الرئيس السيسى يهنئ ملوك ورؤساء العالم بعيد الميلاد المجيد    وكيل تعليم البحيرة يتابع انتظام الدراسة بعدد من مدارس حوش عيسى والنوبارية    تفاصيل البروتوكول الموقع بين القومي لحقوق الإنسان والنيابة الإدارية    وزيرة التنمية المحلية والقائم بأعمال وزير البيئة تبحث التعاون المشترك مع منظمة الفاو في تنفيذ مشروعات بيئية ذات بعد اجتماعي مستدام    لأول مرة منذ عامين.. قناة السويس تشهد عبور سفينة الحاويات العملاقة CMA CGM JACQUES SAADE|صور    البورصة تربح 17 مليار جنيه بختام تعاملات جلسات منتصف الأسبوع    وقف إطلاق النار في مهب الريح ..الاحتلال يعمل على تهجير الفلسطينيين بتفريغ قطاع غزة من مقومات الحياة    هالاند يهدد رقم برونو.. قائمة المرشحين لجائزة لاعب الجولة بالدوري الإنجليزي    فتح: الصحافة العالمية تركز على المأساة الإنسانية في غزة    أمم إفريقيا - شوكويزي: كل لاعب إفريقي يتطلع إلى صلاح.. ويمكننا الفوز باللقب    سر زيارة وزير الرياضة ل الأهلي والزمالك اليوم    قرار جديد في الزمالك بسبب ناصر منسي .. تفاصيل    محافظ المنوفية يعتمد جداول امتحانات الفصل الدراسي الأول    انخفاض جديد في الحرارة وفرص أمطار خفيفة على مناطق من الإسكندرية    الدراجة النارية وسلاح أبيض.. حادث مضايقة فتاتين يتحول إلى قضية قانونية    "بريد الأقصر" يعلن إتاحة خدمة التصديق على المستندات بالتعاون مع وزارة الخارجية    تشييع جثمان الماكيير محمد عبد الحميد بحضور مصطفى خاطر وأحمد دواد    محمد منير يتعرض لوعكة صحية مفاجئة.. تفاصيل حالته الصحية    مليار مشاهدة.. برنامج دولة التلاوة فى كاريكاتير اليوم السابع    البحوث الفلكية تكشف موعد ميلاد شهر شعبان وأول أيامه فلكيا    الرعاية الصحية تعزّز خدمات طب وجراحة العيون التخصصية بمستشفى شرم الشيخ الدولي بأحدث تقنيات الفاكو    محافظ شمال سيناء يفتتح 6 وحدات صحية ببئر العبد    ننشر جداول امتحانات الصفوف الإبتدائية وأولى وثانية إعدادى في مدارس الأقصر    لافروف: فوز المدير الجديد لليونسكو العنانى بمنصب المدير العام مؤشر مشجع    انطلاق «أيام الشارقة المسرحية ال35» 24 مارس 2026    ضبط المتهم بإصابة شقيقه بطلق نارى فى قنا    الهلال الأحمر: توزيع أكثر من 7.8 مليون سلة غذائية لغزة بقافلة «زاد العزة»    محافظة سوهاج: إزالة 3 حالات بناء مخالف بقرى البلينا    غدًا.. انطلاق فيلم "طلقني" بدور السينما    مدرب الجزائر: ما حدث سابقا ليس مهما.. ونثق في الفوز ضد السودان    الخميس.. أبطال وصُناع «ميد تيرم» ضيوف منى الشاذلي على قناة ON    حبس متهم في واقعة تزوير منسوبة لنقابة المهندسين بأسيوط    عرض عسكري شعبي احتفالًا بعيد النصر في بورسعيد    رسميا.. السعودية تستضيف نهائيات دوري أبطال آسيا للنخبة مجددا    مدبولي يفتتح تشغيل محطة مياه الشرب بأرض المشتل بالصف ضمن مشروعات "حياة كريمة"    لو لقيت فلوس في الشارع تعمل إيه؟.. أمين الفتوى يُجيب    قرار عاجل من النيابة الإدارية ضد قيادات مدرسة لذوي الإعاقة بسبب واقعة هتك طالبين جسد تلميذة    أمريكا ترفع مكافأة الترحيل الذاتي للمهاجرين إلى 3 آلاف دولار    وزيرا التعليم العالي والتنمية المحلية يشهدان احتفالية انضمام ثلاث مدن جديدة إلى شبكة اليونسكو لمدن التعلم لعام 2025    وزير الثقافة يلتقي الفنان خالد الصاوي لبحث إنشاء المركز الدولي للتدريب على فنون المسرح    رئيس الوزراء يجرى حوارا مع المواطنين بمركز طب الأسرة فى قرية الفهميين    البابا تواضروس يستقبل الأنبا باخوميوس بالمقر البابوي بوادي النطرون    ارتفاع حصيلة اشتباكات حلب إلى 4 قتلى و9 جرحى    الاحتلال الإسرائيلي يواصل خرق اتفاق وقف إطلاق النار بأنحاء متفرقة من غزة    وزير الكهرباء يلتقي مع رئيس "نورينكو" لبحث التعاون المشترك في مجالات الاستكشاف والتعدين    بالفيديو.. الحمصاني: منظومة التأمين الصحي الشامل وحياة كريمة تمسان الخدمات الأساسية للمواطنين    "هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة " توضح آلية إتمام التنازل عن الأراضي والوحدات والمحال بكافة أنواعها بالمدن الجديدة    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 23ديسمبر 2025 فى المنيا    قرار جمهوري بتشكيل مجلس إدارة البنك المركزي برئاسة حسن عبد الله    وزير الصحة يشهد توقيع مذكرة تفاهم مع «فياترس» لتطوير مجالات الرعاية الصحية بملف الصحة النفسية    خطوات التصالح في سرقة الكهرباء    نظر محاكمة 89 متهما بخلية هيكل الإخوان.. اليوم    الجيش الأمريكي: مقتل شخص في ضربة جديدة لقارب تهريب مخدرات    أمم إفريقيا – حسام حسن يكشف سبب تبديل إمام عاشور.. ولماذا شارك عبد المجيد    «قرار لحمايته» حسام حسن يبرر استبدال إمام عاشور بعد نصف ساعة أمام زيمبابوي    محمد هاني: فوز مصر على زيمبابوي دافع معنوي قبل مواجهة جنوب أفريقيا    رمضان عبدالمعز: دعوة المظلوم لا تُرد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلاد تشيلنا وبلاد
نشر في أخبار الأدب يوم 03 - 12 - 2010


1
تحب أن تجلس إلي جوار (البابور) رفقة أمك وأختك (شيماء)، وتحب أمك حين تقول لك:
- انت راجل البيت... انت راجلنا.
لذة الرجولة تسري في بدنك الضئيل، تغار منك (شيماء) وتسخر من قدميك الهزيلتين وتقول:
- بقي ده راجل ده!ده عامل زي البرص.
وقتها، تزوم وتزأر كأسد جريح، تنتفض من مكانك وتنقض عليها، تحاول أن تمسك بها؛ فتختبئ هي خلف أمك وتستغيث بها. تحول أمك بينكما وتزعق وتصرخ ثم تبكي كثيرا وتنتحب، تلعن - أمك - والدك وتلعن الغربة وتسبّ لقمة العيش التي أدت إلي غربته. أحيانا تسمعها تناجيه وتشكو له من أفعال عماتك ومن ظلم جدتك، تحس أنت بالشفقة تجاه دموع أمك، تجلس علي حجرها وتربت علي ظهرها، تنظر هي لك وتبتسم، تحتضنك بقوة حتي تشعر بأن ضلوعك تتكسر، وتقبّل عينك تلك القبّلة اللعينة التي تكرهها. ثم تمسح مخاطها في طرف جلبابها، تضعك بجوار (البابور) وتقوم، تحمل (شيماء) وتُجلسها بجانبك. تقول أمك:
- صوت البابور بالليل بيطرد الشياطين.
تخاف (شيماء)؛ فتحاول إغاظتها. تقول:
- يا خوافة.
تنظر (شيماء) إلي أمك وتحثها علي التدخل؛ فتنهرك أمك قائلة:
- يا بني بطل شقاوة.. انت إيه! معجون بمية عفاريت؟ والله لو ماسكتش هبعت لأبوك وأخليه مايجيبلكش العجلة.
تقول متوسلا:
- خلاص... خلاص..أنا هقعد ساكت.
تضع كفك الصغير علي فمك، وسرعان ما تطلب (شيماء) حدوتة، والحواديت كلها متشابهة، تبدأ ب" صلي علي النبي" وتنتهي ب"وعاشوا في تبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات"، تكره أنت الشاطر حسن ولص بغداد وتحب حكاية أبو وش مسلوخ، في حين تحب أختك حكاية ست الحسن والجمال والأقزام السبعة، وفي الحواديت يسافر البطل إلي بلدان بعيدة، يسكنها ناس غرباء، يصل إليها البطل بعد رحلات تمتلئ بالمخاطر والعفاريت والعمالقة، غير أن البطل - في نهاية كل حدوتة - يعود من رحلته غانما ظافرا باللؤلؤ والمرجان والياقوت؛ ليبنٍِ قصرا ويتزوج الأميرة التي غالبا ما تكون ابنة السلطان، وترتجل أمك في الحكايات فتغير منها وتضيف لها في كل مرة، وتغير نبرة صوتها أثناء الحكي؛ فمرة يكون صوتها غليظا خشنا حين تتحدث بصوت المارد، ومرة يكون ناعما رقيقا حين تتحدث بصوت الأميرة.
تكتفي بالإصغاء إليها، وعيناك لا تفارقان شفتيها أبدا. تنام أختك قبل أن تنتهي الحدوتة كعادتها؛ فتحملها أمك وتضعها علي الكنبة الصغيرة. تتوسل إلي أمك كي تكمل الحكاية، ترفض وتخبرك أنها (تعبانة)؛ فتسألها:
- يعني إيه بلاد تشيله وبلاد تحطه؟
- يعني بيفضل ماشي لغاية ما يوصل للبلد اللي هو عاوزها.
ثم تطفئ النور وهي تُكمل:
- نام بقي..انت دماغك مصفحة زي أبوك!
ولكنك لا تنام، تغمض جفنيك فقط وتفكر في والدك، تتساءل: كيف سار حتي وصل للعراق؟ هل قابل في طريقه أية مخاطر؟ وماذا سيجلب لك بعد مجيئه؟... وتتذكر شكوي أمك للجيران حين تقول لهم: "سفره زي عدمه..من ساعة ما سافر مابعتش قرش..لولا خدمة البيوت كانت العيال دي ماتت من الجوع".
تعتقد أن أمك كاذبة، هي تكذب دائما. تقول لجدتك:
- أنا رايحة أزور أختي... وهاخد (عاطف) معايا.
ولكنها لا تصطحبك إلي خالتك، تخبرك بأنها ستجعلك تزور حديقة الحيوان وستشتري لك الحلويات التي تحبها، وهناك - بداخل الحديقة - تجد الرجل الغريب في انتظاركما، يبتسم في وجهك ويمسح علي رأسك، يلاطفك ثم يقول:
- بسم الله ما شاء الله...الواد بقي راجل أهو.
الرجل الغريب يجلب لك الهدايا والسندوتشات، يجلس إلي جوار أمك، يميل نحو أذنها ويهمس، فتضحك هي بصوت عالٍ وتدس السندوتش في فمه، يقضم منه قضمة كبيرة ثم يبتسم ببلاهة. وقتها - فقط- تتمني أن تنقض عليه، أن تركله في معدته حتي تقتله، غير أنك تغضب من أمك وتقول لها:
- أنا مش بحب جنينة الحيوانات....أنا مش عاوز أروحها تاني.
في المرة التالية، اصطحبتك إلي حديقة الأسماك، الرجل الغريب يذهب إلي هناك أيضا، في هذه المرة أحضر لك كرة: كبيرة، ملونة وجميلة.
فرحت بها، وأحببت الرجل الغريب، والدك لم يتنزه معك أبدا، ولا يحضر لك الهدايا. تلح أمك بعد كل لقاء:
- اوعي تجيب سيرة لحد.. أنا أمك حبيبتك.. أنا باخدك معايا عشان انت راجلي .. مش زي السوسة (شيماء) الفتانة.
2
حين يشتد العراك بين أمك وعماتك تفضل أن تختبئ تحت السرير، تجاهد لتمنع صوت السباب من اختراقك، تبكي بعنف، ليس خوفا من المعركة الدائرة علي سلالم البيت، ولكن لإحساسك بالمهانة والذل والقهر. تتساءل: لماذا لا ترحل أمك؟ لماذا لا تجعل (البلاد تشيلها وتحطها)؟
عندما تصارحها بما يدور في خاطرك، تقول لك:
- انت لسه صغير ما تفهمش حاجة... يا بني الحياة عذاب في عذاب.. والست من غير راجل تنهشها كلاب السكك.
غير أنك لا تقتنع بكلامها وتظل تحلم بالبلدان البعيدة، تحلم بالخير الوفير وابنة السلطان والجن الطيب والناس الغرباء.
3
اليوم -فقط - تعقد العزم علي الرحيل، تسر الأمر في نفسك، ولكن عند خروجك من البيت تخبر (شيماء) بمكنونك، وتحذرها من إفشاء سرك فتطلب منك أن تأتي معك، توافق.
علي ناصية الحارة يكمن الاختيار، تتردد قليلا ثم تختار الجانب الأيمن من الطريق، تلتقط كف (شيماء) وتبدآن في المشي. الحواري الضيقة تتلاشي، تمشيان في الشوارع الواسعة ذات الإضاءة المبهرة والسيارات المسرعة، تبهرك الشوارع الجميلة. بعد وقت طويل تذوب الشوارع وتجد نفسك في حوارِ ضيقة كحارتك، الناس هنا متشابهون، أطفال عرايا، ونساء تشبه أمك وعماتك يجلسن أمام البيوت ويتبارزن بالكلمات البذيئة والشتائم، كما كانت عماتك تفعلن مع الجيران... الجوع يمزق أحشا 1ءك و(شيماء) تمشي بجانبك صامتة كالحزن، تسأل نفسك: أين الجبال والصحاري والبلدان الجميلة التي يسكنها الجن، أين المارد واللؤلؤ والياقوت والمرجان، أين قصر السلطان والأميرة؟
ولكنك لا تتوقف عن المشي، الحواري الضيقة تتلاشي مجددا والشوارع الكبيرة تعود، وهكذا دواليك، تجد نفسك في دائرة مفرغة تعجز عن الخروج منها، شوارع واسعة ثم حوارٍ ضيقة، حوارٍ ضيقة ثم شوارع واسعة. الجوع يشتد والصداع يفتك برأسك، عيناك تبحثان عن مخرج من تلك الدوامة، وقدماك تؤلمانك بشدة، وأختك تنهنه وتنتحب ولا تكف عن ترديد عبارتها الثابتة:
- انت ضحكت عليا... أنا مش عاوزة بلاد تشيلني وبلاد تحطني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.