اختارت الرابطة العامة للأدباء والكتّاب الليبيين موضوعا مهما، لندوتها التي صاحبت اجتماع المكتب الدائم لاتحاد الكتاب العرب، أهمية الموضوع تكمن في طرحه عبر 58 بحثا قضية في غاية الأهمية في هذا التوقيت بالذات، تتعلق بالعلاقات العربية الأفريقية، خاصة في جانبها الثقاقي، وكيفية إحداث تقارب بين الثقافتين، استنادا إلي وجود جذور مشتركة وتحديات مستقبيلية تواجه البلاد العربية والإفريقية معا.. فتحت عنوان "الثقافة الأفروعربية في ظل الفضاءات الكبري: رؤية مستقبلية" يوضح إمراجع عطية أحمد من ليبيا أن هموم الثقافتين العربية والأفريقية واحدة وكذلك الأخطار، فالعادات والتقاليد لبعض الأفارقة هي جزء من العادات والتقاليد العربية كالزواج والطلاق والمعتقدات والتعابير والأمثال والحكايات، بالإضافة إلي أنّ ثلث الثقافة الإفريقية عربي وثلثي الثقافة العربية إفريقي، ومعاناة الثقافتين كانت واحدة بسبب الاستعمار الواحد: معاناة في التعليم والصحة والعدل والظلم وما إلي ذلك، والتغريب ومسخ الهوية، الامتداد الجغرافي الواحد، لذا يري الباحث ضرورة إيجاد صيغة ثقافية مشتركة لمواجهة خطر العولمة، وهو أمر يتطلب أن يتم الالتحام بين الفضاء الإفريقي والفضاء العربي بحكم امتدادهما وتاريخهما وهمومهما المشتركة. ومن السودان يؤكد د. الريح حمد النيل أحمد أستاذ التاريخ والحضارة المشارك بكلية الأداب بجامعة النيلين بالخرطوم علي دور المثقف الإفريقي في نشر ثقافة الوحدة ويتبني في بحثه فكرة "نحو إفريقية متّحدة قوية" ويقول:"إن المتأمل في موقف المثقفين الأفارقة من نشر ثقافة الوحدة ومواجهة ثقافة العزلة والانفصال يدرك أن عملا كبيرا في هذا الشأن قد تم إنجازه وكانت له نتائجه المؤثّرة علي مجمل العمل السياسي الوحدوي في القارة، وأن عملا آخر لا يقل شأنا وأهمية عما سبقه ما يزال ينتظر، وهو عمل يحتاج إلي تضافر جهود كل الراغبين في رؤية إفريقيا تتوحد في جسد سياسي واحد قادر علي لم الشمل الإفريقي لمواجهة تحديات المرحلة التي تمر بها القارة".. ويقدّم من وجهة نظره خمس توصيات لإحداث التقارب بين الثقافتين الإفريقية والعربية، منها توحيد جهود المثقفين الأفارقة في الداخل والخارج في عمل ثقافي موحد تشترك فيه النخب الإفريقية المختلفة لدعم ثقافة الوحدة في مواجهة ثقافة الانفصال، تبنّي وزارات الثقافة والمراكز الثقافية في الدول الإفريقية ونظائرها المهتمة بالشأن الأفريقي في الخارج طرحا وحدويا واضحا في مواجهة الطرح الانفصالي الذي تتبناه بعض الجهات الناشطة في الداخل والخارج، ثالثا: دعم الحكومات والسلطات الإفريقية في القارة ماديا ومعنويا وتخصيص الميزانيات اللازمة والكافية وتمكينها من عقد المؤتمرات والندوات واللقاءات التي تدعم التوجه الوحدوي في القارة. ومن الإمارات قدم د. صالح هويدي بحثا بعنوان "دور المؤسسات الثقافية في إنجاز صورة العلاقات الثقافية المنشودة" مشيرا إلي أننا لا نكاد نعرف إلا النزر اليسير عن الثقافة الإفريقية ولا سيما الجنوبية منها، علي الرغم مما تحتله من مكانة مرموقة بين ثقافات العالم، ويحظي أدبها وأباؤها بشهرة واسعة ويترجم أدبها إلي اللغات المختلفة، ويحصل عدد منهم علي جوائز مشهورة كجائزة نوبل للآداب، في الوقت نفسه الذي يجهل فيه الأفارقة الكثير من أوجه ثقافتنا العربية المعاصرة، مما يتطلب منا البدء بوضع خطة منهجية متكاملة لجعل ثقافة كل من الطرفين متاحة للآخر، لتذوقها والاطلاع عليها، تمهيدا لتجسير العلاقة الحقيقية فيما بينهما، لذا يمكن للطرفين تأسيس خطاب ثقافي بديل عن الخطاب الثقافي الكولونيالي، رافض لقيم التمييز العنصري ولمختلف مظاهر التمركز حول الذات والتهميش والإقصاء والاستغلال، بغية إعادة التوازن إلي الميزان الدولي المنكفئ و تضييق الفجوة التي أحدثتها الدول الكبري بين الشمال والجنوب". وطرح د. صالح هويدي من الإمارات تساؤلاً حول جدوي خلق بيئة للتلاحم العربي الإفريقي وأجاب عنه قائلا: "قد يتساءل البعض عن جدوي بناء مثل هذا الكيان، الذي يجمع بين عدد من الناس رغم اختلاف لغاتهم ومعتقداتهم وطبائعهم، وفي الحقيقة هو حصانة ضد التنازلات الكبري التي يمكن لثقافة ما أن تتعرض لها، نتيجة هيمنة قوة أخري، وكذلك حصانة للمبدع بشكل فردي لأن المبدع لم يعد يهمه التهميش الذي قد يتعرض له نتيجة مواقفه وأفكاره التي يؤمن بها". ومن مصر جاءت مشاركة د. سامي سليمان ببحث بعنوان ( تلقي الأدب العربي الإفريقي في العربية: ملامح الواقع وآفاق المستقبل) استعرض فيه الاهتمام المصري بالثقافة الإفريقية، الذي يعود إلي عقد الستينيات، أيام جمال عبد الناصر، وكذلك الجهود الفردية للمثقفين المصريين في التعريف بالثقافة الإفريقية، خاصة د. علي شلش صاحب كتب: الأدب الإفريقي، ألوان من الأدب الإفريقي، سبعة أدباء من أفريقيا، مختارات من الأدب الإفريقي، كما ألقي سليمان الضوء علي جهد المركز القومي للترجمة في نشر الثقافة الإفريقية، حينما أصدر 15 كتابا. ويضع د. سامي أجندة أولويات للعمل في الفترة الحالية للتقارب بين الثقافتين العربية والإفريقية: "علي المستوي القريب يستطيع اتحاد الكتاب العرب والاتحادات العربية المختلفة البدء من الآن في توسيع دائرة التعريف بالأدب والأدباء الأفارقة عبر تخصيص جزء في المواقع الإلكترونية له ولها للتعريف بالأدباء الأفارقة وإنتاجهم الأدبي، ويمكن الاستعانة في هذا الأمر بعدد من المتخصصين في الدراسات الإفريقية وبعدد من الأساتذة بأقسام اللغتين الإنجليزية والفرنسية من المهتمين بالأدب الإفريقي". وتطرقت الأبحاث _ أيضا- إلي دور المسلمين في إفريقيا، فجاءت دراسة خيرية محمد من ليبيا بعنوان "الإسلام وتأثيره الثقافي علي منطقة حوض تشاد"، "هجرة المسلمين الأوائل إلي الحبشة ودلالتها" الصيد أبو ديب، وغيرها من الأبحاث. توصيات الندوة: وقد أنتهت الندوة بمجموعة من التوصيات منها: دعم تأسيس اتحاد للأدباء والكتاب العرب والأفارقة، لتحقيق حلم القمة الثقافية العربية الأفريقية، الدعوة لإقامة مراكز بحث لدراسة العلاقات التاريخية العربية الأفريقية، وكذلك دعوة المفكرين والأدباء العرب والأفارقة لتدارس الأخطار التي تهدد الوطن العربي وأفريقيا، تبني مشروع جائزة أفريقية تمنح للأعمال الأدبية المكتوبة باللغات الأفريقية والعربية الأفريقية، إنشاء مكتبة إلكترونية عربية أفريقية تهدف علي توثيق التراث العربي الأفريقي وحفظه وصيانته، تشجيع التواصل العربي الأفريقي من خلال إنشاء قنوات مشتركة تبث فيها برامج هادفة لمصلحة الاتحاد العربي الأفريقي، الاهتمام بالتراث العربي الأفريقي المكتوب والشفهي وتدوينه وحفظه وتداوله بين الأجيال لخلق توازن مع تدفق الإعلام والثقافة الغربية نحو القارة السمراء، ضرورة الاهتمام بتاريخ أفريقيا القديم بما يمثله من أساس لمعرفة تاريخها الحديث والمعاصر، الاهتمام بطبع مؤلفات الأدباء والعلماء العرب والأفارقة ودعم نشر هذه المؤلفات لتشجيعهم علي التأليف الترجمة خدمة لقضايا شعوبهم، إقامة متحف دولي متنقل باسم "متحف أفريقيا" يضم مقتنيات الدول الأفريقية وآثارها، علي أن يتنقل هذا المتحف بين الدول العربية والأفريقية، إنشاء صندوق مالي تسهم فيه جميع الدول الأفريقية لتقديم الدعم المادي للحفاظ علي المدن التاريخية والتراث الأفريقي، إرساء مبدأ التعاون والتكامل بين المؤسسات العلمية العربية والأفريقية في إطار مؤسسات الاتحاد الأفريقي جائزة كما يؤكد المشاركون في ملتقي الأدباء والكتاب العرب والأفارقة علي تبنيهم أطروحات وأفكار القائد معمر القذافي لخدمة القارة وحرصهم ، علي التبشير بها. حضر افتتاح الندوة محمد سلماوي أمين عام اتحاد الكتاب العرب، أتوكوي أوكي سكرتير عام عموم إفريقيا، د. خليفة إحواس النائب الأول للأمين العام لاتحاد الكتاب العرب، د. محمد شرف الدين الفيتوري أمين اللجنة الشعبية لجامعة قار يونس.