ترامب: تكلفة "القبة الذهبية" جزء صغير من 5.1 تريليون دولار عدت بها من الخليج    منذ فجر اليوم.. 98 شهيدا في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    إسرائيل ترد على دول الاتحاد الأوروبي: تُعانون من سوء فهم تام للواقع    موعد مباراة توتنهام ومانشستر يونايتد في نهائي الدوري الأوروبي والقنوات الناقلة    بسبب المخدرات.. شاب يقتل والده خنقًا ويحرق جثته في بني سويف    انفصال أحمد السقا رسميا عن زوجته مها الصغير    آداب وأخلاق إسلامية تحكم العمل الصحفى والإعلامى (2)    «غزل المحلة» يعلن مفاوضات الأهلي مع نجم الفريق    الإيجار القديم.. محمود فوزي: الملاك استردوا استثماراتهم.. الشقة كانت تُباع بألف وتُؤجر ب15 جنيهًا    الدولار ب49.86 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأربعاء 21-5-2025    ملحن آخر أغنيات السندريلا يفجّر مفاجأة عن زواج سعاد حسني وعبدالحليم حافظ سرا    محافظ الدقهلية يشهد حفل تجهيز 100 عروس وعريس (صور)    محمد معروف المرشح الأبرز لإدارة نهائي كأس مصر    طريقة عمل المكرونة بالصلصة، لغداء سريع وخفيف في الحر    ننشر أسماء المصابين في حادث تصادم سيارتين بطريق فايد بالإسماعيلية    170 مليون دولار من قادة العالم لدعم ميزانية "الصحة العالمية"    رسميًا الآن.. رابط تحميل كراسة شروط حجز شقق الإسكان الاجتماعي الجديدة 2025    رابط نتيجة الصف الثاني الإعدادي الأزهري 2025 بالاسم ورقم الجلوس فور ظهورها    تقدر ب2.5 مليون دولار.. اليوم أولى جلسات الطعن في قضية سرقة مجوهرات زوجة خالد يوسف    هبوط عيار 21 الآن بالمصنعية.. مفاجأة في أسعار الذهب والسبائك اليوم الأربعاء بالصاغة    ترامب: بحث قضية نشر الأسلحة في الفضاء مع فلاديمير بوتين    «أهدر كرزة مرموش».. تعليق مؤثر من جوارديولا في ليلة رحيل دي بروين    بعد شهر العسل.. أجواء حافلة بالمشاعر بين أحمد زاهر وابنته ليلى في العرض الخاص ل المشروع X"    رياضة ½ الليل| جوميز يشكو الزمالك.. رفض تظلم زيزو.. هدف مرموش الخيالي.. عودة لبيب    تقرير سعودي: نيوم يستهدف ضم إمام عاشور.. وتجهيز إغراء للأهلي    مجلس الصحفيين يجتمع اليوم لتشكيل اللجان وهيئة المكتب    شاب يقتل والده ويشعل النيران في جثته في بني سويف    6 إصابات في حريق شقة بالإسكندرية (صور)    حدث في منتصف الليل| الرئيس يتلقى اتصالا من رئيس الوزراء الباكستاني.. ومواجهة ساخنة بين مستريح السيارات وضحاياه    52 مليار دولار.. متحدث الحكومة: نسعى للاستفادة من الاستثمارات الصينية الضخمة    إيهود أولمرت يهاجم إسرائيل: حرب غزة الآن بلا هدف    ترامب يتهم مساعدي بايدن بالخيانة ويتوعدهم ب«أمر خطير»    تفسير حلم الذهاب للعمرة مع شخص أعرفه    رئيس الجامعة الفرنسية ل"مصراوي": نقدم منحا دراسية للطلاب المصريين تصل إلى 100% (حوار)    محافظ الغربية يُجري حركة تغييرات محدودة في قيادات المحليات    وزير الشؤون النيابية عن الإيجار القديم: سيتم رفع الأجرة السكنية إلى 1000 جنيه حد أدنى في المدن و500 جنيه بالقرى    غرق طفل أثناء الاستحمام بترعة نجع حمادي في المراغة    سعر الفراخ البيضاء والبلدي وكرتونة البيض في الأسواق اليوم الأربعاء 21 مايو 2025    تحول في الحياة المهنية والمالية.. حظ برج الدلو اليوم 21 مايو    لميس الحديدي عن أزمة بوسي شلبي وأبناء محمود عبدالعزيز: هناك من عايش الزيجة 20 سنة    توقيع عقد تعاون جديد لشركة الأهلي لكرة القدم تحت سفح الأهرامات    الجمعة 6 يونيو أول أيام العيد فلكيًا.. والإجازة تمتد حتى الاثنين    رابطة الأندية: بيراميدز فرط في فرصة تأجيل مباراته أمام سيراميكا كليوباترا    إرهاق مزمن وجوع مستمر.. علامات مقاومة الأنسولين عند النساء    بمكونات سهلة وسريعة.. طريقة عمل الباستا فلورا للشيف نادية السيد    نص محضر أبناء شريف الدجوي ضد بنات عمتهم منى بتهمة الاستيلاء على أموال الأسرة    عضو مجلس يتقدم بطلب لتفعيل مكتب الاتصال الخدمي بنقابة الصحفيين (تفاصيل)    «منصة موحدة وكوتا شبابية».. ندوة حزبية تبحث تمكين الشباب وسط تحديات إقليمية ملتهبة    نائبة تطالب بتوصيل الغاز الطبيعي لمنطقة «بحري البلد» بأسيوط    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    المجلس الوطنى الفلسطينى يرحب بإعلان بريطانيا فرض عقوبات على مستوطنين    المدرسة الرسمية الدولية بكفر الشيخ تحتفل بتخريج الدفعة الرابعة    هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب ظروف العمل؟.. أمين الفتوى يُجيب    تعرف علي موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    فيديو- أمين الفتوى: قوامة الرجل مرتبطة بالمسؤولية المالية حتى لو كانت الزوجة أغنى منه    وفد صيني يزور مستشفى قصر العيني للتعاون في مشروعات طبية.. صور    وزير الصحة: ملتزمون بتعزيز التصنيع المحلي للمنتجات الصحية من أجل مستقبل أفضل    رئيس جامعة أسيوط يتابع امتحانات الفصل الدراسي الثاني ويطمئن على الطلاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.صلاح فضل: نعاني من مجاعة نقدية
نشر في أخبار الأدب يوم 25 - 06 - 2016

يبدو د.صلاح فضل، مشغولا مؤخرا بمشروع نقدي كبير يحلل ويرصد عوالم السرد العربي الجديد الذي تدفق بغزارة في السنوات العشر الأخيرة، فأصدر كتاب "أساليب السرد في الرواية العربية الجديدة" ثم "سرديات القرن الجديد" وأخيراً "أحفاد محفوظ " الذي يستعرض فيه تجارب عدد كبير من الروائيين والروائيات من مختلف الاتجاهات، عبر مقالات تطبيقية يفيد منها الباحث والقاريء والكاتب علي حد سواء.
هنا نستوضح ملامح المشروع، عبر حديث طويل عن الوضع الثقافي اليوم في مصر، وبطبيعة الحال لم يخل الحديث من بعض الجوانب السياسية.
أشرت في مقدمة كتابك إلي "مجاعة نقدية" تسيطر علي الواقع الثقافي في مصر..ماذا تقصد بهذا المصطلح؟
لقد اختلف الأمر قليلاً عما كان يرصده الدكتور علي الراعي منذ عدة عقود، فهناك شُح نقدي وهذا صحيح، والمعروض أكثر من الطلب. كل المبدعين الذين يكتبون في الشعر والقصة والمسرح والرواية وشتي ألوان الأدب يتوقون إلي ذراع نقدية حانية تحتضنهم دون أن تشق عليهم ولا يجدون بطبيعة الحال هذه الذراع مبسوطة دائماً، ومن هنا الإحساس بأن النقد غائب، وهو إحساس صحي علي العموم. المسألة النقدية اليوم صار لها أبعاد مختلفة، فالنقد أصبح شحيحاً بالفعل في مصر علي وجه التحديد لأسباب كثيرة منها: انقطاع بعثات أساتذة الأدب إلي العواصم الأوروبية الكبري التي كانت تضمن لهم معرفة وثيقة لا باللغة وحدها وإنما بالمناخ المعرفي والحضاري فيحتشدون بما فيه مثلما فعل طه حسين ولويس عوض ومحمد مندور وعلي الراعي، ثم يعودون ليسطروا صفحات جديدة في النقد العربي، هكذا جفت منابع الجامعات وأصبحت تأكل نفسها واكتفت بتخريج مدرسين فيها قصاري جهدهم أن يلوكوا ما كان يقوله أساتذتهم ويلقوه علي مسامع الطلاب. ظلت الصحافة تخرج نقادها لكن أحداً منهم لم يصل حتي الآن إلي مستوي رجاء النقاش أو إبراهيم فتحي مثلاً، هؤلاء الذين استطاعوا أن يجعلوا النقد مادة شهية سائغة يسوقون بها للأدب فتفتح عقول الناس ومداركهم للقراءة. سبب آخر هام جداً ومؤثر في نظري وهو تصدر عدد من الصحفيين غير المهتمين بالثقافة رئاسة تحرير عدد من الصحف والجرائد الكبري، وهؤلاء لا يقرأون ولا يشغلون بالهم بالثقافة وأهمية الأدب في بناء الشعوب. هذا هو سبب انحدار المادة الصحفية وانعدام المادة النقدية في صحفنا المصرية التي باتت محلية إقليمية، والنشرات المدرسية أجمل منها، كما تطل علينا بأعمدة الرأي وهي ثرثرة لا رأي فيها ولا فن ولا جدوي منها.
وما وظيفة الناقد ومهمته بالأساس؟
الناقد لا يكون ناقداً إلا إذا استوعب الفضاء الإبداعي وميز بين مستوياته المختلفة وأضاف إليه نوره النقدي وقدم أجمل ما فيه إلي القراء. الناقد هو مندوب الكاتب لدي القراء، الذي يعلم أصول "الصنعة" ويكشف أسرارها ويقدمها بشكل آخر، ويساعد الكاتب في التحقق مما وصل إليه، لأنه في كثير من الأحيان يكتب المبدع شيئاً يريد أن يتأكد ويستوثق من قيمته وهنا هو في أشد الحاجة إلي الناقد.
وماذا عن مستقبل النقد، كيف تري شباب النقاد؟
لدينا عشرات الشباب والشابات ممن تتراوح أعمارهم بين الثلاثينيات والأربعينيات، وهم نقاد محترفون لا يجدون فضاءات إعلامية لممارسة أنشطتهم وإذا كتبوا شيئاً لا يستطيعون أن يقفوا علي قارعة الفيس بوك أو في شوارع الميديا لكي يسوقوا أعمالهم، والمواقع الإلكترونية والتواصل الاجتماعي تمثل عوالم خفية لم تفرز آلياتها بعد لتقديم المبدعين والنقاد.
بعد ثلاثية "أساليب السرد في الرواية العربية الجديدة" ثم "سرديات القرن الجديد" وأخيراً "أحفاد محفوظ"..هل اكتمل بذلك مشروعك النقدي الطموح لرصد التجربة السردية الحديثة؟
لقد عنيت طيلة حياتي بوضع الكتب والأبحاث العلمية والأكاديمية لتطوير نظرية النقد ومعالجتها ودراسة الأدب المقارن، ونقد الشعر والقصة والرواية أيضاً، وهكذا أنا لا أكل عن متابعة كل ما هو جديد من سرد وشعر ومسرح، كي أكتب عنه وأقول رأيي النقدي فيه.
تحدثت في الكتاب عن رواية الواقعية السحرية عند عمار علي حسن.. بماذا تفسر عزوف الكتاب عن هذا الاتجاه في الكتابة الذي تضرب جذوره التاريخية في أعماقنا منذ "ألف ليلة وليلة"؟
ليس من المتوقع أن يقرر بعض المبدعين أن يتبعوا اتجاهاً معيناً في الكتابة، فيقتصر إبداعهم عليه وحده. لقد أشرت إلي رواية الواقعية السحرية التي انتشرت في أدب أمريكا اللاتينية، ولقد أشرت في كتابي الأول "منهج الواقعية في الإبداع الأدبي" إلي هذا التيار وبشرت فيه لأول مرة بماركيز وذلك عام 1977 قبل حصوله علي نوبل، وشرحت حينها المنابع الرئيسية لهذا التيار الأدبي ومنها علي وجه التحديد كتاب "ألف ليلة وليلة". أذكر أول مقال تطبيقي كتبته ونشر في مجلة العربي وكان عن رواية الحرافيش لنجيب محفوظ، حينها حرضت نجيب محفوظ علي اجتياز عالم الجن وأسراره وعالم السحر وأضاليله لتخصيب خياله الروائي بصفته وريث الثقافة العربية الشرقية القديمة والأولي من كتاب أمريكا اللاتينية باحتضانها، وقد استجاب نجيب لذلك رغم قسوتي عليه في المقالة وأخبرني بذلك رواد ندوته الأسبوعية أنهم تناقشوا معه في المقال وكتب نجيب بعد ذلك كتابات بالغة الأهمية تستخدم هذه الظاهرة وتوظفها روائياً. علي أي حال، فإن التقنيات الإبداعية متوالدة ومتجددة وقد يبتدع الكاتب شيئاً جديداً وهو يكتب، وبالتالي أصبحت الرواية الآن مجمع الفنون، فهي تمتص بشراهة العروق الجمالية من الرسم والموسيقي والسينما والمسرح والعمارة، فيكفي أن تأتي ببطل ينتمي إلي أحد هذه الفنون كي تصبح الرواية بحثاً في هذا النوع من الفن. الكاتب يرث خبرات كثيرة من الكتاب السابقين عليه وعليه هو أن يطور منها ويضيف عليها ويكتب أشياءً لم تكتب من قبل، يعمق فيها رؤيته للحياة ويزلزلنا فيها وجدانياً.
أشرت إلي الرواية التاريخية عند يوسف زيدان.. هل يمكن اعتبار الرواية التاريخية مرجعاً في التاريخ يمكن الاستناد إليه؟
لديّ قصة مع يوسف زيدان ويحلو لي أن أسردها لك. لقد جاءني عند صدور روايته الأولي "ظل الأفعي" ووجدتها أشبه ما تكون بالبحث التاريخي في أهمية المرأة وعظمة الأنثي ولكنها تبعد كثيراً عن الرواية بما فيها من فن وجمال، طلب مني يوسف أن أناقش روايته ولكني أخبرته برأيي فيها وأنه ما يزال في البدايات، ولكنه أصر علي طلبه بغض النظر عما أقول في الندوة، وبالفعل ذهبت وقلت نفس الرأي وذكرته بمقولة سقراط "إذا دخلت مدينة فعليك أن تتبع قوانينها" ووجدته أمعن التفكير فيها ثم خرج علينا بروايته الثانية "عزازيل" وأعجبتني الرواية التي أثارت ضجة ضخمة، وجدت فيها نموذجاً للإبداع واستبشرت به، ولكن حالفها الحظ بشكل كبير جداً وحصلت علي البوكر، وهو شيء كبير علي كاتب مبتديء، وكانت نقطة تحول في حياة يوسف زيدان إذ غدا شخصا متكبرا مغرورا بشكل لا يطاق ولا يحتمل، وبعد ذلك أصدر "النبطي" التي لم تعجبني أبداً لسوء مستواها وتدنيها عما قبلها، ولم يعد يوسف يعني بالنقد ولا بالنقاد وقد صرح هو بذلك من قبل، ولا أتوقع منه أن يكتب إبداعاً رائقاً. بالنسبة لسؤالك عن اعتبار الرواية التاريخية مرجعاً، فلا أعتقد في ذلك، لأن التاريخ هو أحد المصادر الكبري وهو لا يعني الأحداث فقط، فهناك تاريخ الثقافات وتاريخ العلوم
وتاريخ الفنون وتاريخ البشر وتاريخ المجتمعات وتاريخ الكون، فمثلاً نجيب محفوظ استطاع أن يمسك في قبضته تاريخ الكون كله، والتاريخ لا يقتصر علي الأحداث فقط أو الحروب وحسب. الرواية هي التاريخ والمستقبل معاً، وهي الإنسان والوجود، الذرة الكبري والمجرة الكبري، وقد تكون واقعة واحدة يتناولها اثنان من المبدعين ويختلف التناول والمعالجة بشكل كبير، التاريخ مجرد بوابة يلج بها المبدع ليقدم عوالم يريد أن يغمرنا بها.
لكن يظل للمؤلف الحق في تغيير مصائر الأبطال؟
لا يملك الكاتب ذلك وليس بوسعه، وإن فعل فلا نسير وراءه ولا نأخذه مأخذ الجد، ولا نعتقد بصحة ما يقول، ولكن ليس من اللائق أن نستقي المعلومات التاريخية من الرواية لأن هذا نوع من الاستسهال، فمن يرغب في قراءة التاريخ عليه بالرجوع إلي المصادر التاريخية والكتب الأساسية في هذا العلم وليس الاكتفاء ببضعة معلومات من رواية أو قصة. كتابة التاريخ لها فلسفة تتلخص في أن اللحظة الراهنة هي بنت المرحلة السابقة.
يعيب البعض علي رواية المكان بأنها تختزل الحوار ويمل منها القاريء سريعاً بسبب إيقاعها الرتيب.. ما تعليقك؟
الأمكنة لها حيواتها، وإذا نجح الكاتب في أنسنة المكان، وإذا نجح في أن يسيل دمنا علي هذا المكان، فيجعلنا نرتبط به عاطفياً وكأننا عشنا بين أحضانه ونحن لم نره من قبل فقد نجح. الكاتب ساحر بوسعه أن يبث الروح في الجماد، بالنماذج البشرية والتفاصيل والأحداث، هكذا لن يستطيع الملل أن يسيطر علي القاريء. المكان هو وعاء الزمان، والإنسان ليس إلا حزمة أوقات. السينما مثلاً فن مكاني وليس لغويا، فهو صورة تعبر عن ذبذبة مكانية ليست زمنية ولا بشرية، وهكذا تعيش الأمكنة فينا وتحيا بداخلنا وقد تأنسها أكثر من ساكنيها. الوسائل الفنية لفعل ذلك لا حد لها.
هل تنتمي السيرة الذاتية إلي الفن أم إلي التاريخ؟
حاولت أن أضع بعض الخطوط العريضة لطبيعة السيرة الذاتية التي تنتمي إلي الأدب والفن، ووجدت أن الشرط الأساسي هي أن تختار من الوقائع الخاصة ما يمكن أن يكون له دلالة عامة، أي العبور من الخاص إلي العام بمنطق النموذج الإنساني والفني هو الذي يفسح المجال للدخول في رحاب الأدب، بالإضافة إلي ضرورة أن تتضمن إعادة بناء الماضي باستخدام النسيج التخييلي وليس باستحضار التفاصيل الواقعية فقط، وإنما تخييل الواقع بمعني إشرابه مذاقاً تخيلياً، لأن الأدب تخييل، وهو شرط من شروط أدبية السيرة الذاتية، اللغة أيضاً تعد عاملاً هاماً، سرد الوقائع والأحداث بلغة عادية مطفأة لا وهج فيها ولا جمال ولا قدرة علي إعادة تخليق الأشياء يفقدها أدبيتها، فهي نوع من السرد والسرد له شعريته التي لا تقوم علي المجاز والاستعارة، وإنما علي صناعة تماثيل من الحياة من الفتات الذي يتناثر منها مثل الذي يصنع عصفورة من قطعة ورق، هي ذات الورقة ولكن هذا الفنان لفت نظرك كي تنتبه إليها، وهكذا تأخذ إطاراً فنياً، نحت الوقائع وتجسيدها وبث الروح فيها هو ما يعلي من أدبية السيرة الذاتية. هكذا توجد عوامل لكي نسبغ صفة الأدبية علي سيرة ذاتية ما، أما إن لم تتحقق فتصبح سيرة ذاتية تاريخية، كما في سيرة الثورة التي كتبها وائل غنيم في كتابه "الثورة". أريد أن أضرب مثلاً رائعاً في أدب السيرة الذاتية أو أدب الاعتراف، وأذكر هنا اعترافات لويس عوض في كتابه "أوراق العمر" التي تعتبر تاجا علي جبين المثقفين. أخطاؤه ميزات لأنه يعلمنا كيف يكون العظيم إنساناً، وكيف يتطهر بالصدق، وكيف يرتقي عندما يعترف. إن الذي يكتب سيرته ولا يقوي علي تجسيد تلك اللحظات خوفاً من الأهل والأصدقاء لم يتأهل بعد لأن يصبح كاتب سيرة ذاتية، وهي مسألة صعبة جداً لم أقو عليها حتي الآن، ولذلك لم أكتب مذكراتي.
كيف تنظر إلي الوضع الثقافي العام في مصر؟
لا توجد في مصر آليات محددة لاختيار الوزراء، ومن بينهم وزراء الثقافة، ولكنها تمضي وفقاً للهوي والمزاج والنصائح الشخصية وإلي أن تنضج الحياة الحزبية ويكون لكل حزب تشكيلاته وخبراته وإذا حصل علي الأغلبية فإنه يشكل حكومته القادرة علي التغيير، وإلي أن يحدث هذا سنظل في حالة التخبط التي نشهدها.
هل اقتصرت تجربتك في الحياة العامة علي النقد الأدبي أم خرجت عنه قليلاً؟
في السنوات العشر الأخيرة، خرجت من عباءة النقد ومررت بست تجارب هامة جداً في مجال الحياة العامة، كانت أولاها عندما كنت مستشاراً لمكتبة الإسكندرية وشرعنا في إطلاق منتدي الإصلاح العربي وحررنا وثيقة عظيمة ترسم مستقبل مصر ومراحل التحول السياسي والاجتماعي والديمقراطي وعرضناها علي الرئيس مبارك الذي احتفظ بها في الأدراج ولم تر النور حتي الآن. التجربة الثانية كانت عند تأسيس حزب الجبهة الديمقراطية، ثم اشتراكي في إعداد وثيقة الأزهر التي نصت علي احترام الحريات العامة وذلك في فترة ما بعد ثورة يناير، كما كنت أحد مستشاري المجلس العسكري الحاكم بعد الثورة، ثم اشتركت في اللجنة التي كانت معنية بمراجعة دستور الإخوان وذهبنا إلي المستشار الغرياني الذي قال لنا إن الوقت قد فات ولم يأخذوا بالتوصيات، أيضاً كنت عضواً في لجنة الصياغة التي اشتركت في إعداد دستور 2014، والآن أنا رئيس لمجلس أمناء حزب المصريين الأحرار.
وكيف تري الوضع السياسي الآن؟
أعتقد أن هناك مأثرة عظيمة سيذكرها التاريخ للرئيس السيسي وهي أنه أنقذ مصر من السقوط في هاوية الدولة الدينية والحرب الأهلية، ومن أن تصبح رهينة للإخوان والسلفيين، وعد فأوفي في خارطة الطريق وأكمل بناء الدولة وأصبحنا آمنين بعد أن كنا مروعين، كما أكمل الإطار القانوني لمجلس النواب، ولكن لا تزال تنقصه ثلاثة أشياء هامة، وهي ضرورة احترام دستور 2014 الذي أسس لشرعيته وهذا الدستور كتب بحكمة وعمق لا بحسن نية ولابد من احترام شتي نصوصه فهو يمنع قيام ديكتاتورية أخري وأحسب أن الرئيس يدرك ذلك ويؤمن به ولكن عليه أن يبرهن علي ذلك في خطاباته. كما أن مصر لم تكن يوماً شبه دولة، إلا في الفترة التي حكم فيها الإخوان، والمؤسسة العسكرية هي المؤسسة الفاعلة فيها واستعانته بها في المشروعات القومية كانت ضرورة علي أن تبدأ منذ الآن مؤسسات أخري مدنية تقوم بدورها وتحل محلها كي تعود هي إلي دورها البعيد عن السياسة، إذ تكمن وظيفتها الأساسية في حماية الحدود. هناك أمر آخر أريد أن أشير إليه وهو أن الرئيس يستمع كثيراً إلي المستشارين لكنه حتي الآن لم يجد ضالته، فعليه أن يعلن أسماء مستشاريه ويقدمهم كأعمدة للحكم ولا يتخذ قراراً إلا بعد مشورتهم.
ماذا تقرأ الآن؟
أقرأ الآن رواية "مصائر" للفلسطيني ربعي المدهون وهي عبارة عن عودة إلي المكان الفلسطيني من مجموعة مهاجرين يعودون إلي عكا وحيفا والقدس وقد أحسست بنفسي أري تلك الأماكن لأول مرة رغم كثرة ما قرأت عنها، ولكن وصف الكاتب للأمكنة في ذاكرة الطفل والعجوز الذي هُجِّر قسراً منه والمرأة والشاب، وحتي الحجر والشاطيء والموج والسور. كل هذا ينطق بالمفارقات والحياة، والسبب في ذلك هو اللغة، ووحدها اللغة هي من تستنطق المكان، واللغة هي أعظم اختراع بشري في التاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.