التهمت ثورة 25 يناير المسافة التي تقع بين الخيال والحقيقة، فجأة وجدنا أنفسنا نحيا حلما كنا نظن أننا عجزنا عن تحقيقه، تبرع الشهداء بدمائهم فوهبوا الوطن المريض عافية، التفتنا فوجدنا مصر هي البنت الحلم، والزوجة الوفية، والأم القادرة علي المنح، واكتشفنا أنها جزء منا وبداخلنا وحولنا، لا نعرف إن كنا قد امتلكناها أم أننا من ممتلكاتها، إلا أننا علي يقين بأننا نجيد الآن لغة الأحلام التي تصبح علي الفور واقعا بأيدينا، وها هم أدباء مصر أمهر اللاعبين علي بساط الخيال يشتركون في وضع مسودة لشخصية الرئيس المصري القادم. يراه الشاعر إبراهيم داود عطوفا، يعرف جيدا أن الشعب فقير وفي حاجة إلي الدعم الدائم، وأن التعليم الراقي والصحة الجيدة حق من حقوقه، ويتمني أن يكون رئيس الدولة علمانيا يؤمن بالدولة المدنية، وحرية حق الاعتقاد، والتعبير عن الرأي، وحرية الإبداع، وإصدار الصحف، فضلا عن إنشاء الأحزاب، ويدرك ثقل مصر في المجالين: الثقافي، والحضاري، وأن يسعي إلي خلخلة التشكيلة القبلية للمجتمع، فيواجه العصبيات، ويتعامل مع الدولة ككيان واحد. ويتفق داود مع الروائي هيدرا جرجس في أنه لابد من أن يكون متفهما لقيمة الدولة العلمانية، والمدنية، ولفكرة الحريات الدينية والثقافية، مقدرا أننا شعب جدير بالتقدم والحرية والنهضة، ويشترط في الحاكم الجديد أن يكون مهتما بالثقافة، ليعرف قيمة الأدباء، ويطالبه بأن يرفع يده عن المثقفين، ويصدر قرارا بإلغاء وزارة الثقافة أو يحد من دورها بحيث يكون شبيها بدور عسكري مرور مهمته تنظيم الحركة الثقافية، دون أن يعيق شيئا عن المرور. ولا تلتفت القاصة صفاء عبد المنعم إلي مواصفات خاصة في الرئيس وتقول من الممكن أن يكون أي شخص بشرط أن يمتلك خططا: طويلة، أو متوسطة، أو قصيرة الأجل، للنهوض بمصر، تنتهي بفترة رئاسته ويستكمل الرئيس الذي يليه المسيرة، وتضيف: نحن نحتاج إلي دولة تتبني خططا، ومن الناحية الثقافية تطالبه بأن ينظر إلي المجلس الأعلي للثقافة علي أنه لابد من أن يمارس دورا رقابيا علي الهيئات، وتشدد علي عودة قصور الثقافة إلي دورها القديم، فتتحول إلي ثقافة جماهيرية، تعمل علي تفعيل الدور الثقافي في الشارع. وينفي الروائي محمود حامد أن يكون قد رسم أي صورة ذهنية أو شكلية للرئيس، يصمت، ويطرق قليلا قبل أن يقول: ظللنا عقودا لا نختار رئيسنا، وانما يُختار لنا، وفجأة يرفع رأسه ويصيح: آن الأوان أن نختار مستقبلا يليق بمصر، فأي صاحب برنامج يبحث في محاوره: الاقتصاد، والبحث العلمي، والبنية التحتية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، سيتم اختياره، أما صورته الشخصية فلا تهمني، ومستوي كاريزمته وقدرته علي الكلام لا تهمني، ما يعنيني فقط أن يكون لديه برنامج عمل واضح المعالم، قادر علي النهوض بمصر والصعود بها إلي آفاق جديرة بثورتها، ويؤكد علي أن برنامج الرئيس القادم لابد وأن يكون مشفوعا بحزمة إجراءات قادرة علي تحقيقه. وعلي العكس تماما يري الشاعر فريد أبو سعده أهمية وجود الكاريزما لدي الرئيس القادم، حتي يصبح أكثر تأثيرا فيمن حوله، وأن يتمتع بلغة جيدة، ووضوح في الرؤية، وفهم للأجيال الجديدة، فضلا عن البرنامج الطموح الذي يجب أن يتقدم به لنا كأبناء لهذا الوطن، وأن يهتم بالثقافة بصورة أكبر، ويجعل من المجلس الأعلي للثقافة برلمانا للمثقفين، فيتم تشكيله بالانتخاب، ويكون لوزارة الثقافة دور محدد. وفي منطقة وسط يقف الروائي قاسم مسعد عليوه بين حامد وأبو سعده حين يقول: إن الرئيس القادم يجب أن يجمع بين المظهر والجوهر، وإن كان المظهر يتصل بالكاريزما الشخصية للرئيس، وهي عادة ما تتصل بالدكتاتورية التي يجب أن يتخلي عنها، أما الجوهر فهو متعلق بمدي إيمانه بالديمقراطية، وأن يتبني الأفعال لا الأقوال، والأهم من ذلك أن يعمل وفق مقتضي الدستور الذي يضعه الشعب، لا أن يضع هو الدستور ويفرضه علي الشعب، ويحذر عليوه رئيس الجمهورية القادم من أن يكون كسابقه فيجمع بين رئاسته للدولة وأي حزب سياسي، وألا يكون عسكريا ولا من صنيعة النظام المنهار، حتي يهتم بالشعب ويولي الطبقات الكادحة جل اهتمامه، وأن يمتلك الرؤية الناقدة التي يميز بها بين الصالح والطالح فيما يعرض عليه من تقارير. ويؤيد الشاعر مؤمن سمير فكرة مدنية الرئيس وعدم انتمائه للمؤسسة العسكرية، وعدم ترأسه لأي حزب، حتي لا يحاول فرض فكر هذا الحزب علي الشعب، ويقول: يجب أن يكون شابا، فلا يتعدي الخمسين من العمر، ومنفتحا علي العالم، ويحاول بشتي الطرق إلغاء فكرة الرقابة علي الإبداع، وإلغاء وزارة الثقافة، والاكتفاء بالمؤسسات الثقافية المختلفة، ليصبح للدولة فقط حق التنسيق والإشراف، ويناشده استقلال المجلس الأعلي للثقافة، وتحرير المؤسسات والإدارات المختلفة من فكرة الروتين المسيطرة، ويري أن الثقافة يجب أن تكون مستقلة مثلها مثل القضاء، لأن أي مجتمع ناضج تكون الثقافة محركه الأساسي. ويبدو أن المدنية شرط أساسي اتفق عليه المثقفون في شخصية الرئيس، فنحن الآن ننصت للشاعر مسعود شومان وهو يؤكد علي أن الرئيس لابد وأن يكون مدنيا، عالما بمشكلات المجتمع، ولديه خبرة عالية بأمور السياسة، ومؤمن بطاقات أبناء الشعب، ولا ينتمي لأي حزب أو تيار، بل ينتمي لكل طوائف الشعب، ويكون مثقفا وليس من الجهلاء الذين لا يعلمون شيء عن الفن والأدب، حتي يعتمد علي الثقافة بشكل كبير في قيادة المرحلة القادمة، بالتضافر مع التعليم الجيد والإعلام المستنير، ليصبح تخطيط الوعي بعيد عن ثقافة الجزر المنعزلة. الرئيس القادم يجب أن يكون قادرا علي الخروج بمصر إلي بر الأمان، ووضعها في مكانها الذي تستحق- عربيا ودوليا- وأن تكون أولوياته النهوض بالتعليم والبحث العلمي والمؤسسات الثقافية والفنية، إنه الروائي الطيب أديب يصر علي أن يكون الرئيس محرضا للأدمغة المصرية المهاجرة علي أن تعود للوطن بعد تهيئة المناخ المناسب لها، ويناشده تحقيق العدالة الاجتماعية، استعدادا لعملية التنمية التي ستأخذ منه وقتا ليس بالقصير، فضلا عن ضرورة تشجيع هيئات المجتمع المدني خاصة الجمعيات الأهلية علي المشاركة في عملية التنمية، ومنحها قدرا من الثقة والدعم المالي والمعنوي، لتشارك الحكومة النهوض بهذا الوطن علي غرار ما يحدث في معظم دول العالم المتقدم. ويلفت الشاعر محمود الأزهري نظر الرئيس إلي احترام القانون والدستور، واليمين الذي سيقسمه للحفاظ علي سلامة الوطن، وليس سلامة ذاته، ويأمل في أن تتحول مصر إلي نظام برلماني، تقلص من خلاله السلطات المطلقة الممنوحة لرئيس الجمهورية في الدستور الحالي، والتي يتهمها بأنها باعثة علي الاستبداد ومحرضة علي الفساد ومشجعة علي الطغيان، ويضيف: من غير المقبول أن يكون شخص واحد هو الرئيس الأعلي لكل شيء في مصر.