تقرير عبري: تصريحات متحدث جيش الاحتلال بشأن عدم إمكانية القضاء على حماس أغضبت نتنياهو    دى لافوينتى عن قمة إسبانيا ضد إيطاليا: مباراة تشبه النظر فى المرآة    رئيس وكالة الفضاء يتسلم أعمال الدورة 67 للجنة المعنية بالفضاء بالأمم المتحدة    ليل الفرنسي يعلن إصابة الجزائري نبيل بن طالب بأزمة قلبية    مصدر ليلا كورة: فيفا يخطر اتحاد الكرة بإيقاف قيد مودرن فيوتشر    موسم الحج ..أخطاء كارثية لحكومة الانقلاب تسببت في وفاة وإصابة وفقدان عدد كبير من الحجاج المصريين    محمود العسيلي يتألق في حفله ببورتو المنيا (صور)    وكيل صحة مطروح يستقبل فريق الإدارة المركزية للطب العلاجي    كريمة الحفناوي: جبهة الإنقاذ جاءت من أجل رحيل الإخوان    تعرف علي المبادرات التي أطلقتها الدولة المصرية لتدريب الشباب وتأهيلهم وتمكينهم    أعضاء اتحاد شباب كفر الشيخ فى زيارة إلى دار المسنين بسخا    كولر يتخذ قرارًا بشأن «العريس» قبل مباراة الأهلي والداخلية    خبر في الجول – موديست يقترب من الرحيل عن الأهلي بنهاية يونيو    جمارك مطار القاهرة تعرض 23 سيارة في مزاد علني    لطلاب الثانوية الأزهرية، موعد استئناف الامتحانات بعد إجازة عيد الأضحى    فيديو| غرق سفينة شحن يونانية استهدفها الحوثيون قبل أسبوع    محمود الليثي يحتفل بعيد ميلاد أحمد مكي على طريقة «الكبير أوي» (صور)    جالانت: الوضع شمال إسرائيل سيتغير بتسوية أو بعمل عسكري واسع    إحالة مديرى مستشفى "ساقلتة" و"أخميم" للتحقيق لتغيبهما عن العمل فى العيد    بخطوات سهلة.. طريقة عمل كفتة داود باشا    ديتوكس طبيعي يخلصك من دهون وسعرات لحوم العيد    موقف محمد صلاح.. الكشف عن تشكيل ليفربول للموسم المقبل مع آرني سلوت    رنا سماحة تعلق على نجاح أول ليلة عرض لمسرحية «العيال فهمت»    بعد انتهاء أعمال الحج.. علي جمعة يكشف عن آداب زيارة مقام النبي والمسجد النبوي    موعد صرف معاشات شهر يوليو 2024 بالزيادة الأخيرة.. كيفية الاستعلام وطرق الصرف    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج بكالوريوس الطب والجراحة (الشعبة الفرنسية) جامعة الإسكندرية    المفوضية الأوروبية تقترح موازنة بقيمة 270 مليار يورو لعام 2025    في أول مقابلة له كمدرب.. آرني سلوت: متحمس للتحدي الجديد الذي ينتظرني في ليفربول    إجازات شهر يوليو 2024.. تصل إلى 11 يومًا    حماس: سنعمل على تحرير كامل أرضنا وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس    انتشال جثة شاب تعرض للغرق فى نهر النيل بمنشأة القناطر    رؤساء لجان فى مجلس النواب ل«الشروق»: الحكومة الجديدة تواجه تحديات «جسامًا» تتطلب تغييرات جوهرية بأدائها    تفاصيل استراتيجية جديدة لقطاع الصناعية المصرية حتى عام 2027    الملحن محمد يحيى يشارك لأول مرة كموزع في أغنية تتحبي لعمرو دياب    تداول 74 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحرالأحمر    اللحمة ب 250 جنيهًا عند الجزارة «أم سعيد»    «بالألوان هنكافح الإدمان» بالحدائق العامة    النائب العام يلتقي نظيره الصيني على هامش زيارته للعاصمة الروسية موسكو    حماس: 40 طفلًا قتلهم الجوع بغزة والمجاعة تتفاقم نتيجة حرب الإبادة الجماعية    اليوم العالمي ل الأنيميا المنجلية.. 4 أعراض تكشف الإصابة بالمرض    حسن الخاتمة.. وفاة صيدلي من الشرقية أثناء أداء مناسك الحج    هل ينتهي الغياب المتكرر دون إذن إلى فصل الموظف من العمل؟    ما حكم ترك طواف الوداع لمن فاجأها الحيض؟.. الإفتاء توضح    مايا مرسي تستقبل رئيس الوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي    وزيرة الهجرة: نتابع موقف الحجاج المصريين والتنسيق مع الجهات المعنية بشأن المفقودين وعودة الجثامين    النيابة تندب لجنة من حى بولاق أبو العلا لمعاينة العقار المنهار    عيد الأضحى 2024.. "اليخت والبانانا والبارشوت" أبرز الألعاب المائية بشواطئ مطروح    بسمة بوسيل تطرح أغنيتها الثانية هذا العام بعنوان "قال في حقي"    3 أبراج فلكية تكره النوم وتفضل استغلال الوقت في أشياء أخرى.. هل أنت منهم؟    ما هي علامات قبول الحج؟.. عالم أزهري يجيب    تنسيق الثانوية العامة 2024.. تعرف على درجات القبول في جميع المحافظات    في رابع أيام عيد الأضحى.. جهود مكثفة لرفع مستوى النظافة بشوارع وميادين الشرقية    علي جمعة ينصح: أكثروا في أيام التشريق من الذكر بهذه الكلمات العشر    تعرف على خريطة 10 مشروعات نفذتها مصر لحماية الشواطئ من التغيرات المناخية    ما هي الأشهر الحرم وسبب تسميتها؟    أول تعليق من اللاعب محمد الشيبي على قرار المحكمة الرياضية الدولية | عاجل    استشهاد 7 فلسطينيين فى قصف إسرائيلى على شمال غربى مخيم النصيرات وغزة    ناقد فني: أعمال عادل إمام توثق مراحل مهمة في تاريخ مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السفر في الذاكرةالسحرية للخراب
نشر في أخبار الأدب يوم 23 - 10 - 2010

شاعر استيقظ بعد نهاية العالم ليعيد بينما يتجول وسط الجثث والأنقاض كتابة التاريخ.. هكذا بدا لي (سيف الرحبي) في ديوانه (حيث السحرة ينادون بعضهم بأسماء مستعارة) والصادر مؤخرا عن دار الصدي.. لكن إعادة كتابة التاريخ في شعر (سيف الرحبي) هي في المقام الأول ربما نوع من إعادة الخلق والتكوين ومنح حياة مختلفة وبالتالي التورط في مغامرة موت مختلف.. هنا ينبغي بشكل ما مراعاة أن الاختلاف قد لا يعني بالضرورة الانفصال والقطيعة بين الخلق الشعري وبين الواقعية المجردة للماضي في حدوثها المحايد بل تحفيز الطاقة العميقة الكامنة لبلاغة توهماتها ولتجلياتها المجازية المتعددة التي تكشف الصلات المحتملة بالمطلق وبالغيب وبالغموض الكوني.. ما يمكن ملاحظته أيضا هو أن (سيف الرحبي) يؤدي هذه المهمة عبر تكليف الموتي والأشباح والكائنات المعذبة بكوابيس الوجود بتنفيذها كأن التوحد الذي يمارسه معها أقرب إلي طقس صوفي تغيب فيه الذوات داخل جوهر واحد مشترك.. استدعاء لأرواح قديمة كي تبوح بذاكراتها الخاصة عن الأحلام والهزائم بوعي أن للخراب آفاقا متشعبة تمتد في الزمن ومشحونة بتخيلاتها الباطنية التي تحتاج لتحقيق ازدهارها داخل لغة لائقة.. إذن الأوهام الذهنية التي يفجرها إدراك حسي متجاوز في مقاربته للعادي هي القيمة المختصة بإنتاج اللعبة اللغوية ودعمها وتطويرها والتي يبدو بالطبع ل (سيف الرحبي) قاموسه الشخصي والراسخ بثراء متجدد من تجاربها وخبراتها المختلفة.. هذا أيضا ما يصنع الفرق الممكن بين الوهم البلاغي وبلاغة الوهم الذي تبقي لغته مشروطة بمدي قدرته علي تجاوز تقليديته وتخطيه لحدود الأفكار والمشاعر التي تبقيه مسالما في مواجهة العالم.. الوهم الذي يصنع بلاغته وليست البلاغة المجهزّة التي تستبق المعني والتي تفتقد حتمية أن تصنع وهما جماليا مع الأخذ في الاعتبار أن المعايير التي تميز هذا الفرق نسبية بحتة يفرضها الوعي الشخصي بكافة حساباته ومعادلاته التي تشكّل كيفية استيعابه للواقع والوهم.
(كان علي السفن والأرخبيلات
أن توجه أشرعتها
نحو الرحلة الكبري
معانقة أشباح الغابرين
من غير أمل في العودة)
يعيد (سيف الرحبي) حكي ما حدث فعلا كأنه يوثّق سيرة أسطورية للضياع.. السفن والأرخبيلات التي تذهب في رحلات فنائها بيقين اللارجوع تحت رعاية أشباح كل الذين سبق لهم القيام بهذا السفر.. كان عليها ذلك كأن سلطة غيبية مجهولة ترعي هذا القدر وتُخضع له كافة الموجودات ولا يريد (سيف الرحبي) أن يخبرك بذلك فحسب بل يريدك ربما قبل أي شيء أن تنزع التساؤل المختبيء في دلالة ما يروي والذي يسعي لفهم الحكمة التي تبرر هذه الرحلة الكبري بكل أبعادها وتفاصيلها المحتملة.. لكن ما هي السفن والأرخبيلات حقيقة ؟.. ما هي الرحلة الكبري ومن هم الغابرون ؟.. علينا الرجوع إذن لبلاغة التوهمات وللتجليات المجازية التي تكشف الصلات بالمطلق وبالغموض الكوني.. علينا الرجوع كي نتوقف أولا عن التعامل مع السفن والأرخبيلات والرحلة الكبري وأشباح الغابرين كتفاصيل محددة تنتمي لواقع جامد بل كرموز متخيلة تطمح لمغامرة ما مؤطرة بجموحها اللغوي وثانيا لكي ننخرط في لعبة التوهم باقتراحاتها الفلسفية اللامنتهية والتي سندرك معها أننا لا يمكننا الثبات علي إجابة معينة حيث الأسطورة التي يعيد من خلالها (سيف الرحبي) كتابة تاريخ العالم تجعل كل الإجابات صحيحة ووفقا لطبيعة مشاركتك في نسجها وما ستجعلها تكتسبه من إنسانيتك.. علي هذا فالسفن والأرخبيلات تصلح لأن تكون أمنيات وأحلام ومشاعر وهواجس وأسئلة أما الرحلة الكبري فتصلح لأن تكون الحياة والموت والمطلق والغيب والقدر أما الغابرون يصلحون لأن يكونوا الأسلاف الموتي والأحياء الذين نعرفهم والذين لا نعرفهم وأيضا الأمنيات التي لم تتحقق والأحلام المندثرة والمشاعر المهزومة والهواجس التي لم تصل ليقين والأسئلة التي لم يجاب عليها أبدا.
(ماذا عن حفيف الكوابيس لشجر يتمايل في نومه
عن رجال ينزلون من السماء
بأسلحة الإبادة
عن صراخ الأرامل يسري
في بهيم الليل الأخرس)
هذا الامتداد المنطقي لإعادة الحكي في قصيدة (كي تعود اليمامة) والذي ينبغي عليه أن يتوقف عن ذكر ما حدث كي يسأل عما يحدث.. رعب البصيرة الذي يربط بين خبرة الألم المتراكمة منذ الأزل وبين جروح الراهن.. السؤال الذي لا يقف عند تخوم الرغبة في معرفة الحد التي سيتوقف عنده الألم أو كشف حقيقته المحتجبة والجدوي التي علي أساسها يتحرك بهذه الكيفية.. السؤال يؤسس أيضا لفردوس ميتافيزيقي ملتبس لم يُمنح الفرصة للحدوث.. فضاء حلمي متواري ويقع خارج الكون ربما أو في أعمق نقطة داخل الروح ويستمد الدلائل والتأكيدات التي تشير إليه وتثبت وجوده من كل الأسباب الواردة التي تمنع تحوله إلي واقع : كوابيس الزمن التي تحملها الأشجار النائمة.. الرجال الذين يبيدون بأسلحتهم ما يوفر لليل ما يحتاجه للاحتفال بخرسه من صراخ الأرامل.
(كان علي رشفة الشاي أن تعبر
طريقا وعرا وطويلا
كي تصل إلي الفم)
إذا كان هذا حال رشفة الشاي فما الذي يمكن توقعه تجاه شرور العالم ومهازله ؟.. (سيف الرحبي) يضع إجابة هي أقرب لابتسامة تمتزج فيها السخرية بالحسرة.. هو الذي كان طوال القصيدة يبحث عن الخلاص من قسوة الدنيا وعذاباتها ويفكر ويتساءل بينما يرصد ويتتبع حماقات التاريخ والزمن عن المصير الذي سينتهي إليه القتل والكآبة والدموع واليتم والظلم والكراهية.. لكنه في النهاية يعلن كأنه يمرر حقيقة عادية متناهية البداهة أن أكثر ما يمكن أن يحدث بسهولة وببساطة كارتشاف الشاي مثلا هو في حد ذاته أمر غاية في الصعوبة والمشقة وبناء علي هذا لديك فكرة الآن عن شراسة المأزق الوجودي الذي يحاصرك ومدي قدرتك علي مواجهته ووضع حد لاستمراريته.
هذه الحالة من تأمل القهر والموت امتدت عبر قصائد الديوان وعبر شخصياته المختلفة.. في قصيدة (قوس قزح يمشي علي الأرض) نقرأ :
(يا من تموت باكرا
بعمر لا يتجاوز العشرين عاما
أي لغز في حياتك المحصنة وموتك السريع)
لأن الشاعر يحمل نفس الحياة وبالتالي فسؤاله عن نفسه أيضا وعن موته بالضرورة حيث اللغز الذي يريد حله ليس المتعلق بالميت ولا بالشاعر فحسب بل في المقام الأول بتخليص الحياة من الحصانة التي تحمي أسرارها وتضمن لها أن تظل طي الكتمان حتي الموت.
أيضا في قصيدته عن الأب والتي استخدم فيها (سيف الرحبي) الشكل السردي ليحكي مواجهة الأب مع الموت واللمسة الغريبة التي داعب بها أحد أحفاده في أيامه الأخيرة :
(فكأنما يد الشيخ أرادت أن تودع شيئا خفيا وخطيرا ، قطرة الحياة الأخيرة ، خلاصة المحن التي لا تبرح مخيلة الطفل في سنواته اللاحقة)
نفس السر الذي يحمله الموت السريع في القصيدة السابقة.. سر الحياة والألم ورؤي الاحتضار الدفينة.. هل يجدر بنا التساؤل في هذه اللحظة أين وضع الشاعر نفسه ؟.. في هذه القصيدة لم يكن (سيف الرحبي) يراقب أو يلاحظ فحسب.. كان حاضرا في روح الأب وفي روح الحفيد في آن واحد ويتأمل نفسه من خلالهما.. يتأمل حياته وموته ويحاول أن يعرف سره الخاص الذي يعرف جيدا أنه سر العالم.
الكتاب : حيث السحرة ينادون بعضهم بأسماء مستعارة
المؤلف : سيف الرحبي
الناشر : دار الصدي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.