هل يصلح "التوك توك" لقراءة جزء من واقعنا الثقافي، ولماذا لا يصلح، ونحن نراه يمثل ظاهرة ثقافية عاكسة لكثير من التغيرات الاجتماعية التي تدعونا للدراسة، خاصة بعد أن صار واقعا لا يمكن تجاهله، بل فرض نفسه ليتجاوز القواعد التي رسمها القانون لباقي المركبات، وامتلك طريقا يخصه ولغة، وما الذي يجعلنا نضع "التوك توك" كظاهرة ثقافية حديثة في المجتمع المصري، وما الذي يغري بدراسته، وقراءة واقعه، واقع عدد كبير من أفراد وجماعات الشعب المصري، فهذه الظاهرة مثيرة للأسئلة: هل التوك توك مجرد مركبة أو وسيلة انتقال فحسب، وهل الظروف الاقتصادية هي التي استدعته ورسخت لوجوده، أم أن نمط العمران العشوائي وغير المخطط له هو الذي أهله ليكون قرين الحارات والأزقة والمدن المتريفة ضيقة الشوارع والحارات ليقوم بوظيفة كان المجتمع المصري بحاجة إليها، وهل اقتصر انتشاره في هذه المناطق فحسب، وهل أصبح تأثيره من الوضوح بحيث نتصدي لدراسته بوصفه ظاهرة، الأسئلة متعددة، وتتعالق بأبعاد اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية ولغوية، فالتوك توك ليس مقطعا صوتيا متكررا، لكنه صار علامة ثقافية واجتماعية، وهو يقدم لنا مجموعة من الإشارات الدالة علي ما حدث من تغير في المجتمع المصري، هذه الإشارات يمكن قراءتها بعين وعقل علوم : اللغة - السيمولوجيا - الفولكلور - الفن التشكيلي - الأنثروبولوجيا الحضرية - الأيكولوجيا الثقافية - علم الاجتماع -فنون وموسيقي التوك توك، ناهيك عن أنه يكشف شبكة مركبة للعلاقات الاجتماعية علي المستوي الطبقي والثقافي، ويتعالق بذلك كله دراسة المناطق التي انتشر فيها، ورسخ لوجوده بحيث صار جزءا رئيسا في قلب المشهد الاجتماعي المصري، من هنا ينطرح السؤال من جديد هل يصلح "التوك توك" لمعاينة حال ثقافة الشارع المصري، وهل مازال مفهوم الشارع مفهوما جغرافيا، إحداثيا، متعينا في ضوء التداخلات بين الوسائط الجديدة للتواصل الإنساني، والتي أخذت جزءا كبيرا من دور الشارع، وجزءا من دور البيت أحيانا، حيث إنها أصبحت بيت البعض وشارعه، ورغم أنها قد تبدو متجاوزة المكان، إلا أنها أصبحت مكانا، نعم هي ليست المكان المتعين الذي ليس له تلك الحدود التقليدية، لكنها من الثبات وهي تبث ما تحمله من ثقافة للشارع - بغض النظر عن أحكام القيمة - عبر العبارات المكتوبة (دينية - شعبية ... إلخ) - اللوجوهات - الملصقات الجاهزة (ماركات عالمية - آيات قرآنية - عبارات دينية مأثورة إسلامية وقبطية ... إلخ) - الرموز - الصور (صور نجوم السينما والكرة والغناء من المحليين والعالميين) - الإكسسوارات الخاصة بالتوك توك - لكل واحدة وظيفة مفهومة جيدا لأصحاب التكاتك (الدباديب - الستائر - الوسائد - المرايا المتعددة " شغل المساحات وعاكس في البنات - بص في المرايه وصحصح معايا " إلخ) ومعظمها بغرض لفت نظر البنات واصطيادهن أو تقديم إشارات إغرائية - موسيقي وأغاني التوك توك - الوسائط التكنولوجية (المحمول - الإمبي ثري- شاشات العرض- الإضاءة - السماعات )، فهل حطمت هذه الوسائط المفهوم اللغوي والجغرافي للشارع، وهل نستطيع أن نمنح هذه الأشياء/ الوسائط صفة المكان، من هنا هل نستطيع القول إننا أمام لغة شارع تقليدي، أم أن مفهوم الشارع قد تغير عبر هذا الحراك التكنولوجي مع تداخله مع المفهوم القديم للشارع، في ظل هذا هل نتبع الأسئلة السابقة بسؤال عن أثر هذه المتغيرات علي لغة الشارع المصري الآن؟.