إنَّهُ الماء ..

إنه الماءُ ..
مختزنُ الحلمِ والقَصَصِ المستحيلِ
وفاتحةُ الوصلِ بين الجهاتِ المبدَّدَةِ العابسة
إنَّهُ الماءُ
والبحرُ مفتتحُ الماءِ للطهرِ والبوحِ ،
تدخلُ بوابَةَ العالمِ العبقريِّ من الحلمِ
أفراسُهُ الدَّاهسة ..
ربما مرَّ في ذلك الشطِّ
يحملُ فرشاتَهُ شاعرٌ
جاء يبحثُ عن فرجةٍ في دَمِ الماءِ ،
عن فرصةٍ بالشطوطِ
ليرسمَ معشوقةً مائسة ..
ربما جاءَ يحملُ مشكاتَهُ كاهنٌ
كان يبحثُ عن ربِّهِ
في الشطوطِ التي تحرسُ الماءَ
والخضرةِ الزاهدة ..
فإذني يا عروسَ الشواطيءِ لي بالدخولِ
وهاكِ يدي ..!!
فخُذي طفلَكِ الغضّ للماءِ ،
كي تمسحي عن عيونِ البراءةِ
زُبْدَ التخوِّفِ ،
عشبَ الطفولةِ ، والنظرةَ اليائسة ..
الجنوبيُّ يا جارةَ الماءِ
يخشي مقاربةَ البحْرِ ..
رغم المشيبِ
ورغم الوقوفِ علي اليابسة ..
بينما البحرُ يدخلُهُ عنوةً ..
في دماءِ الأهازيجِ ،
في القصصِ المستحيلِ ،
وفي الريحِ ، والمطرِ الموسميِّ ،
وخارطةِ المدرسة..
مُذْ تفرَّقَ دربُ الحياةِ بأبناءِ آدمَ ..
والكوابيسُ تأخذُهم واحدًا واحدا
واحدةً واحدة ..
إنَّهُ الذّعرُ يفتحُ بابَ التوَجسِ بالصدرِ
كي تَخرجَ الحربُ من منبعِ الخوفِ
حْملها الماءُ في السُّفُنِ الحاقدة سُفُنُ الحربِ عمياءُ ..
لا تبصرُ الغائصين إلي القاعِ ..
ولا النارَ في القمحِ ،
ولا تبصرُ الشجرَ/ الشهداءَ ..
ولا تبصرُ المدنَ الهامدة ..
بينما البحرُ بالزَّبَدِ العاطفيِّ
يطهِّرُ مائدةَ الحربِ ،
بكي الشطوطَ التي تأكلُِ النارُ
والأسطحَ الساجدة .. إنّه الماءُ
يغسلُ رملَ الشطوطِ ،
يطهرُها من دمِ الشِّرْكِ ،
يرشدُ سربَ المصلينَ للقِبْلةِ الواحدة .. من هنا عبَرَ الأنبياءُ
وساروا علي الماءِ
يُعطونَ كلَّ الشطوطِ البشاراتِ ،
والأمنَ ، والكتبَ الخالدة ..
إنها مصرُ
مفتتحُ الانتسابِ إلي الماءِ والطينِ
مُدْخلُهُ للحضارةِ ،
مشرقُ فجرِ الضميرِ ،
وآياتُهُ المُرْشدة ..
النوارسُ تعزفُ للماءِ قصتَها ،
والمسلاتٌ تكتبُها،
والشعوبُ تهجتْ تواريخَها الماجدة ..
إنها اليوم تعطي لهذا الوجودِ المواثيقَ
بالحُبِّ والسلمِ،
تستشهدٌ الشعرَ والماءَ ..
والزرقةَ الشاهدة ...!