Photo: Jean Pierre ما تزال ردود الأفعال تتواصل حول التعديلات التي قامت بها زارة التربية والتعليم في مناهجها.. وكثير من المعارضين لهذه التعديلات يرون أنها تشكّل علامة استفهام، فالمسئولون لم يبرروا الأسباب التي دعتهم لحذف أجزاء من المناهج، وهذا يعني أن إقدامهم علي تلك الخطوة يفتقر إلي الرؤية، فإذا كان حذف دروس الثقافة الجنسية قد تم مراعاة لقيم المجتمع أو تحت ضغوط التيار الديني المتشدد، رغم أن هذا مرفوض، فإنه لا مبرر لحذف دروس من مادة اللغة العربية، سواء كانت نصوصاً مسرحية أو شعرية. المحذوفات هذا العام مبالغ فيها، وفكرة الحذف لمجرد تخليص المنهج من الحشو لم تلق قبول المتخصصين ولا النقاد. ففي الوقت الذي تم فيه حذف خطبة قس بن ساعدة، وجزء من معلقة عمرة بن كلثوم من النصوص بالصف الأول الثانوي، لم تتم إضافة نصوص أخري. كما أن حذف دروس الأفعال الناقصة والتامة والأسماء الجامدة والمصدر الصريح وصوغ العدد علي وزن فاعل من النحو، يجعل المادة مشوهة تماماً. مناهج الصف الثاني الثانوي لم يسلم بدوره من الحذف: المقامة الحلوانية، مصر جنة الحسن من النصوص، الأدب في المغرب العربي، مراحل الإبداع الأدبي في مصر وخصائصه الفنية من الأدب، التورية والإيجاز والإطناب من البلاغة، إعمال صيغ المبالغة والمصدر الميمي والمصدر الصناعي، بين البيئة والإنسان ومسرحية علي بك الكبير. وفيما يتعلّق بمنهج الصف الثالث الثانوي تم حذف دروس، أنت سيد قرارك لصلاح منتصر، ومسرحية مصرع كليوباترا، الأرقام العربية الأصيلة وقضية السكان.
الناقد الدكتور محمد بدوي يري أن علي الوزارة أن تبحث عن بدائل لا أن تقوم بالحذف للتخلص من الحشو، وقال:"أما تخفيف المنهج عن الطالب فشيء سخيف". وأوضح أن المشكلة تكمن في: "نوع المقرر، فهناك فرق بين وضع نص قديم جدا، ووضع نص ليحيي حقي أو يوسف إدريس أو إبراهيم أصلان، وهو أفيد للطالب". لكن المشكلة لا تكمن فقط في النصوص، يقول بدوي:" المعلم المصري غير مؤهل لتدريس نصوص مثل شكسبير، لأنه غير قادر علي تفسير النص ونقده. يشير أيضاً لأثر انتشار التيار الأصولي: "الانشغال بالحلال والحرام يفقد النص قيمته". وينتقد بشدة مؤسسة وضع المناهج قائلاً: "هذه المناهج يجب نسفها ووضع مناهج جديدة" ويقترح: "وجود لجان متخصصة من نقاد وكتاب ومتخصصين في وضع المناهج للاستقرار علي منهج سليم، يمكن من خلاله خلق طالب راق يؤمن بحقوق المرأة وحقوق المواطنة، ويكون علي درجة من الثقافة تبعده تماماً عن طريق الإرهاب والتطرف الفكري". ولكن بدوي يشير إلي أن الوزارة: "أحسنت بحذف نصوص مثل سيد قرارك ومسرحية مصرع كليوباترا، ففي المسرح يجب وضع نصوص لألفريد فرج وصلاح عبد الصبور أو حتي شكسبير"، مضيفاً:" أنا مع وضع نصوص أدبية، لكن علي أن يقوم باختيارها نقاد، فكليوباترا قيمة تاريخية لكنها خالية من الإبداع".
أما الدكتور عبد الحكيم راضي فيري أن "العلنية والتمهيد للأشياء والتبرير أمور أساسية في عملية تعديل المناهج" وينتقد الوزارة لأنها " تقوم بالعمل في سرية ولا تذكر أسباباً للتعديلات سوي الحشو". ويضيف راضي:" زيادة المنهج في اللغة والأدب هو المطلوب، فبدلاً من مسرحيتين يجب أن يتم تدريس ثلاث أو أربع، لأن الأعمال الإبداعية تربي عقل الطالب، وكلما كانت المادة غنية كان ذلك مفيداً له". وواصل راضي: "زيادة المنهج يعني أن العمل في الطريق السليم، فكلما قرأ الطالب تحسن مستواه وحدثت بينه وبين اللغة ألفة". أما عن رأيه في النصوص الأدبية المحذوفة فيختلف مع محمد بدوي، قائلاً: "مصرع كليوباترا عمل جيد يتميز بروح الوطنية، هي ليست غنية بجمالياتها لأن شوقي من جيل الرواد، وتميز مسرحه بالغنائية، لكنها تناسب مستوي طالب في الثانوي". ولا يعتقد راضي أن سبب الحذف ضعف النص أدبياً، "بل فقط لأنهم يرونه مجرد حشو". وأضاف:" أما بالنسبة للمحذوفات فلا قاسم مشتركاً بينها، وهو ما يدل علي انعدام الرؤية". وحذر:"العبث في التعليم ما قبل الجامعي خطير جداً ولا يصح التعامل معه بهذا الاستهتار".
ويري الدكتور عماد أبو غازي فيري أن: " تغيير النصوص كل فترة أمر مطلوب، فلا يصح أن يكون هناك نص ثابت للأبد" ومع هذا يوضّح أبو غازي أنه ضد الحذف بحجة الحشو، ويري أن المشكلة ليستْ في وزارة التعليم: "وإنما في الإعلام حيث يردد طول الوقت معلومات غير حقيقية ويختلق قصصاً وهمية حول صعوبة المنهج وضخامته".. ويضيف: " المناهج ضعيفة وهزيلة، ويجب أن تكون أضعاف أضعاف ما هي عليه الآن"، ويستطرد: "كل ما يدرسه طالب الابتدائية الآن لا يعادل ربع ما كنا ندرسه من خمسين سنة، رغم أنه يجب أن يزيد"، ويؤكد:" التعليم الآن أصبح فارغاً من المضمون، فالمنهج من حيث الشكل جميل، لكن من داخله فارغ". وانتقد "انصياع وزارة التعليم لضغوط الإعلام بشأن صعوبة المناهج". ويتفق الدكتور أبو غازي مع الدكتور محمد بدوي في أن واضعي المناهج لا يصح أن يكونوا فقط متخصصين في التربية، أو أن ينفردوا وحدهم باختيار المناهج، ويختم حديثه بأن: " طالب اليوم يتعلم فقط كيفية الإجابة علي الأسئلة، في حين أن وظيفة التعليم ومهمته الأساسية تعليم الطالب المعرفة والبحث عنها، خاصة أن وسائل المعرفة زادت كثيراً عن ذي قبل"، ويضيف:" يجب وضع مناهج جديدة، ويجب أن تعود المدرسة لتكون مدرسة كما كانت من قبل".