احتفل المسيحيون في كل العالم بالأمس بعيد القيامة، والقيامة في الفكر الديني سواء كان مسيحيًا أو إسلاميا هي الانتصار علي الموت والفناء والعدم، وفي الديانة اليهودية قبل مجيء السيد المسيح لم تكن هناك علامات واضحة أو اجتهادات دينية محددة من لاهوتيين وحاخامات عن قيامة الإنسان من الموت، أو خلود الروح، وقد ظهر هذا بعض الشيء قبل مجيء المسيح مباشرة ورفضته الأغلبية من اليهود لأنه ليس هناك ما يسانده من الوحي المقدس لليهود فالعهد القديم يتحدث عن عدم جدوي الحياة ذلك لأنها تنتهي بالموت، فالكلب والحكيم يموتان وباطل الأباطيل الكل باطل ولا منفعة تحت الشمس... إلخ، وعندما بدأ السيد المسيح تعليمه عضد وبشدة فكرة القيامة من الأموات حتي أن علماء يهود جادلوه بقوة وعنف في هذا الشأن عندما سألوه إن مات رجل وترك امرأته وله سبعة أخوة، وكان التقليد اليهودي ينص علي أن الأرملة تتزوج من أخ الزوج الميت لكي يقيم لأخيه نسلاً، وكان السؤال الذي ظنوا أن المسيح سوف يعجز عن إجابته إذا تزوجت هذه المرأة والتي لم تنجب من الاخوة السبعة الواحد بعد الآخر وماتوا جميعًا أيضًا الواحد بعد الآخر دون إنجاب، فلمن تكون المرأة في الحياة الأخري؟ وكانت إجابة المسيح عليهم أنه في الحياة الأخري لا يزوجون ولا يتزوجون بل يعيشون كملائكة السماء، ولكي يثبت المسيح صحة عقيدة القيامة من الأموات قام بأكثر من معجزة قيامة أموات، وعندما مات المسيح مصلوبًا - بحسب رواية الإنجيل والإيمان المسيحي - تفرق أتباعه في يأس قاتل حيث شنق مسلمه يهوذا الاسخريوطي نفسه، وهرب تلاميذه وأغلقوا علي أنفسهم الأبواب وامتلأت حياتهم باليأس بل تركوا دعوتهم وعاد البعض منهم إلي عمله الذي كان قد تركه لأجل اتباع السيد المسيح، لكن المسيح قام من الأموات في اليوم الثالث، وهذه القيامة تقدم عدة دروس للإنسان الذي يؤمن بقيامة الأموات من أهمها هو أن الحياة بالقيامة من الأموات يصبح لها معني فالحياة إذا كانت تنتهي بالموت وبلا أمل في حياة بعد الموت تصبح لا معني لها ولا قيمة حقيقية بالقيامة من الأموات لم تقتصر علي إنارة الخلود أي حياة ما بعد الموت، وإعطاء الإنسان أملاً صادقًا في المستقبل وهذا شيء جميل لكن الأجمل منه هو إعطاء الحياة الأرضية الأمنية معني وقيمة ونورًا جديدًا، فعندما يحيا الإنسان بدون إحساس بأن هناك امتدادًا لحياته علي الأرض تصبح الحياة محدودة وبلا قيمة وتدعو إلي الإحباط واليأس بل والفوضي لكن الإيمان بالقيامة ينعكس علي حياتنا الأرضية بأن يجعلها مجدية في كل ما نقوله وما نعمله إنه الأحساس بالامتداد والحياة إلي الأبد دون التهديد من مرض أو فقر أو فناء إنه الذوبان في الأبد في الله، وهذا الفكر يجعل حياتنا علي الأرض جزءًا من منظومة ضخمة وفكر شامل وإرادة إلهية تشمل الكون ككل، هنا يشعر الإنسان بكيانه ووجوده فهو ليس ترسًا في آلة وليس عابر سبيل علي هذه الأرض، وليس واحدًا من ستة بلايين من البشر لا قيمة لوجوده ولا معني، بل يؤمن أن له دوراً محدداً في هذه الحياة، فمطلوب منه أن يضيف بوجوده وجودًا للإنسانية ويضيف بحضوره حضورًا ويضيف بفكره فكرًا وبعمله عملاً، وهذه الإضافة لابد وأن تكون متسقة مع فكر الله الذي خلقه والذي وهبه ذلك الخلود والقدرة علي هزيمة الموت فتكون الإضافة هنا في صالح الحياة ضد الموت والصحة ضد المرض والغني ضد الفقر والحب ضد الكراهية والسلام ضد العداء والحروب، والذي يسير علي هذا الطريق هو الذي سوف ينتصر في النهاية علي الموت بل ستكون هذه هي مكافآته من الله، لأن كل إنسان سوف يحاسب من الله علي أعمال يديه أما إذا عاش الإنسان بقيم الموت فأضاف كراهية بدل الحب وعداء ومرضاً وتشاؤم فلن يتمتع بقيامة الأموات، وتعيش روحه في إطاراً الموت الأبدي دون أمل أو رجاء يعذبها الإحساس بالندم علي حياة كانت بين يديه واختار الفناء بدلا من الحياة في كنف الله.