ميشيل الجمل: وعي المصريين الحصن الحقيقي أمام شائعات الإخوان وأهدافهم الخبيثة    تنسيق الجامعات.. كلية الاقتصاد المنزلي جامعة حلوان    رئيس جامعة القاهرة: ارتقينا 23 مركزًا عالميًا بالتصنيفات العالمية بفضل استراتيجيات البحث العلمي    «التنظيم والإدارة» يعلن عن مسابقة لشغل وظيفة معلم مساعد    هل توجد أي مؤشرات تدل على احتمال حدوث تأثيرات إشعاعية على مصر فى حال ضرب مفاعل ديمونة..؟!    أسعار الذهب اليوم الخميس 19-6-2025 بمنتصف التعاملات «محلي وعالمي»    السيسي يوافق على اتفاقية تمكين البنك الأوروبي من التوسع فى أفريقيا    ضمن الموجة ال26.. إزالة 5 حالات تعدي على أراضي أملاك الدولة في الشرقية    الرقابة المالية تصدر قرارا بمد فترات تقديم القوائم المالية الدورية للشركات والجهات العاملة بالتأمين    وليد جمال الدين: اقتصادية قناة السويس وجهة الاستثمارات الدولية الراغبة في التوسع    خامنئي يعين العميد محمد كرمي قائدا للقوات البرية في الحرس الثوري    فيفا: بالميراس ضد الأهلي في مواجهة حاسمة على صراع التأهل بمونديال الأندية    نجوم المونديال.. نجم الأهلي يزين التشكيلة المثالية للجولة الأولى بكأس العالم للأندية    محافظ بني سويف: إعفاء إدارة مدرسة إعدادية بعد رسوب جماعي لطلاب الإعدادية وإحالة قيادات إدارة الواسطى التعليمية للتحقيق    9 صور تلخص أول ظهور لمحمد رمضان بمحكمة الطفل لإنهاء التصالح فى قضية نجله    وكيل قطاع المعاهد الأزهرية يتفقد لجان امتحانات الشهادة الثانوية بقنا ويشيد بالتنظيم    صادر له قرار هدم دون تنفيذ.. النيابة تطلب تحريات انهيار عقار باكوس في الإسكندرية    افتتاح الدورة 47 من المهرجان الختامي لفرق الأقاليم على مسرح السامر (صور)    دور الإعلام في نشر ودعم الثقافة في لقاء حواري بالفيوم    عاجل- مدبولي يتفقد أول مصنع في مصر والشرق الأوسط لإنتاج أجهزة السونار والرنين المغناطيسي بمدينة 6 أكتوبر    شيخ الأزهر ل«وفد طلابي»: العلم بلا إطار أخلاقي «خطر» على الإنسانية    رسوب جماعي لطلاب مدرسة في بني سويف باستثناء طالبة واحدة    الكرملين: إيران لم تطلب مساعدات عسكرية لكن دعم موسكو لطهران موجود بشكل عام    إصابة سائحتين أوكرانية وبولندية في تصادم بطريق سفاجا    ضبط 6 تشكيلات وعناصر إجرامية بالقاهرة ارتكبوا جرائم سرقة متنوعة    وزير الإسكان يوجه بأهمية ترشيد استهلاك الطاقة والمياه في المدن الجديدة    حمدي فتحي: نسعى لتحقيق نتيجة إيجابية أمام بالميراس    «في عز الضهر» يحقق إيرادات تقترب من نصف مليون جنيه بأول أيام عرضه    بكاء ماجد المصري في حفل زفاف ابنته يتصدر التريند| فيديو    من فاتته صلاة في السفر كيف يقضيها بعد عودته.. الأزهر للفتوى يجيب    الرزق ليس ما تملك..بل ما نجاك الله من فقده    البنك المركزي ينظم قطاع الدفع الإلكتروني بإصدار قواعد الترخيص والتسجيل    عبد الغفار يترأس الاجتماع الأول للمجلس الوطني للسياحة الصحية    محافظ الدقهلية يستقبل نائب وزير الصحة للطب الوقائي    نصائح مهمة للوقاية من أمراض الصيف.. وتحذير من الفاكهة    خارجية أمريكا: نطالب جميع موظفى السفارة فى تل أبيب وأفراد عائلاتهم بتوخى الحذر    سعر الذهب اليوم الخميس 19-6-2025 وعيار 21 الآن صباحًا بعد الانخفاض المحلي والعالمي    الداخلية تضبط 349 قضية مخدرات وتنفذ أكثر من 85 ألف حكم خلال 24 ساعة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 19-6-2025 في محافظة قنا    "الأهلي وصراع أوروبي لاتيني".. جدول مباريات اليوم الخميس والقنوات الناقلة    إعلان الفائزين في بينالي القاهرة الدولي الثالث لفنون الطفل 2025    هيفاء وهبي تعلن عن موعد حفلها مع محمد رمضان في بيروت    مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص يشاركون الحكومة في دعم ذوي الهمم    بونو يحصل على التقييم الأعلى في تعادل الهلال وريال مدريد    الصحة: الولادة القيصرية غير المبررة ترفع خطر إصابة الأطفال بالتوحد 4 أضعاف    حالة الطقس في السعودية اليوم الخميس 19 يونيو 2025    إعلام عبري: 7 صواريخ إيرانية على الأقل أصابت أهدافها في إسرائيل    بعد فشل القبة الإسرائيلية.. الدفاعات الأمريكية تعترض الموجة الإيرانية الأخيرة على إسرائيل    طرح البرومو التشويقي الأول لمسلسل «220 يوم» (فيديو)    زيزو يوضح حقيقة الخلاف حول ركلة جزاء تريزيجيه    كوريا الشمالية تندد بالهجوم الإسرائيلي على إيران    حزب الله بالعراق: دخول أمريكا في الحرب سيجلب لها الدمار    وسط تصاعد التوترات.. تفعيل الدفاعات الجوية الإيرانية في طهران    ملف يلا كورة.. ثنائي يغيب عن الأهلي.. مدير رياضي في الزمالك.. وتحقيق مع حمدي    هل الحسد يمنع الرزق؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح    ريبييرو: مواجهة بالميراس صعبة.. وسنبذل قصارى جهدنا لتحقيق الفوز    خالد الغندور يكشف صدمة للأهلي بسبب مدة غياب طاهر    ما حكم سماع القرآن أثناء النوم؟.. أمين الفتوى يجيب (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد ربيع ..الخروج عن الجماعة والإجماع
نشر في أخبار الأدب يوم 25 - 12 - 2010

بدايةً من مطلع الألفية الثالثة، ولسبع سنوات، واصل محمد ربيع هجماته الروائية علي فن الرواية التقليدي، إلي أن سلبنا الموت حضوره الحي والمُراوغ والمختلف، في حادثة عبثية يوم 3 مارس 2008، وهو في الثالثة والثلاثين تقريباً، وكان أيامها بدأ يعمل بالصحافة الأدبية بصحيفة البديل المأسوف عليها كذلك، . إلا أن ربيع لم يترك لنا الكثير في بلاط صاحبة الجلالة، وكان ميراثه الأساسي لنا هو خمس روايات، استطاع أن يؤمن لها _ خلال حياته _ القدر الأقصي من الحرية في التفكير والحركة والكتابة، عن طريق نشرها بنفسه في طبعات محدودة، إدراكاً منه لعبثية محاولة نشرها في سلاسل أدبية حكومية أو حتي في دور نشر خاصة. وحول ذلك يعلق ربيع في حوارٍ قديم معه: "طب قوللي انت أعمل ايه اذا كان اللي ممكن يطبعوا لي رواياتي جبناء ومرعوبين من خيالهم وبيمشوا يبصوا حواليهم وتلاقيهم ماشيين لازقين في الحيطان، طب دول أتعامل معاهم ازاي، أنا لو عرضت علي أي دار نشر في مصر أو حتي لبنان رواية زي البابا مثلا ممكن صاحب الدار ينزف من مناخيره أو يصاب بجلطة أو ينشل. وعدم وجود أي عمار بيني وبين النشر الرسمي لا يشغلني لأن في النشر الخاص بطريقتي بكون متحكم تماما في كتاباتي ولا واحد حمار يطلب مني حذف أو اضافة أو تغيير فيما أكتبه!" هذه الروح المتهكمة والخفيفة ليست غريبة علي محمد ربيع الشخص والروائي، ولعله سيعلق بكلامٍ لن يختلف كثيراً عما سبق إذا علم بأن جميع من وعدوا بنشر أعماله بعد وفاته لم يحركوا إصبعاً لذلك، رغم أن مسألة حقوق النشر والتفاهم مع أسرته لا تمثل عائقاً فعلياً أمام ذلك. أعمال ربيع الخمسة منشورة علي الانترنت، في أكثر من منتدي وعلي مدونة باسمه أنشأها أحد الأصدقاء بعد وفاته مباشرة.
خصوصية تجربة محمد ربيع الروائية مسألة لا تحتاج منا لتأكيد بعد شهادات بعض كبار الروائيين والنقاد مثل أ. صنع الله إبراهيم و د. محمد بدوي، ينبع تميز ربيع في الأساس من قتله للرقيب الداخلي الذي يسكننا جميعاً، حين قرر أن يكتب بلغة أخري عن أشياء أخري، أن يكتب رواية أخري غير تلك التي يعلموننا قواعدها ومبادئها كأنها مقدسات. نجاح ربيع في التخلص من هذا الرقيب الداخلي أتاح له اكتشاف الطفل المدهش والساحر في نفسه، والذي لم يأل جهداً في السخرية والتهكم من الواقع وكل ما يمثل مؤسسة راسخة الأساس، لا تبدأ من الدولة ولا تنتهي عند الأسرة أو المؤسسة الدينية، وخصوصاً في تجلياتها المتشددة الفجة.
في أولي روايات ربيع، موسيقي تصويرية، لم يكن قد تبين بعد لغته الروائية الخاصة ولا العوالم التي سوف يكرس لها الأعمال التالية، غير أنها عكست مناطق شخصية حميمة في شخصه، إنها كتابة طيبة تشبه كتابات عشرات من أبناء جيله، عن قصة حب _ قد تكون تجربة شخصية _ بين طالبين جامعيين، مسلم ومسيحية، ولنلحظ أن عالم المسيحيين المصريين هو العالم المفضل لدي ربيع في أغلب رواياته، دون أن يكون لذلك أية دلالات كبيرة، ولو شئنا التأويل فكأنه ينتقم لهم من التهميش المجتمعي والفني بوضعهم علي الدوام في صدارة رواياته، وكأن مصر التي يكتب عنها ربيع _ في بعض الأحيان _ خلت من مسلميها، ومع هذا فهذه ليست سوي أهون مفارقات ربيع وغرائب كتابته. في هذه الرواية تجلي عشق محمد ربيع للموسيقي، بتوزيع فصول الكتاب علي آلات موسيقية مختلفة، وكأنها سيمفونية هو قائدها وملحنها، كما أنه كشف بوضوح عن ولعه بالملك محمد منير وخصوصية موسيقاه المتمردة والأصيلة، ذلك الولع الذي عرفه جيداً كل المقربين من ربيع.
في عمله التالي "عموم الليالي التي" كان قد ركز انتباهه علي العالم الديني المسيحي، وتعامل معه بخفةٍ ومرح، منتزعاً عنه هالة الخوف والإجلال، وهو ما لم يفعله _ في حدود علمي _ أي روائي مصري، مسلماً كان أم قبطياً، حتي الآن. وانزاحت الغيوم الرومانتيكية والتقاسيم الموسيقية، لتخلو الساحة قليلاً للعب والسخرية، بلغةٍ تكاد تكون ركيكة بالمقاييس التقليدية، ليس لمجرد اختلاط الفصحي بالعامية، ولكن أساساً لأن منطق بناء الجملة وتركيبها لا ينتمي انتماءً خالصاً لا للفصحي ولا للعامية، كما في هذا المثال العشوائي من الصفحة الأولي من روايته الثانية عموم الليالي التي: "انني لو كباقي الناس، يمنعني أن أوجد بينهم دون أن أثير بوجودي قلقاً وتحفظات وأحدث ربكة ولو أنني استطيع التحرك بحرية وسلاسة كما يفعلون، لو انني أقدر علي فعل ما يفعلون دون أن ألفي مليون مستنكر ومليون منتقد وكذا مليون آخرين يصطادون في الماء العكر، لو يحدث ذلك ويتاح لي لحاربت هذه المشكلة بمعننة وروقان بال وجبت أمها الأرض:- حافظ علي كلامك يا إبرام، حد يسمعك تبقي حكاية."
مع رواياته التالية تجذرت هذه اللغة أو هذه الطريقة الخاصة في الكتابة السردية، مع إضافات جديدة أكثرها لفتاً للانتباه هي اللغة المكشوفة، إن صح هذا التعبير، التي لا تخجل من تسجيل الكلام القبيح (ما يعبتره البعض قبيحاً) وتسمية الأشياء بأسمائها كما نسمعها في حياتنا اليومية. هذه اللغة المشكوفة كانت تقرّب القاريء بطريقة أو بأخري من الرواية، علي عكس المتوقع، فكأنه يجلس مع صديق لا يتورع عن النطق بأفحش الأقوال، ربما لتسلية الصديق وهدم الحواجز والإضحاك وأيضاً تخريب كل معني وقور، كل التزام أخلاقي هش منبته الخوف من الآخرين أو من عقوبات المؤسسة بأشكالها. ما نعتبره قبيحاً.
وربما تزامناً مع محمد ربيع كتب مصطفي الناغي، التسعيني الجميل، روايات قليلة بهذه اللغة نفسها ولا يجد بالطبع من ينشرها له ولا أظنه يطمح إلي قراء أكثر من أصدقائه المبدعين، ومهما اختلفنا حول القيمة الأدبية والفنية _ وهو اختلاف مشروع دائماً وابداً - لأعمال الناغي أو الربيع أو غيرهما، لا يمكن الاختلاف حول حق أي مبدع بأن يقول ما يريد وكما يريد، مهما اعتبره الكهنة والسدنة مجافياً للذوق أو إباحياً أو مجدفاً كافراً، التهم نفسها التي طاردت ربيع في حياته، حتي بلغت مستوي المطاردة الأمنية في بني سويف.
إلي جانب اللغة المكشوفة والصريحة، شن محمد ربيع في أغلب رواياته حرباً شرسة علي الجدية بكل رموزها، لا يمكن ألا يستغرق في الضحك من يقرأ مثلاً مؤامرة علي السيدة صنع الله، حيث يلتحم تبجيل العاشق لمعشوقته السيدة صنع الله، ونكران كل قبيح في حقها، بممارسات هذه المعشوقة الجنسية شديدة السخاء مع الجميع. أو سخريته المريرة من المتشددين والأصوليين في آخر أعماله ناس أسمهان عزيز السريين، متخيلاً تفاصيل الحياة الجنسية لابنة أمير جماعة الإخوان المؤمنين، ومفارقة استخدام الإيمان الشكلي والمحفوظات الدينية كغطاء شفاف لأغرب الأفعال والفانتازيات الجنسية. لا يمكن الخروج بهذه التأويلات مطمئنين بعد قراءة روايات ربيع، لأنه لا يشير لها بالتصريح أو التلميح، بما أنه يستسلم كليةً للعبة الكتابة ومتعة الحكي المفارق والمجنون، فلا يبني ليخبرنا بموعظة نهائية في نهاية العمل، بل يبني ليهدم ويخرب الأبنية المستقرة الراسخة في وعينا ولاوعينا أيضاً، مخلصاً لنهج الرواد الحقيقيين وهو الخروج علي الجماعة والإجماع، بلا عودة.
محمد عبد النبي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.