في كتاب "السرديات الشعبية.. التمثيلات الثقافية والتأويل"، الصادر عن مؤسسة الانتشار العربي، يضع مؤلفاه د. ضياء الكعبي ود. معجب العدواني السرديات الشعبية العربية تحت مجهر الدرس والتمحيص، مع التوقف مطولًا أمام جدلية الشعبي والنخبوي التي تركز عليها الكعبي في دراستيها: "جدلية الشعبي والنخبوي: التمثيلات النقدية والثقافية للسرديات الشعبية"، و"الحكاية الشعبية في منطقة شبه الجزيرة العربية والخليج العربي: مقاربة ثقافية تأويلية". تشير الكعبي إلي تعرض المرويات الأدبية الجاهلية في مرحلة التدوين العبّاسي إلي انتقائية خضعت لمرجعية المدوِّن العقائدية، ولأنساق السلطة العباسية الناشئة، لكن هذه المرويات وجدت طريقها إلي القُصَّاص الذين استثمروها في تشكيل قص عجائبي كان له ظهور في "ألف ليلة وليلة" والسير الشعبية العربية. تتتبع الكعبي في الفصل الأول من الكتاب المهم أسباب تغييب النقاد العرب القدامي للقص بصورة عامة ومن ضمنه السير الشعبية، مشيرة إلي أن العامل اللغوي وكون السرديات الشعبية مكتوبة "بلغة أدني" من اللغة العربية الفصحي لا يبرر وحده تهميشها، فقد همش النقاد العرب القدامي القصص العربي المكتوب بلغة عربية فصحي نخبوية أيضًا، فالعامل الديني قد لعب دورًا أكبر في تغييب القص وإقصائه خارج الثقافة الرسمية، فالقصاص استهانوا بالمرجعية الدينية النقلية واستخفوا بها، وتعاظمت سلطتهم وكانوا يعتمدون علي المتلقي العام ويحرصون علي تلقيه أحاديثهم بعيدًا عن أن أية سلطة معرفية أو دينية. كما أن تعالق ما يروونه مع الإسرائيليات أقلق السلطة الدينية. اللافت للانتباه أن تشكل السير الشعبية المدونة تم في العصر المملوكي، أي مع تحول العربي من حاكم لنفسه إلي محكوم خاضع للغير، و"نتيجة لذلك أنتجت الجماعة الشعبية سيرها لتجسد من خلالها أحلامها حول البطل المخلِّص". من جهة أخري صنعت السير الشعبية العربية، كما تورد الكعبي، متخيلًا سرديًا تاريخيًا يفترق عن منظور كتب التأريخ الرسمية، كأن "الإقصاء والتغييب والتهميش أوجد في المقابل تمثيلات ثقافية احتفت بالمتخيل السردي المفارق للحقيقة التاريخية". وتمثل السير الشعبية العربية من وجهة نظر الكتاب واحدًا من أهم الأنواع السردية العربية في إنتاج أنساق مضادة للتواريخ الرسمية. ومن الأمثلة علي اختلاق الجماعات السردية لتاريخ خاص بها، أن جماعات الغجر في مصر اخترعت لنفسها تاريخًا ونسبًا أسطوريًا للرد علي أنساق تهميشها ونبذها، حيث تدّعي هذه الجماعات تحدرها من نسل جساس بن مرة. كما تشير بريجيت كونللي إلي تماهي الرواة والمتلقين في بعض مناطق السودان وغانا وتشاد مع أبي زيد الهلالي، حيث يطيل الراوي الوقوف عند لون أبي زيد الأسود وما واجهه من إقصاء القبيلة ونبذها. وفي دراستها "الحكاية الشعبية في منطقة شبه الجزيرة العربية والخليج العربي" (الفصل الثالث للكتاب)، تواصل الكعبي ما بدأته، لكن بالتركيز علي الحكاية الشعبية كمدونة نصية لخلق هويات سردية للجماعات المتخيلة، إذ تستعرض عددًا من الحكايات الشعبية، أبطالها شخصيات مرجعية تاريخية، جري تحوير حوادثها بما يتناسب مع الذاكرة الشعبية وتأويلها الخاص للتاريخ الذي يخالف التواريخ الرسمية. أما الباحث معجب العدواني فيركز علي الحكاية الشعبية عبر فصليّ: "أسئلة الحكاية الشعبية" ويتناول فيه إشكال التأويل المتصل بالموروث الحكائي الشعبي إذ يكتب: "نحاول السعي إلي الإبانة عن التأويلات الممكنة للنص الحكائي الشعبي، وتحقيق شعريته عبر اجتراح مفاهيم نقدية حديثة لها آلياتها المعروفة التي أثبتت فاعليتها في حقل النصوص الأدبية الأخري"، و"الحكاية الشعبية في عُمان: بنيات ودلالات" ويحلل فيه حكايات شعبية عمانية اعتماداً علي التناص بأنواعه: الرأسي والأفقي والعكسي. "السرديات الشعبية العربية" بدراساته الأربع كتاب جدير بالقراءة والنقاش.