أ _ تاريخ / الرّاوي: "الواقديّ (ت 207ه.)، اليعقوبيّ، الطبريّ، ابن البطريق، الإصطخري، المسعودي، المقدسي، ابن عساكر، أسامة بن منقذ، العماد الأصبهاني، ياقوت الحموي، ابن الأثير، أبو شأمة، ابن العبري، ابن فضل الله العمري، ابن خلدون، المقريزي، ابن شاهين، ابن تَغْري بردي، شمس الدين السّيوطي، مجير الدّين الحنبلي (ت 928ه). هؤلاء كلّهم رَسموا صورةَ القُدْس: وانتشوا بمعناها، وبشّروا به". ب _ تلخيص / المحلِّل "قالوا: ليست القدس في عقل المسلم وفي مخيّلته، أرضاً بقدر ما هيَ سماءٌ _ جَنّة. في صورتها ذابَ المسلم: أصبحَ موجوداً، لا في نفسه، بل في هذه الصّورة. وفيها خرج من نفسه، وراح يتشرّد في لغتها _ في اللّغة. كلامه عليها لا يصدر عن ذاته. يصدرُ عن هذه الصّورة، لكن بلسانه. بل إن هذه الصّورة _ المخيّلة هي التي تتكلّم". ج _ توثيق / الدِّين "من أرادَ أن ينظرَ إلي بقعةٍ من بقاع الجنّة، فلينظرْ إلي بيت المقدس". (عن: ابن عبّاس) أرضٌ _ في كلّ حَجرٍ تتناسَلُ دبّابةٌ، في كلّ شجرة تُعسكر قنبلة. فوقهما وَحْيٌ يتدلّي في شكل دُخانٍ أحمر. من المتوسّط، هذا البَحْر الواحد الأحد، يَنْبَجِسُ يَرَقانُ العَصْر. جدرانٌ تمتلئ بالأكوان كلّها وتفرغُ من جَميع الأَسْرار. فَضاءُ قَشٍّ وكبريت. وثمّة أصنامٌ تعقد أحلافاً ضدّ الكلمات. وثمّة دُميً تتذابَحُ تحتها. هنا وهنالك مَسْرحٌ لصلب البشر علي قرون الملائكة. مَهْلاً، أيّها الطّوفانُ الذي لا يحمل في فلكه إلاّ الجنّة. وانظري، أيّتها الفُلْكُ، هل تستطيعين أن تَري علي الضّفافِ، أو في الأعالي، رجلاً أو امرأة؟ اللّحظَةُ حديدٌ سَفّاح، وكلّ دَواءٍ داء. ثلاثَ مرّاتٍ، ارتجفت الأرضُ في فَم السَّماء. ملايين المرّات ارتجفت أفواه البشر. وليس لمجهول الكون بيضةٌ تلوّح لعجيزة أنثي نبويّة، أو تسقط ناضجةً في حضن ديكٍ إلهيّ. أظنّ، مع ذلك، أنني سأستقبل حافيَ القدمين، أنثي هذا المجهول في حديقة الشعر، ذات لَيْلةٍ مقبلة، وسوف نقول معاً ليد الحبّ: امشطي شعر القدس وقَدّمي لها مرآةَ الشِّعر لكي تتمرأي فيها. يا قدس، يا قُدْس. عجباً، لا تلدين إلاّ نفسَكِ، مع أنّ فَرْجَ الدّنيا يتأرجحُ بين فخذيكِ. لصَدركِ شكل القَبر، ولحنجرتكِ شكلُ القنبلة. أين الأغنية التي ستوحّد فصولكِ في نبضٍ واحد؟ أين الطّريق التي ستقرأ خطواتكِ كأنّها كتابٌ كريم؟ أسألكِ. وأعرف أنّ السّؤالَ هو نفسه الويْل. وماذا لو أحصينا عددَ الجماجم التي تدحرجت باسمكِ، في أنفاقِ التّاريخ وعلي مدارجه؟ ألن تكون كافيةً لكي نرفعَ سماءً أخري بحجم السّماء؟ هل نقول، إذاً، طُوبي للسماوات التي لا يَرويها هي أيضاً إلاّ دَمُ الأرض؟ وهل نقول: طوبي لهذه الأرض التي لا تقدر، احتفاءً بالسّماوات، إلاّ أن تكون مقبرةً؟ انتبهوا، أيّها العابرون. لكلّ منكم علي هذه الأرض هاويةٌ في تلك السّماء. آهِ، لو ترينَ، لو رأيتِ كيف تتمزّق رئاتُ البشر، أطفالاً وشيباً، رجالاً ونساءً، وتتبعثر باسمكِ بين أحْذيةِ السَّائحين وأكداسِ الصَّلوات. كيف تُرتَجلُ باسمكِ القيامةُ، وتنقلب أَرحامُ الأشياء إلي جُثَثٍ وأشلاء. كيف تَصْطَكُّ البيوتُ والشّوارعُ والأجواء في القَصْفِ الإلهيّ المتواصل تحقيقاً للنبوءات والرّسالات. كيف تلجأ الكائنات العَزْلاء، حشراتٍ وزواحفَ، هرباً مِن الهَوْل، إلي ظِلّ رجاء، أو إلي وِكْر دعاء. "لا تقتلوا الخفّاش، فإنه استأذنَ البحر أَن يأخذ من مائه، فيطفئ بيت المقدس حيث حرّق" (ولهذا الكلام هذه التتمة: "ولا تقتلوا الضّفادع فإنّ نقيقها تسبيحٌ). (عن: عبدالله بن عمرو بن العاص) آهِ لو ترين، لو رأيتِ كيف ينكسر الشَّجَرُ والزّهْرُ، وتنخسفُ الحُقول، وينقصِفُ السَّرْوُ، وكيف تحاول الأحجارُ نفسها أن تفرَّ إلي أحضانِ أمّها الطّبيعة، في أيّ اتّجاهٍ، في أيّ مكانٍ، بعيداً بعيداً عنكِ. وها هو الأفق يئنّ، والفضاء يرتعد، فيما يترصَّد الزَّلازل الآتية. كلّ نهاية بداية: لا شيء تعلّمينه إلي أبنائكِ إلاّ الموتَ. وما هذه الحياة التي لا تحيا إلاّ رهينةً في قَفَصٍ إلهيّ؟ كلاّ، لا أخافُ لا أخاف إلاّ من جموعكِ التي لا تعرف شفاهُها أن تَنْفصِلَ عن ثدي الموت. كأنّكِ فَرَسٌ يقاتِل بعضها بعضاً في ساحةٍ واحدة، في معركة واحدة، انتصاراً للواحد. فرسٌ كلّ عُضْوٍ فيها يرقصُ علي جثّةِ عضْوٍ آخر. يا لهذه المائدة المتواصلة: سلالةٌ لسماءٍ واحدة يأكلُ رأسُها قدميها، وتلتهم أنيابُها ما تَبقّي. هكذا تحرثين الفراغ، ولن تكون لكِ أيّة معجزة. ليس في جسدكِ غيرُ التصدّعات، ودمكِ في احتضارٍ بَطيءٍ، بِطيء. هل أَخْطأَتِ السّماءُ فيكِ، أم تعرفين مُخْطِئاً آخرَ أشدَّ غَطْرَسةً وفتكاً؟ وها هي نواحيكِ: لا تُقاس إلاّ بالأشلاء. صَمْتاً، صَمْتاً، أيّها الشاعر، قُرْصانٌ يُمْسِكُ بيَدِ القمر ويُهيّئ الزَّحْف. هل سيحدث، يوماً، أن تَشهقَ السَّماءُ غضباً، وتَصرخَ: كلاّ، لا رجاءَ فِيَّ، ولستُ السّماء؟