تزدحم المحاكم بقضايا الميراث، وغالباً تكون المرأة هي الطرف الأضعف الذي يبحث عن حقه بين أروقة المحاكم ومكاتب المحاماة، حيث تعاني المرأة وخاصة في الصعيد والريف المصري عموماً الحرمان من الميراث نتيجة لمعتقدات خاطئة تجاوزها الزمن، مع عدم وجود قانون يعاقب أي شخص تحت يده أوراق الملكية ويحرم وريثاً شرعياً - وخاصة الإناث - من تسليمه حقه الشرعي في الميراث.. وفي خطوة للقضاء علي حرمان المرأة من ميراثها تقدم المجلس القومي للمرأة بمقترح لإضافة مادة جديدة إلي قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 إلي المستشار أحمد الزند وزير العدل وتشمل هذه المادة تجريم الامتناع عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي في تركة مورثه، أو الامتناع عن تسليم المستندات الدالة علي الملكية إلي الوارث. جيهان فؤاد مقرر فرع المركز القومي للمرأة بمحافظة القليوبية قالت إن المادة المقترحة تنص علي توقيع عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة لكل من كانت أعيان التركة أو بعضها تحت يده وامتنع دون وجه حق عن تسليم أحد الورثة ذكراً أو أنثي نصيبه الشرعي وتوقيع عقوبة الحبس مدة لا تقل عن 4 أشهر ولا تزيد علي سنة وبغرامة لا تقل عن 1000 جنيه ولا تجاوز 10 آلاف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين، لكل من كانت أعيان التركة أو بعضها تحت يده باتفاق الورثة ، وامتنع بغير حق عن تسليم كل وارث نصيبه في ريعها، ويعاقب كل من حجب مستندات ملكية أعيان التركة عن مستحقيها بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر. تضيف: هذا المقترح يحل إشكالية غياب نص يجرم منع تسليم الميراث إلي أحد أصحابه في قانوني المواريث والعقوبات ، حيث لم يتضمنا جزاءَ جنائياَ لمن يمتنع عن تسليم الوارث حصته في الميراث ، وبذلك نتمكن من منع ظاهرة العرف السائد بحرمان المرأة من حقها في الميراث خاصة بالريف القبلي والبحري تقول: أؤيد قانون تجريم حرمان المرأة من الميراث، باعتبار أن ذلك يسهم في سد ثغرات اجتماعية تنشأ بسبب الشقاق والخلاف الناتج عن حرمان النساء من الميراث، حيث إن ميراث المرأة أقره الله سبحانه وتعالي وحرمها منه المجتمع بعاداته وتقاليده الخاطئة، ولذلك يطالب القانون باعتبار حرمان المرأة من الميراث جرما يعاقب عليه فاعله لتسود العدالة الاجتماعية، فعلي مدي السنوات الماضية وجدنا أن السواد الأعظم من الأسر المصرية يحرمون الإناث من ميراثهن أو يقومون بإعطائهن جزءا صغيرا جداً من حقهن علي الرغم من أن حقها كبير من عقارات أو أراض علي اعتبار أنها متزوجة. تضيف أن القانون يقر دين الله، ذاكرة إحدي الحالات التي رفض إخوتها إعطاءها حقها من الميراث بعد وفاة والدها، وكان يسيطر عليها الخوف من رفع قضية علي إخوتها لاسترداد ميراثها ظناَ منها أنها بذلك ستخسرهم وتخسر صلة الرحم، غير القيل والقال الذي يتردد عن العائلة بالبلد، رغم أن زوجها متوفي ولديها بنت في حاجة إلي تجهيزها للزواج، وولد آخر بالجامعة ومعاشها محدود، وأخوها يعطيها مبلغا لا يتناسب مع ميراثها كل شهر وعندما قررت رفع دعوي، استعمل إخوتها الأم التي تعيش معهم للضغط عليها لسحب الدعوي، وإلا سيطردون الأم من البيت مما جعلها ترجع عن قرارها بالجري وراء حقها. تتابع هناك حالة أخري لامرأة لديها 3 إخوة منهم ولدان أرادا أن تتنازل عن كامل ميراثها مقابل جهاز زواجها، علي غرار أختها الصغري وأجبروها يوم فرحها علي ذلك إلا أنها رفضت بسبب تحذير زوجها لها إنها إذا تنازلت عن ميراثها سيطلقها ، وهو ماخلق الكثير من المشاحنات بين الإخوة وبين الزوج وزوجته وإخوتها، لافتة إلي أنه تم تقديم نص القانون إلي وزارة العدل وفي انتظار عرضه علي اللجنة التشريعية وطرحه للنقاش المجتمعي، لحين وجود مجلس نواب لإقرار التعديلات، موضحة أن القانون مصدره الشريعة الإسلامية وهو ما تم مراعاته عند وضعه. من ناحية أخري، رصدت "آخرساعة" عددا من القصص لسيدات تم الاستيلاء علي ميراثهن، ولم يجدن سبيلا لاسترداد حقوقهن سوي الدعاوي، من بين هؤلاء الحاجة زينب التي روت قصتها بالدموع تستغيث مما فعله بها أشقاؤها قائلة: "أنا من كفر الشيخ.. إخوتي استولوا علي حقي من ورث والدي بعد أن جعلوني أوقع علي عقود بيع وشراء لمستحقاتي وفهموني إنها عقود إيجار ومن وقتها مش عارفة أرجع حقي وجوزت بناتي الاتنين وعملت البيت اللي أنا قاعدة فيه من تعبي وعملي لمدة 30 سنة في المستشفيات، لكن أصبحت مريضة بالسكر وعايشة علي الصدقات، وبعد ما رحت للمجلس القومي للمرأة رفعت دعوي لكنها لم تستمر واعتذر المحامي عنها لصعوبة إثبات جريمة أشقائي، علي الرغم من عدم وجود شهود وقت البيع ومازلت علي حالي مش عارفة أرجع مليم واحد من حقي". في حين تقول الحاجة شريفة: "توفي والدي وعمري 10 سنوات وترك لنا بيت 3 قراريط وأرضا خرجت أمي للعمل في التجارة للصرف علي أنا وإخوتي لحد ما بقي عندهم 15 سنة وابتدوا يشتغلوا قعدت أمي من الشغل وجوزوني ابن خالي وأنا عندي 17 سنة.. وتوفي زوجي بعد 9 سنين وعندي ولد وبنت ولما ضاق بي الحال وطالبتهم بجزء من حقي رفضوا وقالولي إحنا اللي مجهزينك وربناكي ولحد كده ومالكيش حاجة ولما رفعت دعوي الناس قالوا إني واقفة ضد إخواتي فسحبت الدعوي". فيما توضح مريم عزت استشاري بناء القدرات بمشروع حق المرأة في الميراث بمنظمة "كير" الدولية بالتعاون مع مؤسسة قضايا المرأة المصرية أن المرأة بالصعيد في حاجة إلي التوعية بحقوقها، ولذلك نزل عدد من المتطوعين بمحافظات الصعيد وخاصة قري أسيوط وسوهاج لعمل ندوات وحملة طرق الأبواب لتوعية المرأة بحقها في الميراث وكيفية إدارتها لأملاكها في حين تم استردادها، مضيفة أن لجان الوساطة التي يتصدرها رجال الدين عامل مهم في استرداد المرأة حقوقها، إلا أن وضع القوانين بتجريم حرمانها من الميراث وتطبيقها سيساعد بشكل كبير في القضاء علي هذه الظاهرة. ومن الشخصيات التي استردت حقوقها بعد زيادة الوعي ومن خلال المشروعات الخاصة التي تعمل علي حق المرأة في الميراث مني عبدالله، تقول: "عمري 43 سنة متزوجة وزوجي شغال مؤذن في مسجد في قرية وعندي 6 أولاد معظمهم في المدارس وأنا وإخواتي أربعة منهم اثنين أولاد واثنين بنات متجوزين. توفي والدي وأنا في عمر 6 سنين، وترك لنا أربعة قراريط أرض وبيت العائلة وكنا جميعاً عايشين مع بعض إخواتي بيزرعوا الأرض وكلنا عايشين منها ولما اتجوزت كانوا بيزوروني ويودوني في الأعياد ولما توفيت أمنا من 3 سنين انقطعت علاقتهم بي ومحدش بقي بيجي ويروح علي أنا وعيالي ولما العيال ابتدوا يدخلوا المدارس وزادت المصاريف طالبتهم بحقي، ورغم أن كل الناس بتقول البنت ملهاش في ورث أبوها وخصوصا إن إخوتها صرفوا عليها وجوزوها، لكن أنا قلت حقي أولي به أولادي. تتابع: ذهبت إلي خالي وطلبت منه أن يكلمهم عشان يدوني نصيبي في ميراث أبويا وعشان عرفني لوحدي قالوا لخالي ملهاش عندنا ورث وكفاية إحنا صرفنا عليها طول عمرها وجوزناها، وفضلت علي الحال ده سنتين مش عارفة أعمل إيه وأقولهم إيه والموضوع ده خلاهم كمان محدش يجي منهم ناحيتي ولا يزورني وفضلت أعاني أنا وعيالي واشتغلت مدرسة محو أمية بعقد عشان أساعد بأي حاجة في البيت وفي يوم علمت بوجود مشروع لإرجاع حق المرأة في ميراثها.. فذهبت وملأت الاستمارة، وبالفعل من خلال لجان الوساطة تمكنت من استعادة حقي. تقول ياسمين ناصف، المحامية ببرنامج الوصول للعدالة بمؤسسة قضايا المرأة المصرية، إنه من خلال العمل علي حل قضايا حرمان المرأة من ميراثها يتضح أن قضايا الميراث مختلفة فهناك من يصمم علي حرمان المرأة من ميراثها وهذا يستلزم تحريك الدعاوي وذلك بعد إقناع المرأة بأن لها حقا يجب أن تطالب به حيث إن المرأة بالصعيد لم تنظر إلي الميراث علي أنه حقها وغالباً ما تتنازل عن حقوقها، وهناك حالات أخري ينجح حلها من خلال لجان الوساطة. تتابع: مركز قضايا المرأة يعمل علي قانون من خلال لجنة قانونية لصياغته، والقانون ليس خاصا بالمرأة فقط ولكن خاص بكل شخص يحرم من الميراث سواء كان طفلا أو امرأة أو ذا احتياجات خاصة، ويشمل القانون أيضاً معاقبة المرأة عند حرمانها إخوتها من الميراث، فمن خلال التعامل مع قضايا الميراث اتضح لنا أن هناك حالات حرمت المرأة إخوتها الرجال من الميراث واستغلت أنها كانت الأخت الكبري وقامت بتربيتهم واستحلت ميراثهم مقابل ذلك. من جانبها تقول انتصار السعيد مدير مركز القاهرة للتنمية أنه من المهم صدور قانون يجرم حرمان المرأة من الميراث في ظل النماذج الكثيرة من السيدات اللاتي تحرم من ميراثها، فالأخ الكبير في الصعيد دائماً يكون هو المتحكم في الميراث وتحرم منه العائلة والمرأة تحديدا، لاعتقادهم أنها ستتزوج والميراث سيذهب لرجل غريب في نهاية الأمر. فيما تري جواهر الطاهر المحامية بمؤسسة قضايا المرأة، أن القانون هو الرادع الوحيد للحد من ظاهرة حرمان المرأة من الميراث، موضحة أن المؤسسة تعمل علي قانون يمنع أن يقوم أحد بحرمان شخص من الميراث، ولكن مع تغليظ العقوبة، وفرض عقوبة أخري إذا ما قام الشخص بارتكاب نفس الفعل مرة أخري. من الناحية الدينية يقول جمال قطب رئيس لجنة الفتوي الأسبق إن الإسلام أوضح حقوق المرأة في الميراث كما أوضح للرجل حقوقه، وقد يأتي الاختلاف بين نصيب المرأة والرجل "للذكر مثل حظ الأنثيين" لأن الرجل له من أوجه الإنفاق الكثير ولذلك يأخذ ضعف الأنثي، وهو ما حدده الله عز وجل، بل ويجب الوضع في الاعتبار أن هناك أكثر من 20 حالة تأخذ المرأة ميراثها مثل الرجل أو أكثر منه، وهناك حالات أخري ترث فيها المرأة ولا يرث الرجل وحالات ترث فيها المرأة نصف الرجل.