ولقد نهزت مع الغواة بدلوهم وأسمت سرح اللهو حيث أساموا وبلغت ما بلغ امرؤ بشبابه فإذا عصارة كل ذاك أثام (1) أبونواس أراك علي بعد ما بيننا من حقب كأنك تقرؤني من وراء الحجب تحدثني عن لياليك تشدو تلهو بقصر (الأمين) وشيعته الأَقربين وسماره الأكرمين وإن قيل انهم الماجنون أَساري الجنون بَلَي.. إنهم أتقنوا فن عشق الحياة اتقوا صولة للمنون وخاضوا غمار السرور وبغدادهم زينة العالمَين تضم شَتات الزهور تؤلفها باقة واحدة وأنت تؤمُّ الندامي إلي سهرة حاشدة ولكنها قُرَّة للعيون أمانٌ لأهل الهوي وترنيمة للسحر تشتت شمل الشجون وريحَ الضَّجر بما حفلت من فُنون الغزل علي نُزُلِ في أعالي الجبل بمنأْي عن الأعُين الرَّاصدات بنتْه يهوديةٌ من سٌلالة (عاد) تبيع العُقار لزُوَّارها لِقاءً دراهمهم خِلسَةً دقَّةٌ.. دقَّتان فتدركُ أنَّ النُّواسي جاء وخِلاَّنهِ ليروُوا صدي الأنُفس الظَّامئات وتنظرُ من كُوَّةِ في الجدار وتفتحُ بابَ النعيم لرُوَّادِهِ إلي أن يؤذِّنَ ديكُ الصَّباح فينصرفونَ سُكاري إلي حَيِّهِم نَشاوَي بما قدَّمَه العجوز من الرَّاح تَشفي الجِراح ومن رقصات القِيان الغواني الحِسان وعزفِ علي الطبل والصَّنْج للساهرين ميامينَ تَسعد أوقاتُهم وتَندي الوجوه بماءِ الشباب فما بين دجلةَ والكرخِ (2) تصفو القلوبُ يفيضُ الفُرات وعلي الأرض سلام وبالحبِّ والوَجد تنتفضُ الذكريات ايا شاعرا عبقَريَّ القَلم قصيرَ الجبين بهيَّ السِّمات سكبتَ أرقً النغم علي مِعزفِ العربيةِ سيدّةَ الِلُّغات سجدْنَ لها لتضيءَ الحياةَ (3) وتُحيي الموات وتسطعَ شمسُ السُّرور لتْستشرف الكائنات سماءً مكَّللةً بنجومِ الحنين وإشراقة الياسمين أيا شاعرا لم يضلَّ السبيل ولكنه راَم أن يستلذَّ رحيق الوجود ويقطفَ من شجرِ الخُلْدِ زهرَ الوِصالِ بأحباِبه قبل فَوْت الأوان ويستلهمَ القابضين علي الجمرِ سر الصعود إلي فَلكِ العادلين وفردوسِ من نَعِموا باليقين فيهفو إلي رحلةِ في رحابِ النَّبي ليغتسلَ القلُب من وِزرِهِ في زمانِ الصِّبا وينهلَ من نبع زمزمَ كيما يُحرَّر من ظمأِ للشراب ومن نزَقِ واقتراب وسوءِ المصير أراكَ شددتَ الرحالَ إلي كعبةِ الأنبياء تعلّقتَ وجْداً بأستارها تهيمِ بأسرارها تناجيِ بديعَ السَمواتِ والأرض سرًّا وجهرًا (4) تناجيهِ حتي تنالَ ثوابَ الندم وتبرأ من حُرَقات الألم وتغنمَ مغفرة التائبين وراح زمانُ وجاء زمان وغال المشيبُ الشَّباب فأدرك صاحبُنا رُشْدَهٌ وتمني المتاب فوليَّتَ وجهَك تبغي نوالَ (الخصيب) (5) وطِيبَ النسيمِ علي النِْيِلِ في أرض مصرً مع الآمنين جوادا ركْبتَ أَم الرّاَحلة؟ وهل كنتَ وحدَكَ أم في حِمَي قافلة؟ وأيَّ طريقِ سلكت؟ أيَّ قومِ شهدت؟ ولُحونً عزفت؟ وضاقً بك الحشدُ أم ضقتَ بِهْ؟ وهل أنكرتكَ الوُجوه وأين أقمت؟