الوطنية للانتخابات تنعى زوجة رئيس الهيئة المستشار حازم بدوي    انزل ..شارك.. اختار    شُعبة حراسة المنشآت ونقل الأموال تناقش قانون العمل الجديد    وزير السياحة يشارك في فعاليات الدورة 26 للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة بالسعودية    باستثناء فئة واحدة.. ترامب يعتزم دفع 2000 دولار لكل أمريكي    "يديعوت أحرنوت": إلغاء جلسة محاكمة نتنياهو غدا بناء على طلبه    زيلينسكي يفرض عقوبات ضد مسئولين روس بينهم رئيس صندوق الإستثمار المباشر    أحمد رمضان بيكهام يدخل بدلاً من بن شرقي    رئيس جامعة بني سويف يتفقد مصابي حريق المستشفى العسكري ومعدية أشمنت    التصريح بدفن جثمان معلم أزهري لقي مصرعه أثناء أداء صلاته بقنا    تأجيل محاكمة 78 متهمًا في خلية "التجمع الأول" إلى 28 ديسمبر    قتل وهو ساجد.. التصريح بدفن جثة معلم أزهرى قتله شخص داخل مسجد بقنا    بعد استضافة (The Grand Ball)..خبير سياحي: مصر يمكنها منافسة أوروبا في تنظيم أكبر الفعاليات    عمرو سعد وعصام السقا يقدمان واجب العزاء في والد محمد رمضان    غدًا.. وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة فى لقاء خاص على القاهرة الإخبارية    منة فضالي تقدم واجب العزاء لوالد محمد رمضان بمسجد الشرطة    بعد تصريح الجزائر..ياسر جلال: "محدش يزايد على حُبي لبلدي أو وطنيتي"    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    حفاظا على صحتك، تجنب الإفراط في تناول الخبز والسكريات ومنتجات الألبان    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفى شبرا العام ويوجه بإصلاح الأجهزة خلال أسبوعين    شريف عامر: لا بد من التطور والتكيف ولكن بطريقه احترافية    افتتاح قمة الاتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية وسط قلق بسبب التحركات العسكرية الأمريكية    رئيس قطاع الأخبار بالمتحدة: مهمتنا تلبية احتياجات الجمهور وتقديم أفضل محتوى    بيحبوا يثيروا الجدل.. 4 أبراج جريئة بطبعها    استعدادات أمنية مكثفة لتأمين انتخابات مجلس النواب 2025    رئيس الوزراء يتابع مستجدات الموقف التنفيذي لمشروع مدينة «رأس الحكمة»    رسميًا.. بدء إجراء المقابلات الشخصية للمتقدمين للعمل بمساجد النذور ل«أوقاف الإسكندرية»    حزب السادات: مشهد المصريين بالخارج في الانتخابات ملحمة وطنية تؤكد وحدة الصف    الشروط الجديدة لحذف غير المستحقين من بطاقات التموين 2025 وتحديث البيانات    راحة 4 أيام للاعبي الاتحاد السعودي بعد خسارة ديربي جدة    توقيع مذكرة تفاهم لدمج مستشفى «شفاء الأورمان» بالأقصر ضمن منظومة المستشفيات الجامعية    أخبار السعودية اليوم.. إعدام مواطنين لانضمامهما إلى جماعة إرهابية    الخزانة الأمريكية ترفع العقوبات عن الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب    المستشارة أمل عمار تدعو سيدات مصر للمشاركة بقوة في انتخابات مجلس النواب 2025    محافظ بني سويف ورئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة يفتتحان فرع المجلس بديوان عام المحافظة    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    علاج مجانى ل1382 مواطنا من أبناء مدينة أبو سمبل السياحية    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    استلام 790 شجرة تمهيداً لزراعتها بمختلف مراكز ومدن الشرقية    «زي كولر».. شوبير يعلق على أسلوب توروب مع الأهلي قبل قمة الزمالك    وجبات خفيفة صحية، تمنح الشبع بدون زيادة الوزن    «لعبت 3 مباريات».. شوبير يوجه رسالة لناصر ماهر بعد استبعاده من منتخب مصر    نهائي السوبر وقمة الدوري الإنجليزي.. تعرف على أهم مباريات اليوم    انتخابات مجلس النواب 2025.. اعرف لجنتك الانتخابية بالرقم القومي من هنا (رابط)    مئات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى والاحتلال يواصل الاعتقالات في الضفة الغربية    أمين الفتوى: الصلاة بملابس البيت صحيحة بشرط ستر الجسد وعدم الشفافية    على خطى النبي.. رحلة روحانية تمتد من مكة إلى المدينة لإحياء معاني الهجرة    قافلة «زاد العزة» ال 68 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    هل يفاجئ توروب الزمالك؟.. تشكيل الأهلي المتوقع في نهائي السوبر المصري    طولان: محمد عبد الله في قائمة منتخب مصر الأولية لكأس العرب    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.صلاح فضل: نعاني من مجاعة نقدية
نشر في أخبار الأدب يوم 25 - 06 - 2016

يبدو د.صلاح فضل، مشغولا مؤخرا بمشروع نقدي كبير يحلل ويرصد عوالم السرد العربي الجديد الذي تدفق بغزارة في السنوات العشر الأخيرة، فأصدر كتاب "أساليب السرد في الرواية العربية الجديدة" ثم "سرديات القرن الجديد" وأخيراً "أحفاد محفوظ " الذي يستعرض فيه تجارب عدد كبير من الروائيين والروائيات من مختلف الاتجاهات، عبر مقالات تطبيقية يفيد منها الباحث والقاريء والكاتب علي حد سواء.
هنا نستوضح ملامح المشروع، عبر حديث طويل عن الوضع الثقافي اليوم في مصر، وبطبيعة الحال لم يخل الحديث من بعض الجوانب السياسية.
أشرت في مقدمة كتابك إلي "مجاعة نقدية" تسيطر علي الواقع الثقافي في مصر..ماذا تقصد بهذا المصطلح؟
لقد اختلف الأمر قليلاً عما كان يرصده الدكتور علي الراعي منذ عدة عقود، فهناك شُح نقدي وهذا صحيح، والمعروض أكثر من الطلب. كل المبدعين الذين يكتبون في الشعر والقصة والمسرح والرواية وشتي ألوان الأدب يتوقون إلي ذراع نقدية حانية تحتضنهم دون أن تشق عليهم ولا يجدون بطبيعة الحال هذه الذراع مبسوطة دائماً، ومن هنا الإحساس بأن النقد غائب، وهو إحساس صحي علي العموم. المسألة النقدية اليوم صار لها أبعاد مختلفة، فالنقد أصبح شحيحاً بالفعل في مصر علي وجه التحديد لأسباب كثيرة منها: انقطاع بعثات أساتذة الأدب إلي العواصم الأوروبية الكبري التي كانت تضمن لهم معرفة وثيقة لا باللغة وحدها وإنما بالمناخ المعرفي والحضاري فيحتشدون بما فيه مثلما فعل طه حسين ولويس عوض ومحمد مندور وعلي الراعي، ثم يعودون ليسطروا صفحات جديدة في النقد العربي، هكذا جفت منابع الجامعات وأصبحت تأكل نفسها واكتفت بتخريج مدرسين فيها قصاري جهدهم أن يلوكوا ما كان يقوله أساتذتهم ويلقوه علي مسامع الطلاب. ظلت الصحافة تخرج نقادها لكن أحداً منهم لم يصل حتي الآن إلي مستوي رجاء النقاش أو إبراهيم فتحي مثلاً، هؤلاء الذين استطاعوا أن يجعلوا النقد مادة شهية سائغة يسوقون بها للأدب فتفتح عقول الناس ومداركهم للقراءة. سبب آخر هام جداً ومؤثر في نظري وهو تصدر عدد من الصحفيين غير المهتمين بالثقافة رئاسة تحرير عدد من الصحف والجرائد الكبري، وهؤلاء لا يقرأون ولا يشغلون بالهم بالثقافة وأهمية الأدب في بناء الشعوب. هذا هو سبب انحدار المادة الصحفية وانعدام المادة النقدية في صحفنا المصرية التي باتت محلية إقليمية، والنشرات المدرسية أجمل منها، كما تطل علينا بأعمدة الرأي وهي ثرثرة لا رأي فيها ولا فن ولا جدوي منها.
وما وظيفة الناقد ومهمته بالأساس؟
الناقد لا يكون ناقداً إلا إذا استوعب الفضاء الإبداعي وميز بين مستوياته المختلفة وأضاف إليه نوره النقدي وقدم أجمل ما فيه إلي القراء. الناقد هو مندوب الكاتب لدي القراء، الذي يعلم أصول "الصنعة" ويكشف أسرارها ويقدمها بشكل آخر، ويساعد الكاتب في التحقق مما وصل إليه، لأنه في كثير من الأحيان يكتب المبدع شيئاً يريد أن يتأكد ويستوثق من قيمته وهنا هو في أشد الحاجة إلي الناقد.
وماذا عن مستقبل النقد، كيف تري شباب النقاد؟
لدينا عشرات الشباب والشابات ممن تتراوح أعمارهم بين الثلاثينيات والأربعينيات، وهم نقاد محترفون لا يجدون فضاءات إعلامية لممارسة أنشطتهم وإذا كتبوا شيئاً لا يستطيعون أن يقفوا علي قارعة الفيس بوك أو في شوارع الميديا لكي يسوقوا أعمالهم، والمواقع الإلكترونية والتواصل الاجتماعي تمثل عوالم خفية لم تفرز آلياتها بعد لتقديم المبدعين والنقاد.
بعد ثلاثية "أساليب السرد في الرواية العربية الجديدة" ثم "سرديات القرن الجديد" وأخيراً "أحفاد محفوظ"..هل اكتمل بذلك مشروعك النقدي الطموح لرصد التجربة السردية الحديثة؟
لقد عنيت طيلة حياتي بوضع الكتب والأبحاث العلمية والأكاديمية لتطوير نظرية النقد ومعالجتها ودراسة الأدب المقارن، ونقد الشعر والقصة والرواية أيضاً، وهكذا أنا لا أكل عن متابعة كل ما هو جديد من سرد وشعر ومسرح، كي أكتب عنه وأقول رأيي النقدي فيه.
تحدثت في الكتاب عن رواية الواقعية السحرية عند عمار علي حسن.. بماذا تفسر عزوف الكتاب عن هذا الاتجاه في الكتابة الذي تضرب جذوره التاريخية في أعماقنا منذ "ألف ليلة وليلة"؟
ليس من المتوقع أن يقرر بعض المبدعين أن يتبعوا اتجاهاً معيناً في الكتابة، فيقتصر إبداعهم عليه وحده. لقد أشرت إلي رواية الواقعية السحرية التي انتشرت في أدب أمريكا اللاتينية، ولقد أشرت في كتابي الأول "منهج الواقعية في الإبداع الأدبي" إلي هذا التيار وبشرت فيه لأول مرة بماركيز وذلك عام 1977 قبل حصوله علي نوبل، وشرحت حينها المنابع الرئيسية لهذا التيار الأدبي ومنها علي وجه التحديد كتاب "ألف ليلة وليلة". أذكر أول مقال تطبيقي كتبته ونشر في مجلة العربي وكان عن رواية الحرافيش لنجيب محفوظ، حينها حرضت نجيب محفوظ علي اجتياز عالم الجن وأسراره وعالم السحر وأضاليله لتخصيب خياله الروائي بصفته وريث الثقافة العربية الشرقية القديمة والأولي من كتاب أمريكا اللاتينية باحتضانها، وقد استجاب نجيب لذلك رغم قسوتي عليه في المقالة وأخبرني بذلك رواد ندوته الأسبوعية أنهم تناقشوا معه في المقال وكتب نجيب بعد ذلك كتابات بالغة الأهمية تستخدم هذه الظاهرة وتوظفها روائياً. علي أي حال، فإن التقنيات الإبداعية متوالدة ومتجددة وقد يبتدع الكاتب شيئاً جديداً وهو يكتب، وبالتالي أصبحت الرواية الآن مجمع الفنون، فهي تمتص بشراهة العروق الجمالية من الرسم والموسيقي والسينما والمسرح والعمارة، فيكفي أن تأتي ببطل ينتمي إلي أحد هذه الفنون كي تصبح الرواية بحثاً في هذا النوع من الفن. الكاتب يرث خبرات كثيرة من الكتاب السابقين عليه وعليه هو أن يطور منها ويضيف عليها ويكتب أشياءً لم تكتب من قبل، يعمق فيها رؤيته للحياة ويزلزلنا فيها وجدانياً.
أشرت إلي الرواية التاريخية عند يوسف زيدان.. هل يمكن اعتبار الرواية التاريخية مرجعاً في التاريخ يمكن الاستناد إليه؟
لديّ قصة مع يوسف زيدان ويحلو لي أن أسردها لك. لقد جاءني عند صدور روايته الأولي "ظل الأفعي" ووجدتها أشبه ما تكون بالبحث التاريخي في أهمية المرأة وعظمة الأنثي ولكنها تبعد كثيراً عن الرواية بما فيها من فن وجمال، طلب مني يوسف أن أناقش روايته ولكني أخبرته برأيي فيها وأنه ما يزال في البدايات، ولكنه أصر علي طلبه بغض النظر عما أقول في الندوة، وبالفعل ذهبت وقلت نفس الرأي وذكرته بمقولة سقراط "إذا دخلت مدينة فعليك أن تتبع قوانينها" ووجدته أمعن التفكير فيها ثم خرج علينا بروايته الثانية "عزازيل" وأعجبتني الرواية التي أثارت ضجة ضخمة، وجدت فيها نموذجاً للإبداع واستبشرت به، ولكن حالفها الحظ بشكل كبير جداً وحصلت علي البوكر، وهو شيء كبير علي كاتب مبتديء، وكانت نقطة تحول في حياة يوسف زيدان إذ غدا شخصا متكبرا مغرورا بشكل لا يطاق ولا يحتمل، وبعد ذلك أصدر "النبطي" التي لم تعجبني أبداً لسوء مستواها وتدنيها عما قبلها، ولم يعد يوسف يعني بالنقد ولا بالنقاد وقد صرح هو بذلك من قبل، ولا أتوقع منه أن يكتب إبداعاً رائقاً. بالنسبة لسؤالك عن اعتبار الرواية التاريخية مرجعاً، فلا أعتقد في ذلك، لأن التاريخ هو أحد المصادر الكبري وهو لا يعني الأحداث فقط، فهناك تاريخ الثقافات وتاريخ العلوم
وتاريخ الفنون وتاريخ البشر وتاريخ المجتمعات وتاريخ الكون، فمثلاً نجيب محفوظ استطاع أن يمسك في قبضته تاريخ الكون كله، والتاريخ لا يقتصر علي الأحداث فقط أو الحروب وحسب. الرواية هي التاريخ والمستقبل معاً، وهي الإنسان والوجود، الذرة الكبري والمجرة الكبري، وقد تكون واقعة واحدة يتناولها اثنان من المبدعين ويختلف التناول والمعالجة بشكل كبير، التاريخ مجرد بوابة يلج بها المبدع ليقدم عوالم يريد أن يغمرنا بها.
لكن يظل للمؤلف الحق في تغيير مصائر الأبطال؟
لا يملك الكاتب ذلك وليس بوسعه، وإن فعل فلا نسير وراءه ولا نأخذه مأخذ الجد، ولا نعتقد بصحة ما يقول، ولكن ليس من اللائق أن نستقي المعلومات التاريخية من الرواية لأن هذا نوع من الاستسهال، فمن يرغب في قراءة التاريخ عليه بالرجوع إلي المصادر التاريخية والكتب الأساسية في هذا العلم وليس الاكتفاء ببضعة معلومات من رواية أو قصة. كتابة التاريخ لها فلسفة تتلخص في أن اللحظة الراهنة هي بنت المرحلة السابقة.
يعيب البعض علي رواية المكان بأنها تختزل الحوار ويمل منها القاريء سريعاً بسبب إيقاعها الرتيب.. ما تعليقك؟
الأمكنة لها حيواتها، وإذا نجح الكاتب في أنسنة المكان، وإذا نجح في أن يسيل دمنا علي هذا المكان، فيجعلنا نرتبط به عاطفياً وكأننا عشنا بين أحضانه ونحن لم نره من قبل فقد نجح. الكاتب ساحر بوسعه أن يبث الروح في الجماد، بالنماذج البشرية والتفاصيل والأحداث، هكذا لن يستطيع الملل أن يسيطر علي القاريء. المكان هو وعاء الزمان، والإنسان ليس إلا حزمة أوقات. السينما مثلاً فن مكاني وليس لغويا، فهو صورة تعبر عن ذبذبة مكانية ليست زمنية ولا بشرية، وهكذا تعيش الأمكنة فينا وتحيا بداخلنا وقد تأنسها أكثر من ساكنيها. الوسائل الفنية لفعل ذلك لا حد لها.
هل تنتمي السيرة الذاتية إلي الفن أم إلي التاريخ؟
حاولت أن أضع بعض الخطوط العريضة لطبيعة السيرة الذاتية التي تنتمي إلي الأدب والفن، ووجدت أن الشرط الأساسي هي أن تختار من الوقائع الخاصة ما يمكن أن يكون له دلالة عامة، أي العبور من الخاص إلي العام بمنطق النموذج الإنساني والفني هو الذي يفسح المجال للدخول في رحاب الأدب، بالإضافة إلي ضرورة أن تتضمن إعادة بناء الماضي باستخدام النسيج التخييلي وليس باستحضار التفاصيل الواقعية فقط، وإنما تخييل الواقع بمعني إشرابه مذاقاً تخيلياً، لأن الأدب تخييل، وهو شرط من شروط أدبية السيرة الذاتية، اللغة أيضاً تعد عاملاً هاماً، سرد الوقائع والأحداث بلغة عادية مطفأة لا وهج فيها ولا جمال ولا قدرة علي إعادة تخليق الأشياء يفقدها أدبيتها، فهي نوع من السرد والسرد له شعريته التي لا تقوم علي المجاز والاستعارة، وإنما علي صناعة تماثيل من الحياة من الفتات الذي يتناثر منها مثل الذي يصنع عصفورة من قطعة ورق، هي ذات الورقة ولكن هذا الفنان لفت نظرك كي تنتبه إليها، وهكذا تأخذ إطاراً فنياً، نحت الوقائع وتجسيدها وبث الروح فيها هو ما يعلي من أدبية السيرة الذاتية. هكذا توجد عوامل لكي نسبغ صفة الأدبية علي سيرة ذاتية ما، أما إن لم تتحقق فتصبح سيرة ذاتية تاريخية، كما في سيرة الثورة التي كتبها وائل غنيم في كتابه "الثورة". أريد أن أضرب مثلاً رائعاً في أدب السيرة الذاتية أو أدب الاعتراف، وأذكر هنا اعترافات لويس عوض في كتابه "أوراق العمر" التي تعتبر تاجا علي جبين المثقفين. أخطاؤه ميزات لأنه يعلمنا كيف يكون العظيم إنساناً، وكيف يتطهر بالصدق، وكيف يرتقي عندما يعترف. إن الذي يكتب سيرته ولا يقوي علي تجسيد تلك اللحظات خوفاً من الأهل والأصدقاء لم يتأهل بعد لأن يصبح كاتب سيرة ذاتية، وهي مسألة صعبة جداً لم أقو عليها حتي الآن، ولذلك لم أكتب مذكراتي.
كيف تنظر إلي الوضع الثقافي العام في مصر؟
لا توجد في مصر آليات محددة لاختيار الوزراء، ومن بينهم وزراء الثقافة، ولكنها تمضي وفقاً للهوي والمزاج والنصائح الشخصية وإلي أن تنضج الحياة الحزبية ويكون لكل حزب تشكيلاته وخبراته وإذا حصل علي الأغلبية فإنه يشكل حكومته القادرة علي التغيير، وإلي أن يحدث هذا سنظل في حالة التخبط التي نشهدها.
هل اقتصرت تجربتك في الحياة العامة علي النقد الأدبي أم خرجت عنه قليلاً؟
في السنوات العشر الأخيرة، خرجت من عباءة النقد ومررت بست تجارب هامة جداً في مجال الحياة العامة، كانت أولاها عندما كنت مستشاراً لمكتبة الإسكندرية وشرعنا في إطلاق منتدي الإصلاح العربي وحررنا وثيقة عظيمة ترسم مستقبل مصر ومراحل التحول السياسي والاجتماعي والديمقراطي وعرضناها علي الرئيس مبارك الذي احتفظ بها في الأدراج ولم تر النور حتي الآن. التجربة الثانية كانت عند تأسيس حزب الجبهة الديمقراطية، ثم اشتراكي في إعداد وثيقة الأزهر التي نصت علي احترام الحريات العامة وذلك في فترة ما بعد ثورة يناير، كما كنت أحد مستشاري المجلس العسكري الحاكم بعد الثورة، ثم اشتركت في اللجنة التي كانت معنية بمراجعة دستور الإخوان وذهبنا إلي المستشار الغرياني الذي قال لنا إن الوقت قد فات ولم يأخذوا بالتوصيات، أيضاً كنت عضواً في لجنة الصياغة التي اشتركت في إعداد دستور 2014، والآن أنا رئيس لمجلس أمناء حزب المصريين الأحرار.
وكيف تري الوضع السياسي الآن؟
أعتقد أن هناك مأثرة عظيمة سيذكرها التاريخ للرئيس السيسي وهي أنه أنقذ مصر من السقوط في هاوية الدولة الدينية والحرب الأهلية، ومن أن تصبح رهينة للإخوان والسلفيين، وعد فأوفي في خارطة الطريق وأكمل بناء الدولة وأصبحنا آمنين بعد أن كنا مروعين، كما أكمل الإطار القانوني لمجلس النواب، ولكن لا تزال تنقصه ثلاثة أشياء هامة، وهي ضرورة احترام دستور 2014 الذي أسس لشرعيته وهذا الدستور كتب بحكمة وعمق لا بحسن نية ولابد من احترام شتي نصوصه فهو يمنع قيام ديكتاتورية أخري وأحسب أن الرئيس يدرك ذلك ويؤمن به ولكن عليه أن يبرهن علي ذلك في خطاباته. كما أن مصر لم تكن يوماً شبه دولة، إلا في الفترة التي حكم فيها الإخوان، والمؤسسة العسكرية هي المؤسسة الفاعلة فيها واستعانته بها في المشروعات القومية كانت ضرورة علي أن تبدأ منذ الآن مؤسسات أخري مدنية تقوم بدورها وتحل محلها كي تعود هي إلي دورها البعيد عن السياسة، إذ تكمن وظيفتها الأساسية في حماية الحدود. هناك أمر آخر أريد أن أشير إليه وهو أن الرئيس يستمع كثيراً إلي المستشارين لكنه حتي الآن لم يجد ضالته، فعليه أن يعلن أسماء مستشاريه ويقدمهم كأعمدة للحكم ولا يتخذ قراراً إلا بعد مشورتهم.
ماذا تقرأ الآن؟
أقرأ الآن رواية "مصائر" للفلسطيني ربعي المدهون وهي عبارة عن عودة إلي المكان الفلسطيني من مجموعة مهاجرين يعودون إلي عكا وحيفا والقدس وقد أحسست بنفسي أري تلك الأماكن لأول مرة رغم كثرة ما قرأت عنها، ولكن وصف الكاتب للأمكنة في ذاكرة الطفل والعجوز الذي هُجِّر قسراً منه والمرأة والشاب، وحتي الحجر والشاطيء والموج والسور. كل هذا ينطق بالمفارقات والحياة، والسبب في ذلك هو اللغة، ووحدها اللغة هي من تستنطق المكان، واللغة هي أعظم اختراع بشري في التاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.