1 أنا ذاهبة إلي الحياة انا الآن مع نفسي.. علي صفحة بيضاء، الأبيض هو كلّ الألوان، وأنا الآن ميّتة. ولا أخشي شيئا، ولا أحدا، ومن هنا شعوري بالكمال والقوة والتوحّد، بالانتصار والتحقق والإنجاز. الموت الحقيقي هو الحياة بلا معني، ولا ناتج، ولا عمل، ولا أمل ..الحياة بلا تمرّد علي الحياة. الموت هو الخوف من الحياة..والخوف من الموت! سعيدة بموتي، سعادة مطلقة لم أشعر بها، طوال حياتي. الأبيض ورق ينساب تحت يدي، بهاء، وضياء، ونقاء، وصفاء.. أكتب حياتي حتي مماتي، أكتب، مثلما عشت حياتي أكتب، أكتب كما لم أكتب.. أكتب لأن الأبيض بحاجة إلي لمسة. ونبضة. ونَفس. وشهقة. وشهوة. ورغبة. وحلم. وعلم.. وعذاب. ويأس.. وأمل و..و.. لم أخَف الموت، لم يعد ُيخيفني شئ .. وها أنذا أموت بإختياري، استجابة لرغبتي، واستمرارا لحياتي. فموتي ليس نهايتي، انه البداية، وربما جاءت متأخرة ستون حولاً أو سبعون. لكنها أخيرا جاءت، ولم يكن تأخّرها إلا بسببي، لم أكن قد وصلت إلي المعني الحقيقي للموت والحياة وتبادليتهما المعجزة. ولم أكن قد نضجت بما يكفي لأن أدرك قيمة ذاتي، وضرورة بث رسالتي بقلمي الرصاص علي ورقي الأبيض هذا. أكتب حياتي، ربما لإناس لا أعرفهم.. فالآن أدركت المعني. والآن اخترت طريقي، والآن أكتب. الحقيقة أنني لم أتوقف عن الكتابة لحظة، منذ عرفت الحرف. ولكن ما أكتبه الآن لم يكتب من قبل، لم أجرؤ علي كشفه، وأنا المتمرّدة الخارقة، المخترقة لكل ما يسمونه بغباء:الأعراف والتقاليد والحدود والشرع..وأسماء أخري. لماذا؟ لأنك عندما تتمسك بالحياة تخاف..وعندما تخاف، تلفّ الحقائق بأغلفة من الكذب اللذيذ، وتعيش الموت، مع أنك تسمّيه حياة. لكن إذا أخترت الموت، إذا قررت أن الحياة بالخوف ليست حياة، وأن الموت الذي نخافه ليس الموت الذي نعيشه في حياة الخوف.. إذا اكتشفت ذلك، ستعرف، مثلما أعرف أنا الآن، أن الموت هو الحياة الحقيقية، وأن ما نسميه الحياة _ وبداخلها الخوف- هو الموت الحقيقي. فأنا أموت ..اذن أنا ذاهبة إلي الحياة. عندما بدأ أحد العمال يضرب المصطبة بمعوله، اكتشف هذا الكنز! آلاف من الأوراق، ورق أبيض- كان أبيضا - مخطوط بقلم رصاص، أوراق لا حصر لها ولا عد، مغلّفة، وملفوفة بعناية، كتوابيت صغيرة بحجم الفولسكاب، يلفّ كلّ منها غطاء من قماش قطني أبيض- كان ابيضا- محنّطة..ومتربة. ُعثرعليها في هذه الفيللا، وسط منطقة مهجورة، معزولة، بعيدة ..وشبه خالية من الحياة، في فضاء صحراء الهرم اللامتناهية. اللفائف المخطوطة، كانت في جوف مصطبة.." ديكور" بدائي الطابع.. في قاعة الضيافة الرئيسية. كان يمكن أن يمضي وقت أطول، دون العثور عليها، وكان يمكن ألا ُتكتشف إلي الأبد. جاء اكتشافها، مصادفة، فزوجة الرجل الذي اشتري البناية بأسمها، وبمالها، وتلبية لرغبتها، راقصة شرقية معتزلة، أحبّت هذه الفيللا الواسعة، البعيدة، وأحبّت عزلتها الشديدة..ستنفعها في إقامة حفلات خاصة، وطلبت توسيعها لتكون جاهزة لإستقبال من تريد أن تحتفل بهم هي وزوجها. وكان لابد من إزالة هذه المصطبة. لفائف..ولفائف..ولفائف، توابيت دقيقة الحجم، داخلها مخطوطة، مكتوبة بقلم رصاص..علي ورق كان أبيضا..عددها سبع لفائف! أعطاها العامل للمالك، لواء الشرطة المتقاعد، وهو رجل أعمال الآن، لا يفهم في هذه الأوراق، وكاد يلقي بها في القمامة، لكنه توسّم أن تكون ذات قيمة، فعرضها علي زميل سابق، يعرف درايته بمثل هذه الأشياء. وانشغل في تجديد الفيللا وإعادة الحياة إليها..ونسي المخطوطة. اقترح عليه زميله تسليمها للمجلس الأعلي. وقال أنها رسالة مهمة من امرأة مثيرة للجدل، كانت تستعمل هذه الفيللا كملاذ. تتواري فيه عن الأنظار وتتفرّغ للتأمل.. والكتابة. الآن يعرف اللواء المتقاعد "حمدي مرجان" أن المخطوطة، تعود إلي"حوريّة همّامي"..التي يعرفها شخصيا، ويعرف أنها خضعت علي مدي نحو 40 عاما لشبهات وتحريات الأجهزة الأمنية المختلفة، وكان له دور في ذلك. ويعرف أنها كانت حديث الناس، في مصر وخارجها، رغم مرور نحو7 سنوات، بسبب الغموض الذي أحاط، ومايزال، بظروف اختفائها.. التي يعرفها هو، ولايستطيع الكشف عنها. "حمدي مرجان" لا يريدً الآن أي نوع من الدوشة، يتجنّب الأضواء، ويفضّل هو وزوجته السابعة، الجديدة "روحيّة" أن يعيشا حياتهما المترفة، بعيدا عن الأنظار، لا ُيسمع عنهما خبر، ولا يراهما بشر. عدا محيطهما الخاص من إناس ينتمون إلي نوع آخر من البشر! هو وهي يعيشان في استمتاع دائم، بكل شئ وبأية طريقة، كأنما الموت في انتظارهما علي أول ناصية.. ويمضيان أيامهما ولياليهما، بسعادة..وصهللة. والآن..هذه المصيبة! مخطوطة، ظنّ في البداية، أنها أنتيكة من ورق البردي، مسروقة من أحد المواقع الأثرية العديدة هنا في صحراء الهرم، وللحظة برقت في رأسه _ ورأس "روحيّة" في الوقت ذاته- صورة ملايين الدولارات تدخل أحد حساباتهما البنكية، لكنها "طلعت فشّنك"- كما أخبرها- وقام بتحرّيات، واستطلع آراء الكبار الذين يعرفهم، وأيضا الزملاء ممن لم يتقاعدوا بعد.. عرض اللفائف علي بعضهم، فطمأنوه أنها لاتتضمن- بالطبع- أي شئ عن حادث إختفائها، واقترحوا عليه أن يسلّمها في هدوء، للمجلس الأعلي، ويطلب بأدب ألا تأتي أية إشارة عنه، وأن يكتفي المسئولين بالمجلس بالقول بأن "فاعل خير" أو مواطن مخلص، هو الذي قدّمها لهم. ولولا هذه التطمينات، لتخلّص اللواء المتقاعد، من هذه الأوراق، فهو لايريد الآن، أن يجد نفسه وزوجته موضع حديث ومطاردات الصحافة والفضائيات، ولايريد بالتأكيد أن يعاد فتح ملف إختفاء "حوريّة". بعد فترة، عندما جاء وقت العمل علي المخطوطة، تمّت مضاهاة الخط المكتوبة به بمخطوطات أخري قديمة لأبحاث ومقالات "حوريّة همّامي" وهي كاتبة وباحثة أشتهرت بروح الزعامة والتمرّد. وقادت حركة نشطة لمقاومة مختلف أشكال التخلّف. وربطت ذلك بالدعوة إلي "تحرير المرأة من العبودية للرجل". وكان لابد من قراءة متأنية للمخطوطة قبل أن تتقرر الخطوة التالية 2 كلّ هذا الكذب أول ما أحب أن أتحدث عنه بحرّية، هو أن الحياة لا تستحق كل هذا الكذب. أذكر أنني، وأنا طفلة في السادسة أوالسابعة تقريبا، سألت أبي، وكان معلّما للغة العربية والدين بالمدراس الثانوية، يعلّمني اللغة ويقرأ لي آيات من القرآن الكريم: = لماذا يرضي الله بوجود الكذب والظلم..؟ صدم أبي، وهو المسلم التقي، المواظب علي أداء الصلوات الخمس في مواعيدها. كان سؤالي الطفولي البرئ، عائدا الي إحساس مبكّر نشأ وتولّد لديّ، من وقتها، بأن هناك شئ من الظلم في هذا العالم، شئ من الكذب، لماذا كل هذا الكذب؟.. لماذا يعاملني أبي وأمي بطريقة ظالمة وقاسية وعدوانية وتعذيبية، لمجرد أنني لست ولدا مثل أخي الذي يكبرني بسنتين فقط؟. لماذا هو مدلل..طلباته مجابة، يفرض شروطه، ويكرّم في كل تصرّف، ولا يعاقب علي أخطائه؟! يمكن القول بسهولة أنني نشأت مصابة بعقدة نفسّية، تحوّلت إلي عقدة وجود. كنت في طفولتي الأولي هذه، أكره كوني أنثي. وأكره أخي، وأكره أمي وأبي. كنت أحيانا- وأنا منفردة بنفسي في ركن من أركان بيتنا الواسع _ أتمني في سرّي أن أكون ولدا لا بنتا، وفكّرت مرّة أن أتشبّه بالأولاد الذكور، فأتعمّد الخشونة في معاملة رفاقي، وأتكلّم برعونة غير مألوفة بين البنات، وأحيانا كانت تشغلني ملاحظة الفروق بيني وبين أخي.. وأتساءل عما يمكن أن يكون متمتعا به من صفات لا تتوفر لدي.. وطبعا ..وفي وقت مبكّر، عرفت أن هناك معالم وأعضاء خاصة بالرجال، غير موجودة لدي النساء. وأن الأنثي تكون عذراء..فتكون شريفة طاهرة، أما الرجل، الذكّر، فلا عذرية له!.. وأن الرجل المجرّب، علي الرغم من النظرة الاجتماعية المعلنة ضده، يتمتع سرّا بترحيب واحتفال المجتمع به.. وأن هناك حرّيات متاحة للرجال، تقابلها قيود مفروضة علي النساء. لم يكّن "مختار" يكبرني كثيرا..سنتان أو أكثر قليلا، لكنّ أبي وأمي كانا يعاملانه كما لو كان رجلا صغيرا، لأنه الابن البكر، أو لأنه الولد الوحيد في عائلة أبي، فلم تنجب زوجة عمي "محجوب" إلا بنتا واحدة، أما عمي الآخر "رضوان" فهو شاب تجاوز سن المراهقة ولم يتزوّج بعد. و"مختار" هو الذي يحمل اسم العائلة وهو ال "همّامي" الوحيد في الجيل المقبل _ كما كان أبي يردّد بزهو- علي مسامع كل من يلتقيه من عائلته..وفي حضوري. ولأنني صغيرة، ولا ألقي أي اهتمام يذكر مقارنة ب "مختار".. مرّ علي وقت كنت أشعر فيه بأن هذا قدري، وأن كل ما علي عمله في هذه الدنيا، أن أكون في خدمة "مختار همّامي"! وربما كان مبعث هذا الشعور، الدور الذي تقوم به أمي في بيتنا، فهي ليست إلا مجرد خادمة أو جارية، أو عبدة لربّ البيت..زوجها، أبي. ومع أنها كانت قد حصّلت قدرا بسيطا من التعليم، فقد آمنت بأن دورها ومهمتها في الحياة لا تتعدي توفير الراحة لسيّد البيت وتلبية رغباته والتطلّع إلي رضاه، والطاعة العمياء لأوامره ونهاياه. الشئ الوحيد الذي لم تكن أمي تتبع فيه أبي، هو الصلاة، لا أعرف لماذا تركها هكذا، هو يصلّي من الفجر..وحتي العشاء، وهي لا تصلّي إطلاقا! وكانت تقول لي أنها تركت له الصلاة نيابة عنها وعنا، فهو ربّ هذه الأسرة وراعيها! وأن الله سيقدّر جهدها وعملها في خدمتنا جميعا.."ما هو العمل عبادة يابنتي". ولم يكن لأمي أثر في حياتي إلا بطريقة عكسية، اكتشفت ذلك فيما بعد..وتأكدت من أنني لا أريد أن أكرر نموذج "الجارية" هذا.. وربما كان التأثير القوي لها في حياتي، في منطقة واحدة فقط، هي اعتمادها علي جمالها الطبيعي، فلم أرها أبدا تتحلّي بأي نوع من المساحيق أو الأصباغ أو ما شابه..أبدا. كانت تري أن "الماكياج"..كذبُ في كذب. والمهم عندها هو الرضا وراحة البال، والعناية بالصحة..والشكر لله ورضا الوالدين. والحركة.."الحركة بركة، ياحوريّة". كان أبي بحكم مهنته، يعلمّني قبل دخولي المدرسة، و يقرأ لي آيات من القرآن الكريم: "بسم الله الرحمن الرحيم، قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا احد".. ويجعلني أحفظها، نطقا صحيحا عن ظهر قلب، وكتابة بخطّ جميل مثل خطّه، ومع ذلك، ولا أدري لماذا، فقد تأثرت بأمي فيما يتعلق بممارسة الشعائر، ونشأت لا أصلّي.. تماما كأمي. جدية أبي وصرامته وقوة شخصيته، وصلابة إيمانه وثقافته العامة والسياسية بصفة خاصة، ومعارفه الغزيرة، وتمسّكه بالرأي المستقل وروحه المتمرّدة حتي علي بعض شيوخ الأزهر الذي درس فيه، واعتزازه بالثورة المصرية وزعامة "سعد زغلول" ووطنيته، هي أسباب احترامي وتقديري له وافتخاري بأنني أبنته، ومع ذلك لم أغفر له ما عشت أشعر به من ضيق وعذاب للمعاملة الظالمة التي كنت ألقاها منه ومن أمي، لمجرد أنني ولدت وجئت إلي هذه الدنيا، كأنثي..بنت. هل اخترت أنا أن أكون هذه الأنثي التي تكرهونها وتشعرون بالعار لمولدها؟! لم يكن في قدرتي في أي مرحلة من طفولتي ومراهقتي أن أواجه أبي وأمي بهذا السؤال. لا أريد أن أنسي هنا أن لأبي فضل كبير عليّ، فهو لم يشأ أن ينشئني مثل معظم بنات عائلتنا، بطريقة لا مجال فيها إلا للزواج والتحوّل إلي جارية لزوجي.."ربّ الأسرة". فقد كان مصرّاً علي أن أواصل تعليمي وألتحق بالجامعة، ليس هذا فقط، بل وأصرّ علي أن أدخل كلية الطب وأتخرّج طبيبة، ورفض تماما ما كنت أتطلّع إليه وقتها، وقد ظهر لديّ استعداد أدبي وشغف باللغة والشعر والروايات، وميل إلي الفصاحة والزعامة والقيادة- مع أنها صفات اكتسبتها منه، ومن قراءآتي العديدة في الكتب التي كانت تزخر بها مكتبته ..ملاذي لسنوات وسنوات- فقد أصرّ علي الطب ولا شئ غير الطب ..وإلاّ فلا تعليم ولا جامعة بتاتاً. تشكّلت لجنة علمية من 7 أعضاء لفحص المخطوطة، وتقديم دراسة بحثية وافية عنها الي المجلس الأعلي، ومسئولية كل عضو، هي قراءة واحد من التوابيت الورقية المحنّطة، السبعة، وفحصه بدقه، وتلخيصه، ثم تقديم ورقة تقييم وتحليل ومناقشة لما تضمنه. ويبدو أن تقسيم "حورية" للمخطوطة إلي 7 لفائف كان مقصودا، والإنطباع الأولي هو أن كل لفافة منها تتناول محورا من حياتها وأعمالها، أو ما يقرب من ذلك.. أم هي أعمدة الحكمة السبعة.. أم السموات السبع والأرضين السبع؟ أم أرواح القطة السبع؟! .. دارت دردشة تلقائية سريعة بين الأعضاء، حول الرقم 7 كانت مناسبة لكسر الحواجز بينهم، فمعظمهم لا يعرفون بعضهم البعض..أو لم يلتقوا من قبل. بسملت الدكتورة "ليلي" التي ترتدي زيا إسلاميا مزركشا وتغطي رأسها ب"بونيه" فاخر، قبل أن تقول: - "لا إله إلا الله محمّد رسّول الله" شهادة التوحيد..من 7 كلمات. وأبواب الجنة7 وأبواب جهنم 7. وفي الحديث الشريف: سبعة يظلّهم الله بظلّه، يوم لا ظلّ إلا ظلّه. وقال "سمير" سكرتير اللجنة: - وعندنا في المسيحية، الأسرار7. وطبعا عجائب الدنيا7.. ونغمات السلّم الموسيقي7. وأضاف الدكتور"محمود": ولا تنس أن ألوان الطيف في قوس قزّح 7. وأيام الأسبوع 7. ومدارات الألكترون 7. وتذكّرت الدكتورة "هيام" لعبة طفولية هي: "الثعلب فات، فات.. وفي ذيله سبع لفّات"! وقال رئيس اللجنة الدكتور"احمد سلمان" أن هناك مثلّ شعبي قد تكون له دلالة هنا: سبع صنايع، والبخت ضايع! وأضافت د."ليلي": وهناك مثل آخر: النبي وصّي علي سابع جار. وشارك في الدردشة الكاتب الكبير"حسن جوهر" عضو اللجنة، فحكي عن أسطورة تقول أن الله خلق الدنيا في ستة أيام، وأنه استراح في اليوم السابع! وعادت "هيام" تقول: - ويجب ألا ننسي الحكمة القائلة: سافر ففي الأسفار سبع فوائد.. فصححت لها الدكتورة "ليلي": = خمس فوائد. هذا هو المقطع الثاني، من بيت من أشعار الإمام الشافعي رضي الله عنه، وهو كما نعلم، من الأئمة أصحاب المذاهب الأربعة، وقد عرف بالحكمة وقرض الشعر. والبيت يقول: تغرّب عن الأوطان في طلب العلا وسافر ففي الأسفار خمس فوائد تفرّج همّ، واكتساب معيشة، وعلم، وآداب، وصحبة ماجد وشاع بعد ذلك القول بأن للسفر سبع فوائد، بإضافة الدعاء المستجاب، وزيارة الأحباب. انتهت المحاضرة السريعة. عندها تساءل الروائي "صبري" ثقيل اللسان، ساخرا: - ورب..رب..ربما أرادت المتمرّدة - صاحبة المخطوطة- أن تدوّخنا السبع دوخات؟..من يدري؟ من يدري فعلا.. فهي تروي حياتها، وتعرض فكرها من واقع تطوره، مع تزايد خبراتها، ونمو وعيها..ولا تتجاهل هلاوسها، ونزواتها، وحتي ما تسميه هي حماقاتها وخطاياها وعيوبها..و..و. ختم الدردشة "سمير" مشيرا الي شعوره بأن الرقم7 هو روح تظلل اللجنة، فقد انتبه الآن فقط إلي أنه سجّل في أوراق الجلسة تاريخ اليوم: السبت 7/7/2007. لا أحد يدري علي وجه اليقين، مادار في نفوس وعقول الأعضاء السبعة، من انعكاسات لكل تلك السبعات. ومع أنه لم يكن قد تأكد بعد أن المخطوطة تعود إلي "حوريّة همّامي"..إلا أن الإتجاه السائد بين أعضاء اللجنة، هو أنها لابد وأن تكون من أعمالها، فهذا ما توحي به السطور الأولي والنظرة السريعة علي محتويات هذه اللفائف المحنّطة المثيرة، فمن هو_ أو "هي" في هذه الحالة _ المجنونة التي تكتب مثل هذا الكلام؟! من تكون سوي "حوريّة همّامي" ؟!.. فهي اشتهرت بين معارضيها، والمنزعجين منها ومن أفكارها، أصحاب الفكر السلفي المحافظ، ورجال الدين، وأهل السلطة وأتباعهم في دوائر الثقافة والإعلام، وحتي بين بعض الليبراليين وأهل اليسار، باسم: "حوريّة عباسية" ! وأحيانا كانوا يسقطون اسمها ضيقا بجرأتها..وخروجها علي المألوف ويكتفون بوصفها بكلمة واحدة: "عباسية"! ( نسبة إلي مستشفي الأمراض العقلية القائم بالمصادفة، في الحي الذي نشأت وشبت فيه). لم يكن ذلك هو الشعور السائد بين أعضاء اللجنة علي أية حال، وهم كتّاب وباحثون وأساتذة جامعات، يضع أغلبهم ما يسمي ب"المشروع الفكري المتمرّد ل حوريّة همّامي" موضع المناقشة والبحث. وربما كان ذلك سببا في ضم معظمهم إلي هذه اللجنة العلمية، التي لا علاقة لها بالسياسة بصورة مباشرة، كما أنها سرّية، غير مسموح علي الإطلاق للمشاركين في أعمالها، بالإشارة إلي وجودها أو إذاعة ما تقوم به. ومع بدايات عمل اللجنة تبدّت بعض الإشارات الدالة علي أن ما بين يدي الأعضاء السبعة هو إرث "حوريّة"، ولا أحد غيرها. فكاتبة المخطوطة تتحدّث عن كونها الإبنة الثانية لمعلّم أزهري له ابن بكر اسمه "مختار"، وأنها درست الطب ومارسته، وتهوي الأدب والكتابة والبحث النظري والتطبيقي، ولديها ميول للزعامة والتمرّد. ومنذ الطفولة هي مثيرة للجدل..وتطرح أسئلة كبيرة وخطيرة. قبل الاجتماع الأول للجنة، وبعده، تناثرت بين الأعضاء أحاديث وتعليقات وآراء وتفسيرات، وأيضا ذكريات، دارت كلها علي محور واحد بالطبع، هو "حوريّة".. فمن قائل أنه يعتقد بوجود جريمة مدبّرة وراء حادث إختفائها الغامض والمريب منذ 7 سنوات..ومن قائل أنها هاجرت وتركت مصر، وربّما تكون الآن في "كوبا"! ومع ذلك، فلم يبدُ أن أيا من الأعضاء السبعة، مقتنع بما تمّ الترويج له وقت الحادث، بأنها انتحرت..فمن يعرفونها من أعضاء اللجنة، يعرفون _ كما أعلنوا- أن شخصيتها وتركيبتها النفسية والعصبية، ليست من النوع الذي يقدم علي الإنتحار. = وحتي لوكانت انتحرت- تساءل "سمير" المحامي الشاب الذي لم يسبق له أن تعرّف بها شخصيا- فأين الجثة؟! بسخرية علّق "صبري" الكاتب الروائي الذي يعرفها: - ظهور الج..ج..جثة، فيه خطورة، فربّما تحوّل قبرها إلي مزار لدعاة الحرّية.. وبالذات حرّية المرأة.