خصصت مجلة " كل شيئ والدنيا" في عددها الصادر في 4 ديسمبر 1935، 8 رمضان 1354 ليكون عددا خاصا عن رمضان، واكتفت بوضع عنوان وحيد " عدد رمضان"، وفي الداخل أفردت صفحات تتناول ثقافة الاحتفال بهذا الشهر الكريم، بدءا من موكب الرؤيا، ومرورا بوجهة نظر المبدعين وهل يعطل الصيام الانتاج الأدبي والفني، وتطرقت كذلك لعدد من الصناعات المرتبطة برمضان، وقضت ليلة مع المسحراتي، وجابت الشوارع لتري أحوال الناس قبل لحظات من إطلاق مدفعي الإفطار والسحور، وقد أخترنا عددا من التحقيقات والتعليقات لنشرها بمناسبة هذا الشهر الكريم. رأي الأستاذ عباس محمد فريد وجدي الصيام إمساك عن الطعام والشراب وعن جميع نواقضه من مألوفات النفوس. وفي هذا الإمساك مجاهدة لاشبهة فيها في الأيام الأولي منه، فإذا تكرر خفت وطأة هذه المجاهدة، وقد تتلاشي لدي الذين لم يعتادوا تناول القهوة والشاي وتدخين التبغ وغيره، فتكون حالة الصائم عادية، ويكون انتاجه العقلي أغزر وأحسن مما لو كانت معدته مشتغلة بالهضم، علي شرط أن يكون قائما بما تفرضه عليه أصول علم الصحة في مأكله ومشربه ونومه. أما من كانت معيشته فوضي لايبالي بمقدار ما يأكل ولا ما يأكل ولامايشرب، ولايعطي جسمه حقه من النوم والراحة، فإن أعصابه تصبح غير متزنة ولايغنيه صيامه شيئاً من ناحية الانتاج العلمي. بقي الذين اعتادوا شرب القهوة والشاي وتدخين التبغ وغيره، فهؤلاء تضطرب أعصابهم من الصيام وتسوء أخلاقهم منه ويقل انتاجهم العقلي، بل منهم من يصبح غير صالح في حالة الصيام لأي عمل. فسألنا الاستاذ أن يدلي إلينا بشيء عن نظام غذائه وعمله في رمضان فقال: - النظام الذي أتبعه في الصيام هو أني أتناول السحور في الساعة الأولي بعد نصف الليل، وأمكث ساعتين ثم أنام إلي الساعة التاسعة، وأبدأ عملي من الساعة العاشرة إلي الساعة الثانية بعد الظهر، ثم انتهي بقراءة الصحف وبعض الكتب إلي الغروب فأفطر،وفي الساعة الثامنة أقابل الزائرين إلي منتصف العاشرة، ثم أخرج فأمشي مع بعض الأخصاء، وأعود بعد ذلك إلي داري معهم فأقرأ لهم شيئاً من بعض المباحث التي تهمني إلي منتصف الساعة الثانية عشرة. وإني كثير المبالاة بقول النبي صلي الله عليه وسلم: "ما ملأ أبن آدم وعاء شراً من بطنه". رأي الدكتور محمد حسين هيكل بك الصيام من الفرائض التي تهذب النفس أحسن تهذيب، وإلي جانب تهذيبه للنفس فيه رياضة للإرادة ومغالبة للعادات التي تقيد حرية الإنسان، والتي يحسبها الناس خطأ الحرية نفسها، علي أني لا أريد بالصيام ما يصنعه المصريون الذين يقضون ليلهم ينعمون من الطعام والشراب بأكثر مما ينعمون به في أيام الأفطار، ولكني أقصد به ما أراده القرآن الكريم وهو اجتناب ما يثقل الجسم وما تميل إليه شهوات الإنسان الدنيا من طعام أو شراب أو غيرهما. وليس في الصيام تعطيل للانتاج الذهني مادمت أري أن في الصيام تغلباً علي عادات التدخين وشرب القهوة وما إليهما ، علي أن يدرك الصائم أنه بصيامه يسترد حريته من قيود هذه العادات ويتغلب بإرادته عليها. أما الذين لاتكون عندهم هذه الفكرة أثناء صيامهم، فأولئك هم الذين يتألمون من الحرمان ويحسبونه قيداً للحرية ، بينما هذه العادات هي القيد للحرية! رأي الأستاذ عباس محمود العقاد لاحقته وهو يعلو درجات سلم الجريدة بقفزاته الواسعة حتي استقر في مكتبه... فقلت: - لقد اعتزمنا إصدار عدد خاص برمضان. فقاطعني مبتسماً: - حياكم الله.. وما شأني فيه؟ فقلت:- أن تدلوا برأيكم في الصيام وهل هو معطل للإنتاج؟. فقال الاستاذ: - أنت تسألني سؤالاً محرجاً.. إلا إنه من الجائز ألا يعطل الصيام الانتاج الأدبي في ساعات النهار الأولي، أما في ساعات النهار المتأخرة فظني أنه من الصعب الانتاج الأدبي أو الفني في هذه الحالة، ولاسيما إذا كان الصائم ممن تعودوا التدخين أو مايماثله في أثناء عمله. - وفي أثناء الليل؟ - أما في الليل فالأمور تسير في مجراها الطبيعي، بل ربما عوض الصائم في أثناء النهار وزيادة، ألا تري أن السهر مستحب في هذا الشهر المبارك فيصبح الليل وكأنه ليلان أو ليل ونهار معاً.