حصلت علي جنيه مصري واحد سنة 1965، كمكافأة تفوّق في الابتدائية، ذهبت إلي مكتبة دار القلم بميدان الساعة بطنطا، واشتريت بالجنيه كله كتبا، من سلسلة "المكتبة الثقافية" التي كان الجزء فيها بقرشين صاغ. هذه هي البداية. بعد ذلك وفي المدرسة الإعدادية استأنفت شراء هذه السلسلة، وكذلك سلسلة "اقرأ" من إصدار دار المعارف. ثم عرفت سلاسل دار الهلال: "المجلة الشهرية" و"الكتاب" و"روايات الهلال"، أتذكر في نهاية الستينيات كتبا مثل "أفكار معاصرة" لأحمد بهاء الدين، و"تاريخ الفكر المصري الحديث" للدكتور لويس عوض، وكذلك روايات إميل زولا "جرمينال" و"نانا". كما كان أبي يشتري سلسلة "كتابي" لحلمي مراد، وأتذكر فيها مثلا "دكتور زيفاجو" لبوريس باسترناك. صنعت لنفسي لدي النجّار دولابا صغيرا لاحتواء كتبي التي كنت أغلق عليها بالمفتاح. في الثانوية العامة عرفت "عبقريات" العقاد. ولم أعرف نجيب محفوظ إلا في إجازة إعدادي طب سنة 1972، وكنت قد اشتريت أعماله بترتيبها الزمني من "عبث الأقدار" حتي "المرايا"، من مكتبة بشارع درب الأثر المتفرع من شارع البورصة بطنطا. كذلك توفيق الحكيم الذي لم أهتم بمسرحه قدر اهتمامي بسيرته الذاتية في "عودة الروح" و"عصفور من الشرق" و"يوميات نائب في الأرياف". كنا نقضي إجازة الصيف في الإسكندرية، وكنت أتمشي في وسط البلد فوجدت دار ومطابع المستقبل فاشتريت منها أولا بأول كل مؤلفات سلامة موسي تقريبا، وأهمها "الشخصية الناجحة" و"التثقيف الذاتي" و"تربية سلامة موسي" وهي سيرته الذاتية. عندما انتقلت من طب طنطا إلي طب عين شمس، في أكتوبر 1975، سكنت مع جدتي في العباسية، ونقلت كتبي علي عدة مرات، في سيارة فولكس، كنت قد اشتريتها من عملي في صيف 1974 في انجلترا، واشتريت دولابا من الصاج من إنتاج شركة إيديال للصناعات المعدنية، وعددت كتبي فإذا بها حوالي ألف كتاب. خلال السنوات 75/1980 اشتريت دولابا ثانيا، ففهمت أن كتبي زادت إلي حوالي ألفيْ كتاب، كان أغلب الجديد منها في الفنون، من السينما إلي الفنون التشكيلية إلي الموسيقي، أتذكر مثلا مجلدات الدكتور ثروت عكاشة. بعد حصولي علي بكالوريوس الطب، كنت قد أدركت أنني أريد تكريس عمري كله للقراءة، فقررت اعتزال الطب واختيار مهنة تترك لي فراغا كبيرا، هي الإرشاد السياحي. خلال الثمانينات أضفت دولابا ثالثا، كان نصيب الأسد فيه للكتب عن مصر وتاريخها وآثارها، من العصر الفرعوني إلي العصر الحديث، أتذكر مجموعة الدكتور سليم حسن "مصر القديمة"، ومجلدات "وصف مصر" ترجمة زهير الشايب. عند زواجي وانتقالي للإقامة في شقة في الزمالك، استأجرت سيارة نصف نقل للدواليب الثلاثة بما فيها من كتب، ووضعتها مؤقتا في البلكونة، لكنني عندما أدركت أن زوجتي لن تتمكن من الإنجاب، نقلت هذه الكتب من البلكونة إلي حجرة داخلية، وجئت بنجار صنع لي ثلاثة دواليب، تشغل ثلاثة حوائط وترتفع من أرضية الحجرة إلي السقف، وبدأت في ملء الفراغات بين الأرفف، بروايات الأدب العالمي المترجمة إلي العربية أو إلي الفرنسية، ودخلت كذلك إلي مجال محاولة مقارنة النص الأصلي بترجمته، في أعمال لألفونس دوديه وألبير كاميه. خلال التسعينات كنت أسافر إلي فرنسا مع زوجتي الفرنسية، كل صيف لقضاء شهر أو شهرين أو أكثر، وفي كل مرة كنت أعود بمجلدات في تاريخ الفنون ومتاحف العالم، وتاريخ السينما والأفلام، التي تباع في فرنسا بأسعار رخيصة جدا. مع سنة 2001 التحقت بالمعهد العالي للدراسات الإسلامية في ميت عقبة، واندفعت في شراء مجلدات "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي، وتفسير القرآن للقرطبي، ومطبوعات المجلس الأعلي للشئون الإسلامية، والموسوعة الإسلامية في 17 جزءاً، ومقدمة ابن خلدون، و"الخطط والآثار" للمقريزي، وهكذا أضفت دولابا رابعا وآخر خامسا، حتي سرحت الدواليب خارج الحجرة التي كنت قد خصصتها للكتب، ليبلغ عددها الآن عشرة دواليب، أعتقد أن بها حوالي عشرة آلاف كتاب. طبعا حدث انفجار لهذه الكتب في كل حجرات الشقة منذ أن حدث الطلاق، وأصبحت الكتب حرة الحركة تماما في عموم الشقة. المشكلة هي إن اهتماماتي أثناء حياتي كانت دائمة التنوع، لدرجة أنني منذ عامين فقط، أي في سن الخامسة والخمسين، بدأت أهتم بقراءة الروايات الجديدة للأدباء الشباب، في مصر والعالم العربي، ولا أعرف بعد ماذا سأفعل فيما تبقي لي من أيام!