كانت الزيارة الوحيدة ليوسا إلي القاهرة في فبراير 2000 بدعوة من المركز الثقافي الإسباني وقد التقي بعدد من المثقفين المصريين في المجلس الأعلي للثقافة، كما سافر إلي الإسكندرية لإلقاء محاضرة هناك. وأثناء وجوده بالقاهرة طلب زيارة نجيب محفوظ ، واصطحبه المترجم محمود علي مكي بالفعل إلي فندق "شبرد" ودار بينهما حوار طويل . في البداية قال يوسا أنه قرأ " الثلاثية ". عرفه عليها ابنه ونصحه بقراءتها، كما قرأ واحدة من مجموعاته القصصية. وقد وصف يوسا محفوظ بأنه :"كاتب عالمي مهم لأنه يعد الامتداد المتألق للتراث العالمي للرواية، ومن ثم فهو يجمع بين أمرين هما المعرفة بهذا التراث الزاخر والتحديث". ومن الأشياء التي أثارت يوسا أن عالم محفوظ يتطابق مع عالم أمريكا اللاتينية: "هناك كثير من التشابه في الأوضاع الاجتماعية وطريقة الحياة". علّق محفوظ: "أعتقد أن هذا سبب اقتباس روايتين لي في أفلام مكسيكية" وقال يوسا: " هذا منطقي جدا لأن الحياة تكاد تكون واحدة". ثم تطرق الحديث إلي بورخيس وتأثير "ألف ليلة وليلة" . قال محفوظ:" لاحظت أن الأدب اللاتيني فيه روح ألف ليلة، الواقعية السحرية موجودة في "ألف ليلة" . علق يوسا: "هذا حقيقي لأن هذا النص له تأثير كبير في أمريكا اللاتينة ، إنها من الكتب التي قرأتها وأنا صغير، وكان يتم تدريسها في المدارس أيضا". أبدي محفوظ اندهاشه.. فقال يوسا: "كانت هناك ترجمات مختلفة لكل الأعمار، وكان بورخيس قد قام بدراسة طويلة عن ترجماتها للغات الأوروبية مما قوي الاهتمام بها". وقد اعتذر محفوظ عن عدم استطاعته حضور لقاء كاتب بيرو مع عدد من المثقفين المصريين لظروفه الصحية. فقال يوسا:"سأتحدث عن أشياء تعرفها وعانيت منها: كيف ولد الاهتمام بالأدب، رؤيتي للعالم، والمتعة التي أجدها في الكتابة وهي أمور أعتقد أنها مشتركة بيننا. وعندما سأله محفوظ عن علاقته بالأدب العربي. قال يوسا: "من الأشياء التي سحرتني في الأدب العربي وجود الحكّاء والراوي الشعبي، وهذا التقليد لا يزال ساريا ويدلّ علي غني وخصوبة الأدب العربي. وقال محفوظ: "أعتقد أن الأدب الحديث عموما وُلد من هذا التقليد". وردَّ يوسا: "لقد كتبت رواية قصيرة تدور في مجتمع صغير في قلب الغابة، فيها القصاص الراوي شخصية رئيسية مثلما في الأدب العربي". أما اللقاء نفسه بين المثقفين المصريين ويوسا بالمجلس الأعلي للثقافة وأداره الروائي إدوار الخراط فقد دار حول "الحرية".. بدأ اللقاء بتقديم الخراط واصفا التيمات الأساسية التي يدور حولها العنصري لكن يجب أن يكون الكفاح من منطلق ديمقراطي يدافع عن الحرية في المقام الأول". وأجاب علي سؤال حول مستقبل الرواية.. وحقيقة ما يثار بأنها ستنقرض كجنس أدبي: "من الصعب التنبؤ بمستقبل الرواية فهو أمر مجهول في الغيب. ثمة كثيرون يرون أن الرواية ستنتهي لأن القراء يفضلون الكتابة الخفيفة "اللايت" ولكن لو حدث ذلك واختفت الرواية فسيكون الوضع مؤسفا ومؤذنا بإفقار الأدب والحرية، لأن الرواية تسد نقصا في المشاعر الإنسانية، قراءة فوكنر وديستوفسكي تعوضنا عن أشياء كثيرة، حتي التاريخ في الروايات يتحول إلي شيء جميل. الواقع ليس مريضا، ويجعلنا في شوق دائم إلي الحرية وإلي تغيير العالم وتحسينه ، إن اختفت الرواية فإن هذه الروح النقدية ستختفي وستتجمد مشاعرنا وتتقبل كل ما هو قبيح في العالم". بعد هذه الندوة سافر يوسا إلي الإسكندرية بصحبة الناقد والمترجم حامد أبو أحمد الذي أجري معه حوارا مطولا ل"أخبار الأدب" تحدث فيه عن الإسكندرية "المدينة الكونية التي فتحت لي باب الشخصيات الأسطورية" وزار أيضا بيت كفافيس، والمسرح الروماني، عود السوارين والمتحف اليوناني الروماني. أدب يوسا بأنه : "يعالج تيمات مثل الحقيقة، والإثم، والبراءة واستحالة العدل المطلق في العالم الثالث". تحدّث يوسا عن الحرية في أعماله: "عندما بدأت الكتابة في خمسينيات القرن العشرين، كانت فكرة أن الأدب عامل تحول اجتماعي ذات حضور قوي ومارست تأثيرها علي جيلي. رواياتي الأولي كان بها هذا المعني، فقد كنت أنتقد فيها فظائع مجتمعاتنا في أمريكا اللاتينية، وأعتقد أنني نجحت في المساهمة في تغيير الأوضاع داخل بلادنا. في الستينيات اكتشفنا أن الشجب ليس كافيا. كان ينبغي الدفاع عن الحرية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من العدالة الاجتماعية فقد رأينا أن مجتمعات اشتراكية كثيرة تبدل مظالم بمظالم أخري.. وبادعائها أنها تدافع عن العدالة الاجتماعية حرمت الشعوب من الحرية. هناك كتّاب مثل كارل بوبر اكتشفنا من خلالهم ثقافة الحرية. وأضاف يوسا :"العدل إذن لم يكن قائما علي الحرية وكان ينتهي إلي مظالم أفظع من التي حاولنا القضاء عليها. في مقالاتي ورواياتي يظهر هذا الاتجاه ضد الاستغلال والتمييز