عندما يستيقظ وعيك علي حقيقة تزعج كل من حولك. يهمسون بها بين أنفسهم. يتجرعونها في حجراتهم في صمت.!! لا يجرؤ أحدهم علي مجرد التلفظ بما يفهم منه مجرد التفكير في وجود تلك الحقيقة بينهم، تكبر كل يوم.تلتهم أحلامهم اليومية، وربما تقضي علي مستقبل أيامهم وأولادهم أيضآ. إنه آخر العنقود، الذي قدم إلي حياتهم فجأة، دون سابق إنذار.فالوالدان بلغا من الكبر عتيا، وربما جاء الطفل مؤخرآ ليحرمهم مما جمعه الوالد طوال سنوات عمله.ولما لا!! فالكل قد استقر وأصبح له أسرة وأولاد أكبر من هذا" المسخوط" الذي شرف، فاستولي علي لب الوالدين.يتذكر الأخ الأكبر كم كانت ثورة الأب عليه وعلي حفيده ، لمجرد أن ابنه ضرب عمه "المفعوص"، الذي يقاربه في العمر تقريبآ، وكيف أقسم علي عدم دخوله البيت من يومها. تندفع الأخت الصغري في حديثها إلي زوجها بما يمور بداخلها من أفكار:فالوالد يستعجل رؤية طفلهُ الصغير كبيرآ مثلنا، بل تعبر بحنق من رعبها من أن يستأثر هذا الطفل بكل الميراث.فيضيع حقها وحق أخواتها. يجلس الجميع في كل مناسبة في البيت الكبير، الكل يداعب الطفل ويدلله ؛استرضاء للوالد.الذي لم ير فيهم غير أخوة سيدنا يوسف.ينتهي السامر، ويرحل الجميع إلي بيوتهم.ويجلس الأب ليتحدث إلي الصغير.يستحثهُ علي طلب العلم: لا تكن جاهلا كباقي أخوتك.أنت مختلف.أنت أذكي.لمعة عينك تنبيء عن عالم كبير، يضم رأس الطفل إلي صدره حزينآ تسكنه الحسرة كلما شعر بأنه لن يمهله العمر الفرصة ليري ذلك.يموت الأب.فيزداد القلق بين الأبناء الكبار، ولكنه قلق قديم أفرج عنه بشهادة وفاة الوالد.الآن يتصايحون في وجه الأم، يستجوبونها ذهابآوجيئة: اوعي يا أمي يكون أبونا(الله يرحمه) كتب اللي حيلتنا باسم "المحروس".؟!! وكلما جاءت إجابة الأم قاطعة بالنفي زاد القلق، ورأوا فيه تأكيدآ لما في نفوسهم من وساوس. تغيرت طريقة تعاملهم مع الطفل، فبعد التنافس فيما بينهم علي تدليله، لاستجداء رضي الأب، ظهرت الوجوه علي حقيقتها، أختلفت نبرة الصوت:من طبقة رخوة حانية إلي طبقة قوية نافرة.كانت صدمة الطفل لوفاة الأب أكبر مما كان يفكر فيه أخوتهُ، وبعد مرور الأربعين. قرروا السعي لاستخراج "إعلام وراثة".لتظهر حقيقة غفل عنها الجميع تناساها الجميع.الأخ الأصغر هو الوحيد الذي يستحق الميراث.لاعن وصية أو أوراق تنازل من الوالد كما كانوا يظنون.، ولكن لأنه الوحيد بحكم ترتيب الأسم الثلاثي ابن لأبيه، أما هم فبحكم أسمائهم ربما تكون درجة القرابة من الدرجة الثانية أو الثالثة.جن جنونهم.وأصبح الوجوم يسيطر علي حديثهم.كيف يكون هذا الطفل الوريث الشرعي؟! ونحن الغرباء!!.هل ما حدث محض خطأ..صدفة أم ابتلاء.هل ضاع منا كل شيء وذهب علي طبق من فضة إلي هذا الطفل؟! أكيد هناك حل.هل يتركون هذه الثروة تؤول إلي صاحب الإسم المختلف.بل قل إلي صاحب الأسم الصحيح، ونحن واقفون.يخرج كل واحد منهم بطاقته يريها للآخر.جميعهم يحملون نفس الاسم.يهرعون إلي المحامي الكبير الذي يجد لهم حلآ سحريآ يُعيد لهم حقهم المسلوب.سنستخرج شهادة إدارية لكل واحد منكم يفيد أنهُ ابن لهذا الرجل، ثم تستخرجون بطاقات جديدة بالاسم الجديد.بعدها يمكننا استخراج إعلام وراثة جديد، وبشهادة الشهود يعود إليكم مال أبيكم. يشب الطفل عن الطور، وما زال في حلق أخوته غصة مما ذاقوه بسببه من الأب ومن المحكمة.لا يلتفت كثيرآ إلي الطباع السيئة التي غلبت عليهم بعد رحيل الوالد.فقط آخذ علي نفسه عهدآ أن يحقق حلم الوالد ويتعلم ومن عام إلي عام يقترب من تحقيق حلمهُ. يتخرج من الجامعة، ويصبح هو الوحيد في العائلة من حصل علي شهادة جامعية. يوغل هذا صدر أخوته عليه أكثر وخاصة أن تدليلهم لأبنائهم أفسدهم.يتقدم نحو الهدف الذي رسمهُ له الأب لا يثنيه عنه شيء.يحصل علي الدكتوراه. يحنو علي أخوته الكبار أكثر من أبنائهم.يجمعهم مرة ثانية إلي بيت العائلة. يستظلون بظله، فيربت علي أكتافهم، يقف بجانب المريض، ويشارك في جهاز بنات العائلة بمنتهي الحب، يستخرج رخص البناء لمن علي وشك البناء، يداويهم من الحقد القديم عليه، ويلتمس لهم الأعذار. فيتأكد للجميع بعد كل هذه السنين أن الاسم ليس وحده المختلف. وأن الاسم جاء صحيحآ- ولو صدفة- وأن هذا الأخ الصغير الكبير وحده هو الذي يستحق هذا الاسم المختلف.!!