انتهى ذبح الخرفان.. امتلأت البطون باللحم.. ولم نعد نسمع (مأمأة) الخروف.. واتمسح دم الضحايا، من الشوارع.. انتهت الإجازة، وبدأت الأشغال. خلاص.. راح العيد الكبير، إلى حاله، لكن السؤال الأكبر، الذى يقيم فى رأسى، كلما انتهى عيد الخروف، كل عام، لماذا لم يفكر أحد فى (مأماة) الخرفان ؟! لماذا يطلق الخروف صرخات استغاثته، واحتجاجه، وفزعه، بكلمة (ماء)؟! لا أحد، فكّر، فى إن الصرخة، بكلمة (ماء)، قد تكون احتجاجا، غاضبا، مرعوبا.. صرخة بكلمة (ماء)، ربما تكون، هى أقصى تعبير عن (حب الحياة)، و(عدم تقبل) الذبح، نهاية.. لأن (الماء)، هو أصل الحياة، ف (المأمأة)، إذن، هى تعبير الخروف، عن رغبة البقاء حيا.. (المأمأة).. إذن، هى الطريقة الوحيدة، أو الصوت (العبقرى)، الذى اخترعه الخروف، لكى يبعث برسالته إلينا.. فالخروف، لم يجد سوى الماء، أصل الحياة، وسر الحياة، والمرادف للحياة، ويختاره، من دون آلاف الأصوات، ليكون (واسطة الخير)، أو (خيط الحياة)، بينه وبين أصحاب السكاكين، والجزارين، والمفاخرين بعشق رائحة الشواء الضانى. لم يفكر أحد، لماذا، (المأمأة)؟ لقد فكّر الخروف، المستضعف، العاجز عن النطق والكلام، ألا حياة بدون ماء.. وأن الأشياء التى تهجرها الحياة تموت.. وأن الشعوب، والحضارات، منذ البدء، كانت تتكون وتتجمع حيث توجد الأنهار، الجداول، والماء.. قال (نزار) إلى حبيبته : (سأظل أحبك، حتى يأتى زمن الماء). وفى أشعار أخرى يقول مصطلح (حضارة الماء)، المرادفة، لكل القيم الإنسانية النبيلة، حيث العدل، والحب، والسلام والتعاون، والحرية. وهطول الأمطار، عند شعوب كثيرة، كان - ومازال - مرادفا لقدوم الخير.. والرخاء.. وتوازن كل كائنات الحياة، فى تناسق وتناغم، ودليلا على البشرى السعيدة، والحظ الوفير. وليس صدفة، أن الفيلسوف اليونانى، طاليس (حوالى 600 ق. م) بعد محاولاته، لاكتشاف الجوهر المشترك، الذى خلقت منه السماء، والأرض، انتهى إلى أن، هذا الجوهر، هو (الماء).. وقال : (الماء هو أصل الحياة.. إن الرطوبة هى الحياة، وعدم وجودها هو الموت.. وكل الأشياء الحية، تخرج من البذرة الرطبة.. أما الأشياء الميتة، فتتعفن، وتتحول إلى تراب جاف. وعندما يتبخر الماء، يصبح هواء ونارا.. وإذا تجمد الماء، أصبح ثلجا، وصخرا.. ولذلك، فإن الماء هو الأصل). لأننى عاشقة للسباحة، وأمارسها يوميا لمدة ساعتين.. ولأننى على تواصل دائم يومى ب (الماء).. ولأننى فى علاقة حميمة عضوية، مع (الماء).. أعرف جيدا، اللذة، الغامرة، الطاغية، المركبة، المعقدة، حين يحيطنى (الماء)، من كل اتجاه. ليست تلك اللذة، إلا لأننى، وأنا فى الماء، قد عدت إلى الأصل. وأفكر جديا، وفق فلسفتى هذه، إننى لابد أن أدفن، ليس فى التراب.. ولكن داخل (الماء).. أريد أن أطيل الكلام عن فلسفة الماء وحضارة الماء، وزمن الماء.. وأخلاقيات الماء، وقيم الماء.. ولذة الماء.. وقوة الماء.. وحكمة الماء.. وأشياء أخرى كثيرة، متنوعة، تنطلق كلها من الماء.. ربما فى مرة أخرى. ما يهمنى الآن، هو الخروف، الذى يُبح صوته ب (المأمأة)، التى هى طريقة نطقه لكلمة (ماء)، ولا أحد يفكر، أو يتأمل، أو يبالى، أو يصدق أن للخروف إحساسا. لا أحد يكفر فى مشاعر الضحية.. الكل يفكر فى لحم الضحية.. أليس هذا التفكير، هو فلسفة العالم الدموى، المتوحش، مصاص دم البشر، ودم الحيوان، ودم الأشجار؟ العالم، يذبح البشر، والكائنات الأخرى، بأساليب متعددة، وتحت أسماء مناقضة لفعل الذبح. يقف العالم متفرجا، فى بهجة وزهو، على مذابح الناس.. ومذابح الحيوانات.. ومذابح الأشجار.. وكأن لا شىء يحدث.. وكأن كل الأمور على ما يرام. والضحايا، من كل نوع.. من كل عرق..من كل دين.. من كل مذهب.. من كل طائفة.. من كل شريحة.. من كل فكر.. هؤلاء الضحايا، ضرورة لا غنى عنها، لكى يستمر العالم، ويزدهر، كما هو بنظامه، العنصرى.. الدموى.. القاتل.. الهمجى. كم أكره هذا العالم، وكم أشفق كل عام، على الخرفان. لكنى لماذا أشفق عليها ؟ ألسنا جميعا، (مذبوحين)، لسبب، أو لآخر؟ والذبح بدون سفك الدم، لهو أكثر أنواع الذبح، ألما، وتوحشا، وإرهابا.. ومهانة. هذا العام، تحولت الخرفان، مثلها مثل كل الأشياء، إلى بيزنس، لكسب المال، وجنى الأرباح، والثراء، على حساب دم كائن، لا يملك من أمره شيئا. فى الجرائد هذا العام، إعلانات عن جمعيات، تنوب عن الناس فى ذبح الخرفان، قرأت عن (صكوك) الأضحية، وبحجم الضحية، يتحدد السعر، وأيضا هناك (النيابة)، فى ذبح لحوم (الصدقة) وتوزيعها، مثل الأضحية، والجمعيات ترسل المندوبين إلى (المنازل)، شرط أن يسجل (توكيل) لها، بتنفيذ المهمة، كم أكره هذا العالم؟.. المجد لك.. أيها الخروف المجد لكل أنواع ضحايا هذا العالم. من بستان قصائدى شيخ ما من شيوخ زمن النفط والتكفير والجهاد الإسلامى بالإرهاب والدم والتشهير يطالب بإقامة حد الحرابة وقطع أعضاء بعض من أهل ثقافة التثوير والتنوير ما هذا الذى يحدث ؟ والكل ساكت عن التعبير أنا أطالب بدورى بعزل هذا الشيخ ويُقام عليه حد إعاقة التنوير وحد التربح من حظر التغيير