لدينا مجموعة اقتصادية في الحكومة الحالية تضم شخصيات بارزة، كل في مجالها، لكن مصر تحتاج الي مجموعة ثقافية موازية سوف يكون ناتج عملها مفيدا للاقتصاد، اقترح أن تضم هذه المجموعة ثلاث وزارات ، الثقافة والتربية والتعليم والاعلام ويمكن ضم التعليم العالي أيضا، مهم أن يكون لدي هذه المجموعة رؤية واحدة، وهدف استراتيجي، أما الرؤية فهي تركيز الجهود المبعثرة الآن ضمن اطار واحد يستهدف خدمة النشاط الثقافي والحضور الثقافي لمصر في الداخل والخارج، الوزارات موجودة بالفعل، وكل منها تؤدي دورها، وكلها تنتمي الي حكومة الحزب الوطني، لكن لا توجد علاقات بين هذه الوزارات ولا تنسيق ولا سياسة موحدة تحكمها الرؤية الثقافية التي توجه سياسة مصر الثقافية، بل إن المطّلع علي خفايا الأمور سيجد أن بعض هذه الوزارات منفصلة تماما، وتكاد العلاقة بين بعضها البعض تكون منقطعة تماما، علي سبيل المثال العلاقة بين وزارتي الثقافة والتعليم العالي باردة ان لم تكن سيئة، والتعليم العالي يتبعها المستشارون الثقافيون الذين يمثلون مصر وثقافتها في دول العالم، والمتتبع للطريقة التي يتم بها اختيار هؤلاء سيجد انها ذات منظور ضيق، لسنوات طويلة كان الاختيار يتم من كليات الحقوق، ثم أصبح من الهندسة وهذا مستمر حتي الآن، وقد شاركت العام قبل الماضي في اللجنة التي اختبرت المتقدمين الي مواقع المستشارين والملحقين الثقافيين، وضمت اللجنة شخصيات بارزة وكان العمل مخلصا ومنهكا، وتم اختيار الأفضل، غير انني خلال زياراتي الي بعض البلدان فوجئت أن بعض من تم اختيارهم لم يعينوا في مواقعهم، وبالسؤال اتضح أن الوساطة تدخلت، المستشارون الثقافيون في الخارج يجب أن يتم اختيارهم بدقة لأن هذا هو المجال الأرحب للعمل الوطني الآن استنادا الي الميراث الثقافي الطويل الذي هو مصدر التأثير المصري في العالم، وهذا مختلف عن الدور السياحي الذي يستثمر التاريخ القديم لمهد الحضارة الانسانية، لكن بلد في مثل ثراء مصر الثقافي يحتاج الي أساليب والي رؤي مختلفة، المستشار الثقافي يجب ألا يكون موظفا يشغل مكانة لزيادة دخله أو للحصول علي وظيفة ممتازة، انما يجب أن يكون أقرب الي تكوين المناضل صاحب الرسالة، لا أنكر أن البعض كان يمارس عمله بهذه الصفة ولديّ أمثلة، ولكن الصورة العامة هي تراجع هذه المواقع وتخلفها، وتكون نتيجة فادحة اذا كانت البلدان مهمة. في هذه المواقع يجب أن يتم اختيار مثقفين كبار اقتداء بتجربة أمريكا اللاتينية التي أرسلت كبار مبدعيها الي باريس مثل بابلونيرودا وأوكتافيوباث، والبرتغال التي أرسلت أبرز شعرائها المعاصرين نينوجديث الي باريس وفي نفس الوقت كان المستشار الثقافي المصري أستاذاً جامعياً يمت بصلة قرابة الي مسئول برلماني كبير ولم يكن له أي صلة بالثقافة الفرنسية، جري ذلك في باريس أهم مركز ثقافي في العالم، ولحسن الحظ تولت المسئولية سيدة فاضلة ونشيطة ، أعني الدكتورة كاميليا صبح التي بثت الحيوية والنشاط في المركز الثقافي وفي الدور الذي كان مفتقدا، موضوع المستشارين الثقافيين سأعود اليه مرة أخري، ولكن المنطقي أن يتبعوا وزارة الثقافة وان تقوم عدة مراكز ثقافية في العالم علي غرار أكاديمية روما، ومما يثير الدهشة أن تخلو نيويورك من مركز مصري يمكن أن يكون له دور كبير علي جميع المستويات. لقد نشرت أخبارا عن بروتوكول للتعاون تم بين وزارتي الثقافة والتربية والتعليم، واستبشرنا خيرا، لكن من خلال المتاحف وحركة الزيارات فيها يمكن القول إن هذا مازال حبرا علي ورق، فلا توجد رحلات مدرسية تتقاطر علي المتاحف كما كان الشأن حتي الستينيات، كانت الرحلة عنصرا أساسيا في العملية التعليمية، ومن خلال الرحلة يتعرف الطلاب علي تاريخ وطنهم ومضمونه الروحي، الآن نجد وضعا غريبا، وزارة الثقافة تبني متاحف والجمهور المفترض من مختلف المراحل التعليمية منقطع عنها، المادة الثقافية المنتجة في مصر يجب أن يكون لها مكان فسيح في برامج التليفزيون المصري، ويمكن القول إن تقديم البرامج الثقافية مايزال يعتمد علي الرؤي القديمة البالية وأبرزها حوارات المقاعد الجامدة، بينما نجد أن الثقافة في المحطات العالمية مصدر جذب لا ينقطع، وأضرب مثالا بقناة »الناشيونال جغرافيك« والتي قامت أبوظبي بعمل عظيم عندما اشترت حقوق بثها بالعربية، وكذلك منظومة قنوات ديسكفري ، الثقافة والتعليم والاعلامي، ثلاثي يجب أن ينخرط في منظومة واحدة ذات رؤية محددة هدفها اثراء الدور الثقافي المصري و مخاطبة العالم من خلاله، هذا الدور الذي لم يعد لنا غيره.