كيف دخل يوسا إلي عالم الكتابة؟ ولماذا قضي حياته كلها دفاعا عن "الحرية"؟ الحوار الذي أجراه معه روبرت مكرم في "الأوبزيرفر" يتناول تلك القضايا. _ ماذا كان إلهامك لكتابة رواية " حفلة التيس " ؟ يوسا : كنت قد ذهبت إلي جمهورية الدومينكان في عام 1975، لمدة ثمانية شهور ، أثناء تصوير فيلم مأخوذ عن روايتي " كابتين بانتوخا والخدمة السرية " . وقد سمعت خلال تلك الفترة وقرأت حول الطاغية تروخيو ، وكانت لدي فكرة رواية لها هذه الخلفية التاريخية ، وكان ذلك مشروعا طويل الأمد ، وبسببه ذهبت عدة مرات إلي جمهورية الدومينكان ، كي أقرأ الصحف وأحاور عددا من الأفراد : ضحايا ، أفراد محايدين ، ومتعاونين مع تروخيو . _ لكن إلي أي درجة ، كان ذلك الكتاب حقيقة حول آلبرتو فوخيموري ؟ يوسا : حسنا ، أعتقد أن هذا الكتاب يدور حول تروخيو ، لكن عندما تكتب عن ديكتاتور ، فأنت تكتب عن كل الديكتاتوريين ، وعن الديكتاتورية أيضا . أنا لم أكن أكتب عن تروخيو فقط، بل كنت أكتب عن كل ما يمثل ما خبرته من مجتمعات أخري أيضا. _ خصوصا من أمريكا اللاتينية ؟ يوسا : حين كنت في الجامعة ، خلال فترة الخمسينات ، كانت أمريكا اللاتينية مليئة بالديكتاتوريين ، وكان تروخيو هو رمزه الشخصي جدا . _ هل هو حب للجدل ، يكمن في طبيعتك ، أم هو أمر جوهري لموضوعاتك ؟ يوسا : لاتتماشي كتبي بسهولة مع القوالب الجاهزة . أعتقد أن هذا أحد التفسيرات . لقد حاولت دائما أن أكون كاتبا مستقلا . لكن ذلك لايعني أنني لم أكن علي خطأ ، بل ربما أخطأت عدة مرات . _ ماالذي جعلك تتجه إلي السياسة ؟ يوسا : حسنا ، لقد كنت دائما متورطا في السياسة ، لكن كمثقف . ثم فكرت خلال حقبة الثمانينات الماضية ، أن من الضروري أن أشارك في حقل السياسة ....وقد كان ذلك قرارا خاطئا . _ هل صدمك ذلك الفشل في أنه لم يستفد من أفكارك ؟ يوسا : حسنا ، لقد حدث ذلك ، لكن الأمر كان أسوأ من ذلك . ففي انتخابات ديموقراطية يمكن أن تفوز أو تخسر ، لكن ما حدث بعد ذلك كان مشوشا جدا . فاز فوخيموري في الانتخابات ، ثم كان ما فعله أن نسب لنفسه الإصلاحات ، التي كنت أعرضها . وقد ظل فوخيموري محبوبا لعدة سنوات . كما كان الأمر بالنسبة لتروخيو وبعض ديكتاتوريين آخرين . لقد كان ذلك صادما جدا .. _ هل تعتقد أنك وضعت ذلك الجانب وراءك ، حين كتبت " سمكة في الماء " ؟ يوسا : نعم ، بالتأكيد ، لأن الأدب يمتلك هذه القوة غير العادية . فأن تكتب عن شيء ، حتي لو كان ذلك أسوأ تجربة ، فأنا أعتقد أنك تكتسب بذلك تطهيرا ، وتشفي بشكل كامل ، وذلك طبعا بسبب من قسوته ، فساده ، تطرفه ، _ مثل حبكة رواية الخالة جوليا والكاتب يوسا : هذا صحيح . لكن حين دخلت الجامعة ، عرفت ما أردت أن أكونه ، وهو أن أصبح كاتبا . لكن في ذلك الوقت ، وفي مجتمع مثل مجتمعي ، كان من الصعب جدا أن تقرر أن تصبح كاتبا فقط ... حسنا ، كان ما حاولت أن أفعله ، هو أن أقيم أود حياتي بأداء أعمال أخري ، علي أن يكون الأدب هو اهتمامي الرئيسي ، لكن حياتي استنزفت بواسطة .. _ الصحافة ؟ يوسا : نعم ، لكن حين وصلت إلي أوروبا عام 1958 ، قررت أن أحاول أن أكون كاتبا ، وكرست وقتي وطاقتي للكتابة . وكان يمكن أن أظل أقوم بأعمال هامشية . وهكذا ، كانت تلك فترة هامة من حياتي . _ لقد جرك بعض من كتبك إلي المتاعب يوسا : أن مهمة الكاتب هي أن يكتب بصرامة وأن يدين ، كي يدافع عما يؤمن به بكل ما لديه من موهبة . أومن أن هذا اعتبار أخلاقي للكاتب ، لأنه لا يمكنه أن يكون فنانا مجردا . أعتقد أن علي الكاتب مسؤولية من نوع ما ، علي الأقل في أن يشارك في الحوار المدني ، لأنني أعتقد أن الأدب يحسن الأحوال إذا أصبح جزءا من برنامج الناس ، المجتمع ، والحياة . _ هل يفسر ذلك اتساع دور الكاتب العام في أمريكا للاتينية ؟ يوسا : أعتقد أن مداخلات الكتاب في الحوار العام ، يمكن أن تصنع فرقا . إذا انتزعت الثقافة تماما من سياق ما يجري ، فإنها تصبح مصطنعة وأعماله المسرحية . لقد اندفع إلي منحنيات خطيرة ، أصبحت عادية تماما لدكتاتوري ذلك الزمن _ فساد السلطة يوسا : لا يعتبر الديكتاتوريون كوارث طبيعية . هذا ما أريد أن أوضحه : كيف يصنع الدكتاتوريون بمعاونة عديد من البشر ، وحتي أحيانا بمعاونة من ضحاياهم أيضا . _ هل لديك استبصارا عن الديكتاتورية ، من خلال خبرتك السياسية ؟ يوسا : أضاءت لي سنواتي الثلاث ، التي قضيتها في السياسة ، كيف أن شهوة السلطة السياسية يمكن أن تدمر عقلا بشريا ، وتدمر مبادئا وقيما ، وتحول البشر إلي وحوش صغيرة . _ متي عرفت لأول مرة أنك تريد أن تكون كاتبا ؟ يوسا : لم أبدأ بالكتابة ، بل بدأت بالقراءة . وقد تعلمت أن أقرأ حين كنت في الخامسة . وأعتقد أن هذا هو الشيء الأكثر أهمية في كل ما حدث لي . ما هو نوع الكتب التي قرأتها ؟ يوسا : قرأت روايات مغامرات . لم يكن الأطفال ، في ذلك الوقت ، يقرءون مجلات رسوم هزلية ، بل كانوا يقرءون نصوصا مكتوبة . كما أتذكر المجلات أيضا . وقد بدأت أكتب امتدادات لتلك القصص ، بسبب من إحباطي لأنها انتهت . كما كنت أحب أحيانا أن أغير النهايات . هكذا بدأ الأمر بمثل ذلك النوع من اللعب .