت الحملات لترد الصليبيين والتتار والاستعمار الفرنسي والبريطاني. عظمة بورسعيد وبورسودان وبورتوفيق والسويس. العبور العظيم لأناس عظماء. أناس عرفوا كيف يقارعون أعداءهم ويطاردونهم حتي أخرجوهم من البلاد، وثورة التحرير مؤخرا كيف تدنس هذه الأرض العظيمة وتطؤها أقدام الصهاينة، وهي ملتقي الديانات منذ أيام أزوريس وايزيس. كيف وهي تحوي (الأهرامات والغيطان والفطير المشلتت وباب اللوق والشعرية وبولاق وعابدين والحسين والست ومنارة الاسكندرية وواحات الصعيد والسلوم والنيل الكبير الذي يخترق الأرض والزرع)؟.
إنها المأساة حقا. ومن هذه المأساة خرج ابراهيم عبدالمجيد وغيره من الأدباء (نجيب محفوظ ورفعت السعيد والقعيد والغيطاني والكفراوي والقلماوي ومطر). جلسوا في حواري ودروب ومقاهي القاهرة القديمة (السكرية، خان الخليلي، بين القصرين، قهوة قشتمر، شجرة اللبلاب لمحمد عبدالحليم عبدالله، والهرج والمرج والصخب وصياح الأطفال في المحال التجارية وهم يتفرجون ويبتاعون، بائع السوس والحليب والزبدة والجبنة البيضة والعسل). جلسوا هناك وخرجوا بأعظم وأروع الأعمال الأدبية الابداعية. وكانت رواية - في الصيف السابع والستين من جملة تلك الأعمال. مع تطور الدراما الروائية في مصر علي أيدي الكثير من الأدباء ضمن متغيرات يتوازن فيها حضور الشخصية الابداعية للكاتب الروائي. جعلنا ندرك أن خطاب الستينيات - الروائي - لم يأت هكذا دون تعب وفكر وعصارة ذهن وتقص وتمحيص وتنقيب في مسيرة الحياة التي تقدم أكبر دليل علي قدرة أو مقدرة هذا الأديب أو ذاك في استخلاص الحوار اليومي علي لسان الأبطال. ولا نبالغ اذا قلنا ان عبد المجيد قد قدم نصا خطابيا استشهد فيه علي مسيرة الناس عبر مدلولات ومواقف ابداعية في الرواية العربية. لأنه قد أحال نصه الخطابي الي واقع غني بالمعرفة ساعيا الي الارتقاء صوب القمة علي أساس ما يفكر فيه من ابداع الشخصيات التي تعبر عن ثورتها الداخلية من خلال مواقعها المتعددة، فهي اذن قد التزمت وتلزم بما وضعته أمانة في عنقها. والثورة هي مواجهة كل ما هو فاسد ومتعفن وقذر كما حدث في مصر وسقوط الأنظمة الديكتاتورية العفنة مؤخرا. إن مفهوم الثورة لدي أشخاص عبد المجيد هو الانتصار الحتمي لمجمل الواقع، وهو رفض لأشكال التردد والتراجع، فأحداث الثمانية والأربعين غلبت علي فهم أولئك الذين حركهم عبدالمجيد وهم لا ينفكون يضعون الفشل نصب أعينهم حيث إن ما حدث في الثمانية والأربعين ظل الجوهر الأساسي لاقدام المدافعين والمناضلين ضد العدو أو عدم اقدامهم وهذا ما فكر به الأشخاص (أعني أبطال رواية المجيد في الصيف السابع والستين). بعد ال -76- وما لحقهم من انتكاسات وهزائم. لذا فهم ضائعون من الاقدام ثانية تحسبا لأية هزيمة. وعندما زجهم عبدالمجيد في ال -76-. كانت النتيجة مخزية. هو العار بحد ذاته، النكسة هذه الطعنة التي دخلت قلب كل عربي شريف. لم يمحها إلا انتصار ال -37- تحطيم خط بارليف وآلون. تنفس أبطال عبدالمجيد الصعداء وأزالوا عن بدنهم وسخ الثمانية والأربعين وال -76-.
هناك قيم ومفاهيم ايجابية يتفاءل القاريء بها عندما يدرك أن الروائي قد وازن بين دينامية الأشخاص وعدم قدرة البعض للتجاوب مع الدينامية التي تتناقض مع بعض الأفكار التحررية لدي طرف آخر. (خانع. ساكت. لا يتحرك). يقول مالي وللآخرين. فخار يكسر بعضه. هذا التناقض يضعنا أمام التعامل ضد تيارات آتية للقضاء علينا من خلال أفكارنا التي حملنا إياها عبدالمجيد. (وأقول لكم ثورتكم هذه نصف. بل ربع. الشوارع لابد تعرف الدهاء. حقي ويدي. التطبيق الاشتراكي يسير متنزها. عجيبة هذه الاشتراكية. مسخا صرتم والفقر قائم. لن تثمر الخطة. ثورة بيضاء. لهم وعليهم). (هذا هو البيان الأخير حتي الآن. الساعة الآن الخامسة والربع. ثم ضرب العدو الذي يهاجم قواتنا في أبوعجيلة. أين الطيران سؤال يحط فوق الجميع. وتزداد الحركة توترا). من ص 7 الي 9.
هناك تضحيات صادقة من قلة من الناس أوجدهم المجيد، وهم محور العمل الخطابي الروائي. يدركون أنهم يقدمون علي بذل كل ما لديهم من مال وأولاد في سبيل تحرير الأرض ورد العدوان (عدوان 6591) علي سورية والأردن ومصر - آنذاك.
انه نضال الأبطال وتألمهم. شقاؤهم وركضهم لايجاد حياة سعيدة لعيالهم ولهم من أجل مستقبل مشرق قادم. انهم ينظرون الي المستقبل بفرح طاغ. المستقبل الوضاء الذي يحمل بين دفتيه تباشير الفرح والسعادة والعيش الرغيد الآمن.
(آلاف مثل الدسوقي. طيبون. يعيشون مطمئنين. حسنو النية بكل ما حولهم. يؤمنون في أعماقهم أن كل شيء زائل، كان الدسوقي مهتما للغاية أن يعرف أخبار سورية والأردن، وسورية علي وجه الخصوص - هي بلاد تضرب في العمق يا صاحبي-). ص51.
لم يقاتل الجندي المصري علي جبهة سيناء إلا دفاعا عن نفسه وشعبه وأرضه، ولم يصد هجمات الطغاة والغزاة. غزاة هذا القرن من أمريكيين واسرائيليين. إلا ليذود عن العرض والشرف والكرامة. فكانوا أبطالا عن حق. تناشدوا لأعظم ما في الوجود. تناشدوا أو تنادوا علي الحرية. قاوموا العدو يضربونه. الضربات تلو الضربات.
إن الحرية بنظر الجندي المصري والجندي السوري علي السواء أهم من كل مقتضيات الحياة. أهم من الزوجة والولد والأب والأم. فالحرية وهذا شيء معروف. إحدي حاجات الانسان الضرورية. ومتي فقدت فقد الانسان أهم جزء في حياته. وعندما يفقد الانسان حريته، فإن حياته تصبح لا قيمة لها. يعيش كالبهائم، وربما تكون البهائم أحيانا أفضل منه. هذا التحليل ينطلق من همة المرء الداخلية فالدفاع عن الحريات هو ما جعله يعيش حياة هانئة ومديدة.
الحرية في نظره هي لب الحياة. ولا يحيا الناس إلا بتضحيات كبيرة. وهذه التضحيات يقدمها المجيد علي لسان أبطاله في روايته - في الصيف السابع والستين-.
(أخفقت نواجذ محسن أن يدفع دموعه. سقطت دمعة وصارت النواجذ تطحن بعضها. يداه تتكوران في عصبية ظاهرة. صوت المذيع الحزين يتلوي في قلبه، وهتف الدسوقي - ارفع الصوت. سورية تتقدم - القوات السورية تشن هجوما بريا علي اسرائيل وتتقدم في الجليل الأعلي. المدرعات وقوات المشاة المشتركة في الهجوم. وقد احتلت القوات السورية في طريقها مستعمرة كاريتون في شمالي سد الحولة بعد سقوط مستعمرة شعريا . شوف) ص61.
لقد وعت شخصيات المجيد واقعها وعيا تاما برؤية مرتبطة بمسار الحياة الحرة القادمة. فالاحتلال غصة في
طوق المصريين والسوريين (نتحدث عما قبل التطبيع السياسي أيام - الهبش - والانفتاح الاقتصادي وقتذاك). وهذا الاحتلال هو الصخرة المنيعة لاجترار الحرية أو اغتصابها من العدو وبقوة الدفاع والسلاح والمقاومة.
فالأحداث الوطنية والتاريخية التي يعرفنا عليهاعبد المجيد أيام ال -76- وما بعد. هو تأريخ تجربة طويلة مليئة بالمعاناة والهم والحزن. الحزن الذي يرتسم علي الوجوه عند سماع كل بيان يصدر عن القيادة العسكرية في الجبهتين السورية والمصرية. يتساءل أبطال عبدالمجيد في - الصيف السابع والستين - كيف يكون وقع الحدث عند الناس. حدث النكسة؟ والجواب (أيها الأخوة. إن ما حدث لم يكن شيئا جديدا علي مصر. أرادت مصر أن تدافع عن العروبة. ولكن المؤامرة الاستعمارية كانت أكبر. لكن أيضا لن يمر المعتدي دون عقاب. أيها الأخوة. إننا نمر.. نمر.. نمر.. يمر الممرات. مثلا أسطورة المقاومة عام 6591).
فلماذا لم يجد غير كلمة. مر. يمر هذه. فهي مريرة لواقع مرير؟. (أيها الأخوة. المهم المعني وليس الأصل ولا خيانة في ذلك. أيها الأخوة. كانت هناك خيانة من العرب عام 7691. كما كانت من قبل 8491. أيها السادة.. أيتها الجماهير العظيمة. خدعنا السوفييت ورحنا ضحية لمؤامرة الدول الكبري. أمريكا هي السبب ودول البترول العربي لأنها لم تستعمل سلاح النفط. الرجعية العربية ساهمت في تخطيط المعركة ضدنا.هربت الخطط الي العدو وأطالت الحرب) ص 61-02.
ندرك أن شخصيات - الصيف السابع والستين - تنتمي الي طبقات العمال والفلاحين والأجراء الصغار. يقدم المجيد شرحا و افيا عن حياة هذا الجيل الذي عايش وعاصر النكبة، ثورة الضباط الأحرار -2591-، العدوان الثلاثي عام 6591، مذبحة بحر البقر ودير ياسين وكفر قاسم وقلقيلية ونكسة - السبع والستين - لاسيما في مفهوم الواقع ومناقشته عبر الانتماءات والتوجهات السياسية آنذاك.
لابد من الاشارة الي أن الجيل الذي كتب عنه عبدالمجيد. كان أغلبه ينتمي الي الماركسية ومن بعدها اللينينية. كلنا يذكر المظاهرات في الشوارع خاصة في سورية والأردن ومصر والعراق. منددة بالعدوان والاستعمال والتدخلات في شئون الوطن العربي.
تقدم الرواية مناقشة مستفيضة للتاريخ السياسي لما جري من أحداث جمة في حياة أولئك الأشخاص الذين يعبرون عما في نفوسهم لمحاولة فهم الواقع المصري (من 84 الي 76). وظهور قوي رجعية همها الابقاء علي التخلف الفكري والاجتماعي والمناداة بالانفتاح الاقتصادي. فظهر الكسبة ومنتهزو الفرص والمتصيدون و-الناظرون-. فأثروا ثراء فاحشا علي حساب لقمة الفقراء والمحتاجين. وما حدث من تقسيم القيم والمفاهيم وتقطيع جسد الوطن الواحد - الاغتصاب والاحتلال والتفرقة العربية-.
قدم إبراهيم عبد المجيد رواية قائمة علي الكثير من الشخصيات، ولم يجعلها رواية للبطل الفرد. جعلنا نتعاطف معهم تعاطفا كاملا من خلال معاناتهم (البعد عن الأهل. جبهات القتال. الخنادق. الهجوم المباغت والمفاجيء. همومهم عن تذكر أولادهم وأهاليهم وأصدقائهم). لقد حاول أن يقدم بانوراما عن تأريخ الأحداث في مصر من الجوانب الموضوعية والوجدانية، وهو بتقديمه الرؤية التاريخية، إنما يقدم نظرة موثقة للواقع السياسي والاقتصادي والمعاشي والاجتماعي والمصيري.
درس الواقع بكل جوانبه. بل بكل أبعاده دراسة عميقة وعلاقة الانسان العادي بالمثقف والجامعي والسياسي والتاجر وابن الحانة. والجميع - يجمع - علي أهمية الدور الرئيس لمسألة الكفاح السياسي ضد المتسلطين والمتآمرين والمتعاملين مع العدو الأكبر - الصهيونية - علي حساب الانسان ولقمته ومعيشته وعلي حساب - المزاودة - علي الوطن والشعب وحبهما. لم نطلق علي رواية عبدالمجيد. أنها رواية تاريخية بحتة. انما هي رواية تتخذ من حياة أولئك الأبطال مادة عصرية لعرض ما يفكر به الكاتب وما يحيط به من مشكلات وقضايا واهتمامات. وهي محاولة لاعادة بناء الذات من رؤية موضوعية واكتشاف الأسس التي تقوم عليها.
تعكس الرواية اهتمام عبدالمجيد بالشعب عموما، فالشعب لا يضع اعتبارا لفلان وعلان من الناس، إنما يأخذ الجميع علي السواء كأسنان المشط، كذلك فعل المؤلف. جعل من قضية شعبه قضية حتمية تمارس دورها ممارسة واقعية، كما علي واقع ألسنة أشخاص الرواية الذين يؤثرون في تسلسل الأحداث التي يمرون أو تمر بهم عبر أكثر من مائة وخمسين صفحة.
كان إبراهيم عبدالمجيد يدرك أن الثورة هي التغيير الجذري لكل شيء لخلق فهم فكري متقد وجيل لا يعرف الكسل والاتكال يخرج بتشكل منبثق ثوري يفهمه أبطاله وقارئه. كي يقدم الخطاب - الأنطولوجي - الروائي كوسيلة للتنوير، ولدفع الخوف عن الذين يفهمون أن المعركة والدفاع عن الأرض والوطن، ليست للتسلية وتمضية وقت الفراغ. انه مصير. انها حتمية وجودية. فلابد من كسب المعركة ليصاغ مفهوم جديد للتضحية والوفاء والفداء في سبيل فهم قيمة الفرد ومن ثم المجتمع.
(أيام ملخبطة، تحرشات علي سورية، مصر تعلن حالة التأهل وتتحرك جيوشها الي سيناء. محمد عبدالوهاب يقطع اجازته في لبنان ويعود الي القاهرة، ليكون في خدمة المعركة. صور للمشاة والطيران والمدرعات. أغان للمعركة. أهل الفن يجتمعون ليخوضوا المعركة. وكأنما يصر العرب دائما علي الهزيمة معا. وتحية كاريوكا طلبت السفر الي الخطوط الأمامية، وأعلن الرئيس اغلاق خليج العقبة). يضيف الروائي إبراهيم عبدالمجيد عن لسان أبطاله: (لم يذع بيان حتي الآن. مازلنا نسمع بيانات الأمس. لا. اليهودي جبان وأمريكا لن تفعل شيئا لهم. هناك سلاح البترول. العرب لا يتفقون علي شيء. ماذا يريدون منا؟ لقد ضاع عمرنا عليهم. قال سعد. العرب صفر ومصر صفر. لكننا سنهزمهم. قلبي يحدثني بذلك. في عام 6591. حاربنا ثلاث دول. أما في عام 6791 كنت في سيناء. صدر لنا أمر بالانسحاب، فرجعت مشيا في اثنين وعشرين يوما. كان بودي أن أقتل منهم مئة. ولكن الحظ خانني. الانسحاب يا أخ. هذه المرة سيقتل اخواننا نصفهم. لا انسحاب هذه المرة يا محترم. لا انسحاب) ص56 و66-.
في الصيف السابع والستين للكاتب ابراهيم عبدالمجيد. طباعة دار الثقافة الجديدة بالقاهرة وغلاف رسمه الفنان محمد عزام واهداء الي - كل الذين عاشوا ذلك الصيف الذي لم ينته-.
قسمت الرواية الي ثلاثة فصول - الفصل الأول عنونه المؤلف ب -اليوم السادس من الشهر السادس. والفصل الثاني ب - مناجاة خليل التي لم يسمعها أحد - لحظة طلوع الروح - اليوم السابع. أما الفصل الثالث فجاء تحت العناوين - التاسع من يونيو - كيف ساد الجبهة الهدوء).
هناك ملاحق ضمت الي الفصول الثلاث. فلقد توحد وألحم الجيش مع الشعب. فالشعب والجيش هما ولادة نكبة ال -84-. وهما صنيعة ثورة 2591، وهما من خرج من أتون النكسة ينفضان عن كاهليهما وسخ السنين المحملة بالآلام والأحزان والفشل.
لا يمكن لأي مؤرخ إلا أن يقف طويلا أمام من ولدتهم تلك الأحداث وجبلتهم علي الصبر ومقاومة الشدائد. يقف وقفة إجلال واحترام للذين ضحوا ومازالوا حبا بالأرض ودفاعا عنها وعن الحياة لكل مصاعبها وهمومها. يتصاعد الصراع الدرامي في - الصيف السابع والستين - حيث يتحد الموقف مع الفعل ويتحقق التوازن بين مشاعر الأشخاص وأحاسيسهم، وبين دواخل الآخرين الذين اعتبرهم المؤلف - هامشيين - وهذا تغيير واضح في مسيرة الحركة الأدبية للمؤلف ف -تطور- التجربة الروائية عنده يكشف مستوي العمق الفكري والوعي الذهني عند الشخصيات المتحاورة.
هل هناك خصوصية معينة للروائي إبراهيم عبد المجيد؟
أعتقد نعم..
إنها خصوصية نابعة من أنه بطل كل أعماله الروائية والقصصية. أي أنه كتب من الواقع، لأنه عاشه بكل لحظاته وثوانيه. فكان أدبا واقعيا. فأغلب من قرأت لهم وأحببتهم من الأدباء المصريين خاصة من ولدوا بعد النكبة لأن همهم الانساني هو حرية هذا الانسان المرتبط بحرية الجماعة (الغيطاني والقعيد ورفعت السعيد، والقاسم والشاروني وأصلان وحسني لبيب وعبده جبير والخراط ومستجاب ونجوي شعبان ومحمد البساطي والأسواني).
إذا الخصوصية معممة وليست مخصصة لأديب عن غيره وبخاصة من عايشوا النكسة وتفاعلاتها. (ابتسم. أدرك أنه لم يعد متزنا سأل نفسه كيف يدرك بعقله أن عقله لم يعد متزنا. ضحك. يريد أن يشم رائحة اللحم المحترق. رائحة الدم. إنه يري كيف تلمع خوذات رجال الحرس. يري سيجارة مشتعلة تتحرك وسط الظلام. عندما كان يري اللحوم معلقة علي واجهات محلات الجزارة في اليوم الأول من الأيام المسموح بالبيع فيها. كان يقول - اللحم نزل - نزهته الوحيدة أن يمشي علي الكورنيش من الأنفوشي حتي سيدي جابر.. استراليا حلم الهروب والوجود. والآن لم يعد هناك مبرر لوجوده. انتهي كل شيء. أحس بقلق شديد. استراليا بعيدة جدا أكثر مما تتوقع). ص 37 و47 و57-. يميل عبدالمجيد إلي ما يحدث من تغييرات في مصر والعالم. لأنه جزء هام في هذا القطر - المصري - وبالتالي ف -مصر- هي جزء من هذا العالم الكبير. معبرا بذلك عن لسان أشخاصه دون أن يفقدوا خصوصياتهم.
يأخذ الكاتب شخصياته من واقع الحياة اليومية (في الشوارع. في البيوت. في المعامل. في الحقول) ومن يكتب عن هؤلاء. فلن يأتي خطابه - الأيدلوجي - إلا خطابا صادقا. وعلاقة عبدالمجيد بين التأريخ والتاريخ علاقة وطيدة. لكنها ليست مادة أساسية في الخطاب الروائي. وما واقعه الأدبي إلا ارتباط بواقعه السياسي.
ثم يكمل عبدالمجيد مشاعر أبطاله فيما ينتابهم من شعور بالفخر والاعتزاز علي ما يجري في جبهات القتال. يشد عزائمهم ويضع يديه بأياديهم.هاتفين للنصر الذي سيكون والذي سيأتي من خلال الجنود الأبطال - المصريين والسوريين (انقطعت المارشات العسكرية. وجاء الصوت مبتورا يفضي بحقيقة كريهة. لكنها لم تكن بذات طعم بالنسبة لهم. قال المذيع مهرولا كأن حية لدغته - ساد الجبهة الهدوء، وأوقفت جميع العمليات، مراعاة لوقف اطلاق النار).. ص211 و311.
رغم أنه قد أثقلت عليه التعاسة، وأريقت أرواح المصريين
وصارت الصحراء دما
والكل ينوح ومكتئب ويسأل ماذا قضي رب الجنود علي مصر
فأفواه الحياة التي توجد في السماء ستأتي
فهيا أوزوريس.. انه الفيضان القادم.. الأرض مازالت كريمة.
ذلك هو النداء الأخير للرواية التي تقدم في اطار أقرب الي التسجيل، قصة جيل كامل. خرج من جحيم النكسة، ليردها في ال37. جيل تحمل تبعات الجيل الذي سبقه. وكانت صدمته قاسية ومؤلمة. أما عن ذلك فكان فادحا (احتلال سيناء وطابا والجولان وجنوب لبنان، وإلحاق الضفة الغربية وقطاع غزة باسرائيل ومن وراء اسرائيل).
كان إبراهيم عبدالمجيد أحد أبناء ما قبل جيل النكسة. عاش الحلم والثورة وتسقيط حلف بغداد والهلال الخصيب. فكان أن دفع جيل النكسة - أخطاء السابقين ولعنات اللاحقين - انه روائي عرف أين بواطن الأمور. قدم عملا غاية في الاهتمام. وهذا ما يؤكد كلامنا بأن من كتب عن حزيران المشئوم. كان يمتلك صوتا جريئا. خاصة أيام حكم - الهبش واللط وبتوع التلات ورقات-.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.