كيف يمكن أن نستخلص شيئاً من الزمن؟! كنا نحاول تشريح عشر سنوات، وتقطيرها، وكذلك استخلاص حكمة منها .. أي معرفة ما فعلته السنوات العشر بالكتابة، وما فعلته الأخيرة بها؛ وبنا! خلال الفترة المرصودة تكونت، علي مهل، ذائقة جديدة، استفادت من الثقافة البصرية بدرجة كبيرة، كما ساهمت تجربة التعامل مع وسيط جديد مثل الإنترنت في تطوير فكرة السرد بشكل ملحوظ. هناك تفصيلة خاصة برصدنا للسنوات العشر، أننا ركزنا علي أن يكون المعيار لتقييم التواجد بصدور الكتاب الأول للمؤلف، مع مراعاة عدة استثناءات يفرضها المشهد. العملية كانت صعبة، بل مستحيلة كذلك.. بكم عدد من أخبار الأدب يمكننا نقل بحر من أمواج الكتابة الجديدة، والكتابات الراسخة في محاولتها التطور وتقديم الجيد في الألفية الجديدة، وكذلك التولّد الأخير لمشاريع مؤجلة منذ التسعينيات، والثمانينيات أيضاً. هناك استثناءات، ليست بالقليلة، لكتّاب كانت الولادة الحقيقية لهم في فترة العشرة أعوام، لكننا لا يمكننا إلا نتوقف عند رواية مميزة مثل»قانون الوراثة« لياسر عبد اللطيف. كما أن الكتّاب الكبار تفاعلوا مع الجدد، كانت مجموعة بهاء طاهر الجديدة "لم أعرف أن الطواويس تطير" نقطة تحوّل غيرت مسار الكتابة والنشر. هكذا عادت القصة بقوة للمشهد في العام الماضي. كما أن السنوات الخمس الماضية شهدت عودة العديد من الغائبين.. نحن في تأملنا للمشهد خلال عشر سنوات سنجد أننا لا نبحث عن إجابة سؤال عن الجيل، ولكننا مدفوعون لرصد أوسع لعشر سنوات من أرشيف الكتابة الحيّ. خرجت بعض الكتابات من شروط النص الروائي، إن كانت هناك شروط باقية حتي الآن، ومغامرة البعض خارج التصنيف هكذا ظهر نص مثل "كلبي الهرم كلبي الحبيب" للراحل أسامة الدناصوري، أو "بيروت شي محل" ليوسف رخا.. الجرأة كانت محصورة علي الموضوع، لم يتجرأ الكثير من الكتّاب علي النوع. تحولات كثيرة، وكتّاب كثر، ونصوص جيدة.. نحن أمام بانوراما تستعصي علي التجزئة والتقطير والتصنيف.. محاولات خجولة تمت لدمج الصورة مع الكتابة، منها "حبة هوا" لوليد طاهر، مطبوعة "م الآخر" لجورج عزمي وجنزير، والمحاولة الصرف لتقديم الجرافيك نوفل، انتهت بالمصادرة (نحن نقصد "مترو" لمجدي الشافعي). لهذا فإن الرصد صعب، والسنوات المرصودة، لا تحوي كتاباً جددا فقط، وإنما كانت ميداناً لكتابات الجميع. عرفنا، في 10 سنوات، تجارب جيدة لتطويع النص الروائي لمتطلبات اللحظة الراهنة، والتعبير الجديد.. ما أصطلح عليه بالكتابة الجديدة، وهو مصطلح مراوغ وفضفاض، بل أنه لا يخبر بشئ إلا الكسل والفشل في التسمية! هكذا سيطرت الرواية، التي اصطلح عليها بالجديدة، والمقصود بهذا المصطلح تاريخ الصدور علي ما يبدو. ظلت الكتابة تصب في خانة الرواية، مما أثر علي النشر والجوائز وكل شيء، في حين أن الشعر أهمل، والمسرح شهد مواتاً جديداً علي مستوي النص والعرض كذلك.(ألم ينته المسرح كفن!؟) وبقيت الرواية مسيطرة، رغم ذلك تقلص الحجم، ربما لزيادة الكم في السنوات الماضية، تقلص حجم الرواية، النصوص كانت صغيرة، عوالم روائية مختصرة ومحدودة، بينما كان صغر الحجم جذاباً للمبيعات ظهر كتّاب جدد، في أعمار كبيرة، بالطبع كتابة الرواية ليست بالسن، لكن تأمل فكرة الجيل في الفترة الماضية من 2000 إلي 2010، ستضعنا أمام أزمة تصنيف من نوع آخر، لدينا مثلاً يوسف زيدان، وفقاً لتاريخ صدور أعماله، ما موقعه بين أحمد العايدي، ومحمد صلاح العزب، وطارق إمام؟ القاص، والروائي محمد إبراهيم طه، فرضته كتابته الآن مع محمد الفخراني، هدرا جرجس، وآخرين. في ظل صعود الرواية، ومحاولة القصة الناجحة في السيطرة، والغزو الشعري عبر دار النهضة ببيروت، رفع القراء من قيمة الكتابة الساخرة، التي ولدت كتاباً اتجهوا للرواية، وشعراء اتجهوا للسخرية، متخلين عن ثقل القصيدة لخفة الدم.. هكذا وضعنا مرور السنوات أمام مشكلة جديدة، قريبة جداً من المشكلة التي عشناها في السنوات الماضية، الخاصة بمصطلح الكتابة الجديدة، والمشكلة الجديدة أننا اعتدنا، في ثقافتنا العربية، والمصرية علي الأقل، علي اعتبار كل عقد جيل، كلما مرت علينا تسع سنوات وسنة، نضع نقطة ونبدأ الكلام عن جيل جديد. من واقع القراءة، فقط، سنجد أن هناك مجموعة جيدة من النصوص لا تعبأ بفكرة رسالة الكاتب، ولا بالسياسة، ولا بأي قضية أياً كانت. يتمني أصحاب تلك الكتابة أن تخلو الدنيا من الانحياز للفقراء، والهجوم علي الأغنياء، وأن الكاتب لا يعيش إلا بالعشوائيات، ولا يهتم إلا بالهامش، هي كتابة تطمح لتحقيق المتعة فقط من ناحية. ومن ناحية أخري تتشبع هذه الكتابة، أيضاً، بروح ساخرة، أراها تتناسب مع طبيعتنا، ورغم ارتكان هذه النظرة إلي الصورة النمطية للمصري بوصفه "ابن نكتة" مثلا، وخفيف الدم، وساخراً من كل شيء، إلا أنها صحيحة. أري أن هذه الكتابة تشترط معادلة صعبة مثل الخفة، التي لا تخلو من الثقل أو أن تكون الكتابة دراما ساخرة، كوميديا سوداء مثلا.. فلتسمها ما شئت. لكننا إذا تأملنا المشهد مرة أخري سنجد أن هناك كتابة تهتم بالقضايا، وتعيش في الهامش، وتتناول كل هذا، ولكن، بعذوبة.. أو برغبة لدفعك للتقزز. هناك أيضاً كتابة تستخدم الفانتازيا، وتستند بشكل أساسي علي الخيال.. وهناك البوليسي، أو ما يفترض أنه يستخدم تيمات هذه الكتابة لصناعة حالة من التشويق.. مع مرور الوقت، أظن، سنجد أن هناك طرقاً للكتابة، طرقاً تخص كل كاتب، قلائل من استطاعوا أن يحققوا هذا. يمكنك أن تتعرف مثلا علي كتابات إبراهيم أصلان، ومحمد المخزنجي. كما أن القصة تعرف طريقة بهاء طاهر.. لكن إذا حاولنا ضرب أمثلة سنجدنا نتكلم عن طرق حكي، وليس أساليب كتابة.. هذا الكلام سيقودنا لطرح السؤال المتوقع: أليس من حق الكاتب أن يستعين بكل شئ ليكتب نصه؟ حياة الكاتب، إذا أردنا وصفها، أقرب لنحلة، تشتم الرحيق الجديد، وهذا الرحيق تختلط فيه كل الروائح، وتستخلص منه النص الجديد.. هل هناك جدوي من تصنيف الكتابة في خانة السخرية، الفانتازيا، أو الواقعية، أو الهامش أو غيرها؟ أم أن المعيار في النهاية خاص بالمتعة، والذائقة قبل كل شئ.. هل السخرية أهم من حياة ابن بواب تم رفضه في كشف هيئة مثلا أم أن حكاية مرت بخيال كاتب أهم من حكاية حدثت بالفعل في التاريخ؟ لماذا نقارن أشياء لا تصلح للمقارنة ببعضها البعض، إذا تأملنا حيثيات أي جائزة تمنح للرواية الآن لن نجد نقداً للعمل، بل سنجد تبريراً مطولاً من جانب لجنة التحكيم، أنها اهتمت بقضية كذا أو ناقشت الموضوع "الفلاني" بعذوبة.. هل قدرة النص علي تحقيق متعة أمر ليس كافياً، ما جدوي الأدب، ولماذا سيقرأ إذا لم يكن ممتعاً!؟ لن أقول أن المشهد يصعب رصده، أو أن النصوص يصعب تصنيفها في جيل، بل أتمني أن تستمر هذه الكتابة، أن يتابع الجدد والقدامي الكتابة، حتي نستمتع فقط. كلمة أخيرة، واعتراف كذلك؛ وجدنا أن أغلب الزملاء متواجدون في تلك الفترة ككتّاب، وقد حاولنا الموازنة بين هذا التواجد وحيادُنا كعاملين بالصحافة، وقد حاولنا قدر الإمكان.. وفي النهاية أردد مع عبد المالك زرزور (محمود عبد العزيز في فيلم "إبراهيم الأبيض") ما قاله أن الإنسان مننا ضعيف! أحمد وائل