لا أخفيكم سراً حين أعلن وعلي الملأ أنني لم أكن أعرف كيف أتعامل مع الكمبيوتر والإنترنت إلا أنني منذ فترة ليست بالبعيدة عرفت بعدها سبيل التعامل مع الفيس بوك .. كانت هدير معلمتي احدي فتيات العائلة التي لم تبلغ سن الخامسة عشرة من عمرها ، أخبرتني بأن الأمر سهل ، تعجبت من هذا الجيل الجديد ، لم أكن أظن أنه جيل يحمل بين جنباته كل هذه الأحلام التي لم أكن أتوقع حدوثها ، ويخفق قلبه إلي كل هذا التغيير الذي حدث في مصر علي مدي ثمانية عشر يوماً ولم نستطع نحن تحقيقه علي مدي سنوات طوال بعد الحدث العظيم الذي شاركنا فيه يوم السادس من أكتوبر 1973. لم يمض وقت طويل حتي نجحت في التعامل مع هذا العالم الآسر الخلاب ، وصارت لي علاقات إنسانية عالية القيمة مع أناس لم ألتق بهم وجهاً لوجه ، بل وتوطدت عري الصداقة بيننا في كل أنحاء الدنيا ، علاقات اتسمت بكل الاحترام والمودة وكأنني أعرفهم منذ زمن طويل وتزداد هذه العلاقات كل يوم توثيقاً وتوطداً .. اكتشفت أن فترة طويلة من عمري قد ضاعت سدي عندما لم أعرف هذا السبيل من قبل ، وكان يحز في نفسي ما يقوله البعض عن هذه الوسيلة التي تصور من في النظام السابق أن منعها أو قطع خدمتها عن الشعب سوف يمنع التواصل الاجتماعي ظناً والظن مرض منهم أن ذلك سوف يؤدي إلي وأد الثورة في مهدها وإلي انفصام العري بين كافة فئات المتعاملين به .. في زمننا الحديث استطاعت ثورة الخميني أن تزيح شاه إيران من فوق عرش الطاووس عن طريق شريط الكاسيت الذي كان يتم تهريبه ليصل إلي هناك ويتم طبعه بكل سرية وتوزيعه علي أبناء الشعب .. لكن ثورة شباب 25 يناير ورقمها الكودي 11211 أي يوم 11 فبراير 2011 استطاعت اختراق كل السبل المعهودة واستطاعت من خلال موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر واليوتيوب وغيرها من أن تصنع أول ثورة تستخدم التكنولوجيا الحديثة في التاريخ مؤكدة أن مصر ولادة وأن فيها جيلاً جديداً جميلاً واثقاً مثقفاً واعٍياً سيقود هذه البلاد مستقبلاً وسيكون هذا المستقبل زاهياً بهياً مثل وجوههم الوردية وأحلامهم المشروعة التي لن تجهض بإذن الله .. تغيرت أساليب الثورات وقادتها ، في العام 1795 قامت ثورة الشعب المصري مع رجال الأزهر بثورة ضد طغيان المماليك ، وحين جاءت الحملة الفرنسية بقيادة بونابرت الذي حلم ببناء أكبر إمبراطورية في الشرق تكون قاعدتها مصر ، لم يفق من غروره إلا بعد أن هب الشعب المصري العظيم في ثورتيه الأولي والثانية ضد نابليون الذي فر هارباً تحت جنح الليل ، وجاءت ثورة عرابي باشا وثورة سعد زغلول باشا ، وصولاً إلي ثورة الجيش عام 1952م التي قادها الضباط الأحرار بقيادة محمد نجيب وجمال عبد الناصر .. إلا أن ثورة 25 يناير 2011 أثبتت وبدون أي مدعاة للشك أن شكل الثورات ودوافعها ومن يحركونها ويقفون أمامها وخلفها قد تغيرت خاصة وأن قادتها هم الشباب الواعي الواعد المثقف .. لقد كان موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك فاعلاً مشتركاً أعظم في الدعوة أول الأمر لوقفة احتجاجية من أجل محاربة الفساد ووقف التوريث المزمع والديمقراطية ، إلا أن البطء الشديد في التعامل وطول الوقت في التفكير وسرعة إصدار القرار ومع مرور الأيام ، استطاع هذا كله في رفع سقف المطالب واجتازت كل التوقعات ، بل وضربت عرض الحائط بكل استهانة بهذه الفئة العريضة والتي تمثل 60 بالمائة من سكان مصر وكذلك التقليل من شأنهم ، فارتفعت الحناجر هادرة تهتف ببعدها بسقوط النظام والرحيل والمحاكمة لكل الفاسدين ، وبدأت التنازلات التي راح النظام يقدمها بسياسة القطرة قطرة لدحض الثورة الشابة ظناً منه أن ذلك سيسهل الأمور ويصرف الشباب المتأجج بالعشق لهذا الوطن وهم الذين عانوا من مقصلة البطالة والغلاء وعانوا وأسرهم من إجهاض الأحلام ، ثورة من أجل تصحيح الأوضاع الاجتماعية التي تدهورت لصالح فئة من المتسلقين والحمقي والمتزلفين المدعوين لكل مائدة فيلبوا والمسبحين بحمد كل الملوك ، فئة حاولت استعمار دواخلنا والحد من عمق رؤانا ، فئة تخصصت في السلب والنهب علي المشاع تارة وبالشفعة تارة أخري .. شباب عاني من عدم وجود فرصة عمل ، ومن عمل منهم كان في غير تخصصه ولا علاقة لشهادته الجامعية التي حصل عليها براتب لا يروي عطشاً ولا يشبع جوعاً تحت مسميات عدة ، عقود مؤقتة أو ظهورات أوبغير تثبيت في الوقت الذي كان يشغل فيه أصحاب الحظوة والمحبظاتية والدجالين عشرات الوظائف للفرد الواحد ومن ثمة يقبضون الرواتب الخيالية ويتمتعون برغد العيش ويتلذذون بمص دماء هذا الشعب وجعلوا من أحلامه جسوراً يعبرون عليها من أجل الوصول إلي منافعهم ومغانمهم دون وازع أو رقيب ، فقط الابتسامات الصفراء والحلل البهية والظهور علي شاشات التلفزة ويخرج الأقزام وأصحاب العقد النفسية ومن لا يذكرون ولا قبل لأحد بهم ، ليطفوا علي السطح ، ويوطدوا مكانتهم بدم الفقراء يبتزونهم ويعايرونهم وظنوا أن ليس في الإمكان أروع مما كان ، وغاب عن أذهانهم أن هناك شباباً تعبوا من ماراثون الجري وراء تحقيق الحلم يصارعون أمواج الحياة ومكابدة سبل العيش ، هؤلاء فاض بهم الكيل فقلبوا الطاولة ، وفرت شرطة العادلي التي أرهبتهم وصعقتهم مكتفية فقط بالاحتفال كل عام بالعيد علي جثث أبطال وشهداء الشرطة في 25 يناير 1952 أيام أن كان فؤاد باشا سراج الدين هو وزير الداخلية الشهم فوقف الشعب في الخندق مع قوات الشرطة ، غير ماحدث تماماً من شرطة هذا الوزير وغيره في تعذيب المواطنين وإذلالهم وإهانتهم منذ زمن وتجلي ذلك واضحاً في مارأينا ومالم نر وماسمعنا وماسوف نسمع عن تجاوزات حدثت لأنه كان لا يضمر سوي الكراهية للمواطن المصري دون أن يبدي أي سبب ، ، واكتفي بالنهب والسلب والثراء علي حساب الشعب ، وتوحش وبدا كالغول يمتص بدم بارد دم الشعب ، أما وزير الإعلام فقد اكتفي ببث برامج التوك شو والمسرحيات وكأن مايحدث علي مرمي حجر من نافذة مكتبه بماسبيرو تعني أمة أخري ويدور في بلد غير مصر ، وأن ماحدث سوف يخرج منه هو فائزاً بابتسامة النظام والثناء علي إخلاصه في العمل ، ونسي أن ميدان التحرير قد ضم صفوة شباب هذا الوطن وأغلق أذنيه كالعادة حتي لا تصل إليه هتافات الشباب الثائر واكتفي بسد النوافذ والعيش في المكتب المكيف ينعم بوجبات نادرة في الوقت الذي يزداد فيه غليان الشارع يوماً بعد يوم ووصف مايحدث بأنه من فئة غير مسئولة أتاحت الفرصة لعناصر أجنبية بالتدمير والتخريب وبأن مايحدث في ميدان الشرف / التحرير هو من قبل أناس لا